أزمة التعليم: الأولوية للتعويض والامتحانات!

ابراهيم حيدر – النهار

يتواصل التعليم في المدرسة الرسمية منذ أكثر من شهر، بعد عودة الأساتذة والمتعاقدين إلى صفوفهم لاستكمال المنهاج وتعويض الفاقد التعليمي الذي تسببت به أخيراً الإضرابات والتعطيل. التقدمات والمنح وبدلات النقل وزيادة أجر الساعة شكلت تسوية للعودة إلى الدراسة لكنها لم تحل الأزمة التي أحدثت تغيّرات في القطاع التعليمي. أحدث الفاقد فجوة تحتاج إلى تقليص لإعادة التعليم إلى مساره الصحيح ولإنقاذ السنة وصولاً إلى إجراء امتحانات سليمة تسمح بالحفاظ على مستوى الشهادة اللبنانية وتعيد الثقة التي فقدتها خلال السنوات السابقة. المهم أن التعويض يحتاج إلى جدول زمني وخطة مستدامة لعلاج المشكلة وتدارك الأخطاء المترتبة على الانقطاع عن الدراسة. وعليه لا بد من التركيز على هذه الأولوية ببرامج هادفة لتحسين التعليم في شكل أفضل من دون أن يكون الخيار الوحيد تقليصاً للمناهج بل بالانتقاء والتركيز على ما افتقده التلامذة فعلاً في المدارس من مهارات وتحصيل، ويمكن تمديد الدراسة حتى آخر حزيران المقبل للتعويض بتعليم نحو 20 اسبوعاً مكثفاً تؤسس للتلامذة وتحضرهم لامتحانات سليمة. وإذا استمر التدريس في المدرسة الرسمية بهذه الوتيرة يمكن اللحاق بما أنجز في الخاص، والتحضير منذ اليوم للسنة الدراسية المقبلة.

استكمال الدراسة لا يعني أن التربية تجاوزت أزماتها التي تتغذى من أزمات البلد، فالامور لا يمكن أن تسلك طريق الحل إلا بالاعتراف بوجود أزمة بنيوية في التعليم، ليست وليدة اليوم بل هي نتاج تعثرات تراكمت على مدى زمني لم تستطع التربية خلاله اجتراح خطط للخروج من النفق الذي كان التعليم يدخله بسبب قصور في الرؤى والتخطيط وضعف المشاريع للمعالجة، فذهبت في السنوات الماضية إلى خيارات سهلة، عبرت فيها عن عجزها، ومنها الترفيع ومنح الافادات، وتقليص حاد للمناهج والأيام الدراسية وحذف المواد.

يعرف الجميع أن تلامذة لبنان منذ العام 2019 لم يتعلموا في شكل طبيعي، ولم يدرسوا أكثر من نصف المنهاج، ولذلك يشكل ما تبقى من هذه السنة مفصلاً في إعادة الانتظام للتعليم. والتعثر الذي بدأ في القطاع منذ سنوات، لا يمكن حله بقرار يتخذ هنا أو هناك طالما ان الأزمة بنيوية، فالأولوية هي لوقف الانهيارات المتتالية، من دون التسرع في طرح مشاريع ترتبط بالقطاعين قبل دراسة الجدوى والاخذ بالاعتبار مصلحة المكونات التربوية كلها. وإذا كان الأمر يتعلق بالقطاع الخاص، فيجب تمرير هذه السنة بأقل الخسائر حتى مع زيادة الأقساط، لكن يمكن تقنينها من دون منح المؤسسات التربوية الخاصة تعديلات على القانون 515 أو المادة الثانية منه بالتحديد كي لا تتفلت الامور وتطيح بكل المكاسب التي حققها المعلمون وأيضاً ضمان حقوق أهالي التلامذة وقدرتهم على دفع الأقساط هذه السنة.

أزمة المدرسة بنيوية بالدرجة الاولى والمشكلة المالية هذ جزء منها. وعندما تكون الحلول مقتصرة على جانب وليس على المشكلة الأصل نشهد انهيارات كانت تتسارع بفعل سياسات تعليمية قاصرة، خصوصاً إذا استمرت السلطة في التعامل مع التعليم ضمن منطق التوظيف والمحاصصة، فيتفاقم الخلل البنيوي في شكل لا يمكن تعويضه إلا بإعادة النظر في كل النظام التعليمي وممارساته. لذا التقويم ضروري لاتخاذ قرارات تسمح بتجاوز الازمات.

Leave A Reply