لبنان دخل مرحلة المجهول والملفات كلها عالقة… هل يُعلّق ميقاتي ‏إجتماعات الحكومة؟

كتبت صحيفة ” الديار ” تقول : دخل لبنان مرحلة المجهول مع كل ما يواجهه من ملفات شائكة تهدّد عمل مؤسساته بما فيها مجلس ‏الوزراء. وإذا كانت الأزمة الثلاثية الأبعاد، سياسية – قضائية – مصرفية، هي زناد دخول مرحلة ‏المجهول، إلا أن الملفات الأخرى أي الإقتصادية والمعيشية والمالية والنقدية لها دورا أساسيا في هذا ‏الأمر، ويبقى مصير المواطن مجهولاً طالما لا بوادر أمل تلوح في الأفق.‏

الأزمة القضائية المصرفية

تُلقى الإجراءات القضائية التي يأخذها بعض القضاة ضد القطاع المصرفي، بظلالها على حياة المواطن ‏سواء من الباب الإقتصادي أو من الباب المعيشي. فالقرارات بحق هذه المصارف لها تداعيات مباشرة ‏على المواطن خصوصًا بعدما اتخذت المصارف قرارات في ما يتعلّق بسحب راتبه وأجره من المصارف، ‏وإستيراد السلع والبضائع الأساسية لإستهلاكه كالمحروقات والمواد الغذائية والأدوية، ولكن أيضًا سعر ‏الدولار في السوق السوداء.‏

القرارات القضائية أثارت غضب الرئيس ميقاتي الذي وصفها بـ “الملاحقات الشعبوية”، ودفعته إلى ‏الدعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء لمناقشة الإجراءات التي لـ “تصويب المسار القضائي” حيث وجه ‏الدعوة أيضًا لرئيس مجلس القضاء الأعلى والنائب العام التمييزي ورئيس التفتيش القضائي للمشاركة في ‏الجلسة، وطلب منهم تقديم صيغة تضع حدًا للملاحقات القضائية بحق المصارف ورؤسائها من جانب ‏النائبة العامة لجبل لبنان. إلا أن القضاة الثلاثة غابوا عن الجلسة عملًا بمبدأ فصل السلطات وهو ما قيل ‏أنه نتاج رفض فريق عمل الرئيس عون لهذا الأمر خلال الإجتماع الرئاسي الثلاثي في بعبدا (نهار ‏الجمعة المُنصرم).‏

وبحسب المعلومات، فقد بحث الرؤساء الثلاثة في هذا الإجتماع موضوع الملاحقات القضائية وهدّد خلالها ‏الرئيس ميقاتي بالإستقالة إذا ما إستمر المسار القضائي على ما هو عليه. إلا أن مصادر مُقرّبة من الرئيس ‏ميقاتي عقّبت على هذا الأمر بالقول أن تعطيل عمل مجلس الوزراء من خلال التوقّف عن الدعوة إلى ‏جلسات هو من الخيارات المطروحة أمام الرئيس ميقاتي قبل الإستقالة على غرار ما فعله الثنائي الشيعي. ‏وهذا إن حصل سيؤدّي إلى شل عهد الرئيس عون بالكامل خصوصًا أن تشكيل حكومة ما بعد الإنتخابات ‏‏(إذا ما حصلت) لن تكون سهلة!‏

ومن وجهة نظر الرئيس ميقاتي، فإن ملاحقة القطاع المصرفي لا تدخل ضمن صلاحيات مُدّعي عام جبل ‏لبنان مع وجود مدع عام مالي تقع المصارف ضمن دائرة اختصاصه وتحت الإشراف المباشر للنائب العام ‏التمييزي. وتُفيد مصادر صحافية إلى أن الرئيس ميقاتي اتصل بالنائب العام التمييزي القاضي غسان ‏عويدات وطلب منه “وضع حد لملاحقات القاضية عون العشوائية مستعملا معه اللهجة الحادة”. إلا أن ‏عويدات ردّ بالقول أنه ليس بمقدوره حمل هذا الملف الذي يحوي على تصفية حسابات سياسية ويُفضل نأي ‏القضاء عن الصراعات السياسية ودعا الرئيس ميقاتي إلى حلّ هذه الأزمة من خلال مجلس الوزراء.‏

وإذا كانت المعلومات التي شحّت من إجتماع مجلس الوزراء نهار السبت الماضي تُفيد بأن “الوزراء ‏متُفقون على معالجة الموضوع القضائي وفق القوانين”، إلا أن نفس المعلومات تُشير إلى أن التصعيد ‏مُستمر خصوصًا أن ميقاتي وقع في فخ التدخل في عمل السلطة القضائية وهو الذي رفض التدخل سابقًا ‏لنزع فتيل الأزمة في ملف القاضي البيطار بحجّة فصل السلطات.‏

عمليًا التصعيد القضائي تجاه القطاع المصرفي ينقسم إلى قسمين: التصعيد ضد حاكم مصرف لبنان، ‏والثاني التصعيد ضدّ المصارف بشخص رؤساء مجالس الإدارة.‏

على صعيد الحاكمية، تُحاول مُدعية عام جبل لبنان تطويق رياض سلامة بكل الطرق، إذ يكفي رفع أي ‏شكوى ضد سلامة حتى تقبلها القاضية عون وتُفعّل الملاحقة بحسب ما ذكر أحد الصحافيين في مجلس ‏خاص. وتتمتّع القاضية عون بغطاء سياسي واضح من قبل القصر الجمهوري وبالتالي فإن حركة الرئيس ‏ميقاتي تجاه دفع القاضي عويدات إسناد هذا الملف إلى المدعي العام المالي تحت إشراف عويدات نفسه ‏غير مُمكن، حيث وبحسب الصحافي طوني أبي نجم، تمّ إستدعاء عويدات إلى القصر الجمهوري وطُلب ‏منه عدم التدخل في الملف. وما طلب القاضية عون حضور حاكم مصرف لبنان إلى بعبدا للإستماع إلى ‏إفادته ومواجهته مع رجا سلامة، إلا دليل على أن التصعيد مُستمر وقد يكون الختام الإدعاء على سلامة ‏وتحويل الملف إلى قاض يكون عليه “مونة”.‏

لكن التخوّف الأكبر يبقى من تدخل أجهزة ثانية (غير جهاز أمن الدولة) لجلب رياض سلامة ومثوله أمام ‏القاضية غادة عون، حيث تخوّفت مصادر أمنية من أن يشهد اليوم إحتكاكًا مسلّحًا بين هذه الأجهزة والقوى ‏المولجة حماية حاكم المصرف المركزي. وأضافت المصادر أن هذا إن حصل سيؤدّي إلى تحلحل الدولة ‏رسميًا مع تسخير أجهزة أمنية رسمية لمصالح سياسية تكون نهايتها كارثية على المواطن.‏

أمّا على صعيد المصارف، فالملاحقات مُستمرة ومن المتوقّع أن تستمر بزخم كبير مع رفع دعوى جديدة ‏من قبل “جمعية المودعين” أمام قاضي الأمور المُستعجلة لإلزام المصارف فتح أبوابها اليوم وغدًا. وإذا ‏كان قرار القاضي إلزام المصارف فتح أبوابها مُمكنًا نظريًا، إلا أن التنفيذ على الأرض يبقى صعب المنال ‏خصوصًا أن الصراف الآلي فارغ وستتحجّج الفروع بعدم وجود المال فيها للقيام بعمليات الزبائن.‏

على صعيد أخر، يُتداول في الإعلام أن إخبارًا مُقدّمًا من أحد اللبنانيين المُقيمين في موناكو ضد رئيس ‏الحكومة نجيب ميقاتي، دفع بالسلطات القضائية هناك إلى طلب معلومات عن ميقاتي من السلطات ‏اللبنانية، وهو ما يعني أن تصفية الحسابات سائرة على قدم وساق! وبغض النظر عن السيناريوهات ‏المُحتملة، ما يحصل يُظهر مستوى التدخل السياسي في العمل القضائي وهو ما يفرض تحصين القضاء ‏من أهله وتنقيته لحماية الدولة بكل مؤسساتها وأفرادها.‏

مجلس الوزراء

وكان أشير سابقاً نقلاً عن مصدر وزاري “أن الجسم الحكومي سليم رغم تباين الآراء حول بعض ‏القضايا”. إلا أن هذا التصريح لا يعكس بالضرورة الحقيقة على الأرض على الرغم من حرص المصدر ‏الوزاري في تصريحه على القول بأن “الحكومة ماضية في القيام بواجباتها ومهامها”. فالأنظار مُسلّطة ‏على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لمعرفة ردّة فعله على الملاحقات القضائية التي تقوم بها القاضية عون ‏حيث أن من بين الإحتمالات المُتوقّعة عزوف الرئيس ميقاتي عن الدعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء كردّ ‏مباشر على إستمرار الملاحقات التي يُصنّفها ميقاتي بأنها ملاحقات ذات أهداف سياسية وذلك بغض النظر ‏عن أحقيتها من عدم أحقيتها.‏

وإذا كان موقف الرئيس ميقاتي هو رهينة عمل وزير العدل الذي تكفّل البحث مع الجسم القضائي مُعالجة ‏تداعيات القرارات القضائية المُتصلة بالقطاع المصرفي، فإن التوقّعات ألا تُثمر هذه الإتصالات نظرًا إلى ‏التدخل الكبير من قبل الفريق الرئاسي في هذا الملف. وعلمت الديار أن مطلب الرئيس ميقاتي الرئيسي ‏هو سحب الملف من يد القاضية عون ووضعه في مكانه الصحيح أي لدى المدعي العام المالي بإشراف ‏مدعي عام التمييز. وبما أن هذا الأمر غير مُمكن نظرًا لموقف رئاسة الجمهورية، لذا فإن التوقّعات تدور ‏حول تعطيل شبه كامل لمجلس الوزراء في المرحلة المقبلة.‏

الأسعار إلى الإرتفاع

تطورات الملف القضائي بحق المصارف، دفع هذه الأخيرة إلى إعلان يومي إضراب (اليوم وغدًا)، ما ‏ادى الى رفع من سعر صرف الدولار في السوق السوداء نظرًا إلى دور المصارف في عرض الدولارات ‏على منصة “صيرفة”. هذا الأمر إنعكس سلبًا على أسعار السلع والمواد الغذائية التي إرتفعت وسترتفع ‏أكثر في الأيام المقبلة، وهو ما دفع العديد من المواطنين إلى إستباق إرتفاع الأسعار وتخزين مواد غذائية ‏وسلع أولوية لتفادي إرتفاع الفاتورة الإستهلاكية أخر هذا الشهر. هذا الإرتفاع ليس نتاج الملفات القضائية ‏بحق المصارف فقط، فالأزمة الروسية – الأوكرانية تلعب دورًا جوهريًا في هذا الإرتفاع وكان التعويل ‏على الحكومة في إجراءات مُعيّنة للجم الإرتفاع في هذه الأسعار. إلا أن التطورات القضائية وردة فعل ‏المصارف تُقلّل من إحتمال إتخاذ مثل هذه الإجراءات وبالتالي زادت المخاوف بشكل كبير.‏

وبحسب نقيب أصحاب السوبرماركت، هناك إرتفاع أكيد بأسعار السلع نتيجة إرتفاع أسعار النفط الذي ‏يؤثر بشكل مباشر على الكلفة، ونتيجة إرتفاع سعر صرف الدولار أمام الليرة اللبنانية في السوق السوداء. ‏وبحسب النقيب، إرتفع سعر صرف الدولار تقريباً بنسبة 10%. أمّا بالنسبة لرئيس نقابة مستوردي المواد ‏الغذائية فان “إرتفاع أسعار السلع الغذائية سيكون بنسب متفاوتة”، وقد تصل إلى 40% لبعض السلع. من ‏جهة اللحوم، الوضع ليس بأفضل حيث أن هناك إرتفاع الأسعار أكيد بحكم الأزمة الأوكرانية – الروسية ‏وقد يصل هذا الإرتفاع إلى أكثر من 15%.‏

على صعيد المحروقات، شهدت محطات الوقود أمس زحمة خانقة من قبل المواطنين الذين يتهافتون لملء ‏خزانات سياراتهم بالوقود خلال الإقفال المتوقّع ليومين، غير أن الأزمة حلت وتم التأكيد على توافر ‏المحروقات في السوق بدءا من اليوم. أيضًا يتوجب الذكر أن الأسعار ستعود إلى الإرتفاع في الأيام المقبلة ‏مع إرتفاع أسعار النفط العالمية ومع إرتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء.‏

لا كهرباء من دون إصلاحات

أمّا كهربائيًا، فالأزمة إلى تصعيد أكثر مع تراجع ساعات التغذية بشكل متواصل مع مناطق محرومة ‏بالكامل من التيار الكهربائي الآتي من مؤسسة كهرباء لبنان، في حين أنها لا تتعدّى الساعتين يوميًا في ‏بعض المناطق. وإذا كانت المولّدات الخاصة تؤمّن من 7 إلى 12 ساعة يوميًا، إلا أن الأسعار مُرشّحة ‏للإرتفاع بشكلٍ كبير مع إرتفاع أسعار النفط عالميًا، حيث من المتوقّع أن ترتفع التسعيرة بنسبة 15% أقلّه ‏في المرحلة المُقبلة.‏

هذا وأفادت مصادر مُطلعة على ملف الكهرباء أن إقرار الخطة من قبل مجلس الوزراء لن يُقدّم أو يؤخّر ‏في تحسين الوضع الكهربائي نظرًا إلى أن الخطة تحتاج إلى أمرين للمضي فيها: الأمر الأول هو الضوء ‏الأميركي الأخضر للسلطات المصرية والأردنية، والثاني هو تمويل من البنك الدولي للمشروع، وهذين ‏الأمرين مشروطان بإصلاحات على رأسها تعيين الهيئة الناظمة للقطاع ولكن أيضًا مربوطة بملف ترسيم ‏الحدود البحرية مع العدو الإسرائيلي. وبالتالي فإن التيار الكهربائي سيكون مُشكلة جوهرية في المرحلة ‏المقبلة.‏

ترسيم الحدود

عاد ملف ترسيم الحدود الجنوبية مع العدو الإسرائيلي إلى الواجهة مع اقتراح الوسيط الأميركي آموس ‏هوكشتاين. هذا الإقتراح الذي تمّت مناقشته في اللقاء الثلاثي الذي جمع الرؤساء الثلاثة في القصر ‏الجمهوري الأسبوع المنصرم، ووجه برفض ديبلوماسي من خلال دعوة لبنان للولايات المُتحدة الأميركية ‏للإستمرار في جهود الوساطة التي تقوم بها لاستكمال مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل على ‏ضوء ملاحظات وضعتها اللجنة التقنية اللبنانية على اقتراح الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، وذلك ‏وفقاً لإتفاق الإطار والخط 23 كمنطلق للبحث في مفاوضات ترسيم الحدود.‏

على كل الأحوال، دخل لبنان عمليًا مرحلة المجهول مع ضرب القطاع المصرفي وفقدان المواطن لأمنه ‏الغذائي وزيادة الصراعات السياسية، اضافة الى عدم اقرار الحكومة وثم المجلس النيابي قانون الكابيتال ‏كونترول والذي يحفظ بطريقة غير مباشرة ودائع المواطنين في المصارف، دون أن ننسى ان على ‏الحكومة الاسراع في اقرار خطة التعافي الاقتصادي على أن يكون المودع الطرف الأقل تضرراً منها في ‏عملية توزيع الخسائر. ‏

Leave A Reply