ما البديل عن زيادة الرسوم والضرائب على المواطن؟

جاسم عجاقة – الديار

يُصادف اليوم الرابع عشر من أذار ذكرى إستشهاد الرئيس رفيق الحريري، وهو يوم عطلة رسمية على الرغم من الإتصالات السياسية القائمة تداركًا لجلسة مجلس الوزراء المنوي عقدها غدًا الثلاثاء لبحث ملف الكهرباء. هذه الإتصالات التي إستمرّت منذ الخميس الماضي وحتى اليوم هدفت إلى إمتصاص التوتر الذي نتج عن إقرار الموازنة وعن التعيينات التي قامت بها الحكومة خلال إجتماع مجلس الوزراء والتي أثارت حفيظة الثنائي الشيعي.

جلسة الغدّ والتي من المفروض أن يكون موضوعها الأساسي ملف الكهرباء تشمل طلب سلفة خزينة لشركة كهرباء لبنان على أن يقوم وزير الطاقة والمياه بعرض خطته التي تحوي على ثلاث نقاط واضحة المعالم إلى حدٍ ما، ومطالب أخرى غير واضحة المعالم وتُهدّد إستمرارية الكهرباء على المدى المتوسط إلى البعيد.

من النقاط الواضحة المعالم في عرض وزير الطاقة والمياه، مطلب الوزارة إقرار سلفة خزينة بقيمة 5250 مليار ليرة لبنانية لمؤسسة كهرباء لبنان لتمويل شراء الفيول كما ورفع التعرفة التي تقول الوزارة أنها من مطالب البنك الدولي – علماً بأن رفع التعرفة دون تحسين الجباية لا يزيد الطين إلا بلة. أضف إلى ذلك الشرح المفصل الذي سيقوم به الوزير حول مشروع إستجرار الغاز من مصر عبر الأردن كما وإستجرار الكهرباء من الشبكة الأردنية عبر سوريا.

مُقابل هذه النقاط، هناك نقاط أخرى تطرح علامات إستفهام كبيرة لا نعرف ماهية الأجوبة التي تمتلكها الوزارة في ظل غياب أفق واضح على خط المفاوضات مع صندوق النقد الدولي:

أولًا – يعلم الجميع أن البنك الدولي يرفض تسليف الحكومة اللبنانية أموالًا لتمويل مشروع إستجرار الغاز والكهرباء من الأردن من دون أن يكون هناك إصلاحات (أساسية بالنسبة للبنك الدولي) تقوم بها الحكومة في مجال قطاع الكهرباء. وعلى رأس هذه الإصلاحات تعيين الهيئة الناظمة لهذا القطاع، ورفع التسعيرة بشكل يُغطّي كلفة الإنتاج وباقي الأكلاف التشغيلية الأخرى وهو ما يفرض حكمًا وقف التعدي على الشبكة وتحسين الجباية، ووضع خطة نهوض لهذا القطاع يكون عمادها إنسحاب كلّي للدولة من هذا القطاع…

وهنا نسأل عن إستعداد وقدرة الحكومة على القيام بهكذا إصلاحات؟ الجواب متعذر في ظل التجاذبات السياسية والتدخل السياسي القوي في هذا الملف الذي فشلت فيه الدولة فشلًا ذريعًا بغض النظر عن المسببات والمعوقات حيث أن الكلفة وصلت إلى مستويات دفعت بسيناتورين أميركيين إلى الطلب من الإدارة الأميركية منع تمويل الحكومة اللبنانية بالأموال التي ستذهب إلى هذا القطاع الذي تفوح منه «رائحة الفساد» (بحسب ما ورد في كتاب السيناتورين).

ثانيًا – عمليًا أيُّ سلفة سيتم الموافقة عليها ستكون غير كافية لتأمين إستمرارية هذا القطاع بحكم أن الوقت اللازم لإصلاح الوضع داخليًا سيتطلّب على الأقل من عام إلى عامين وهو ما يعني عشرات تريليونات الليرات من التمويل غير المتوافرة في خزينة الدولة!

ثالثًا – شئنا أم أبينا، الإعتماد الأساسي اليوم على قطاع المولدات الخاصة التي تؤمّن الكهرباء للمواطنين في قسم كبير. وهنا يُطرح السؤال الأساسي: هذه المولدات التي تعيش عمراً افتراضياً لا يزيد عن 15 إلى 20 ألف ساعة تشغيل، كيف سيتم تجديدها؟ ومن أين سيتم تمويل هذا التجديد؟ في الواقع، التوقعات المتوافرة تُشير إلى أن عمر هذه المولدات سيصل إلى نهايته في أواخر هذا العام وهو ما يعني إستحالة الحصول على كهرباء إذا لم يتم تجديد لهذه المولدات. وبفرضية أن خطة وزير الطاقة والمياه فشلت كما فشلت سابقاتها بغض النظر عن الأسباب، فهذا يعني أن البلد قادم على كارثة كبرى.

رابعًا – كيف سيتم تمويل إنشاء معامل كهربائية – إذا ما وردت في خطة الوزارة – والكل يعلم ربط كل الجهات الدولية إقراض الدولة اللبنانية بنتائج التفاوض مع صندوق النقد الدولي وهو أمر غير مضمون مع الإشارات التي صدرت عن صندوق النقد في بيان حديث صدر بعد إنتهاء الجلسة الأولى من المفاوضات الإفتراضية؟

خامسًا – تحسين الجباية هو أمر غير مضمون مع إستهلاك النازحين لقسم لا بأس به من الكهرباء المُنتجة من دون أن يكون هناك بديل مادي، بالإضافة إلى التعديات العديدة التي تطال الشبكة والتي تُنذر برفع التعرفة على المشتركين الشرعيين من دون أن يكون هنالك عدالة في الجباية. أضف إلى ذلك مهنة التعدين التي أصبحت مُنتشرة بشكلٍ كبير وتستهلك كمية هائلة من الكهرباء من دون أن يكون هناك قدرة على توقيفها نظرًا إلى الحمايات والمحسوبيات التي تطال أصحاب هذه المناجم الإفتراضية.

في الواقع هذه النقاط تُشير إلى صعوبات جمّة تعترض أي خطة ستطرحها وزارة الطاقة والمياه وتُنذر بإعتراضات سياسية ستقف عائقًا أمام بلوغها بر الأمان.

إيرادات الموازنة والبدائل

في هذا الوقت، أقرّت حكومة الرئيس ميقاتي مشروع موازنة العام 2022 مع إعتراضات طالت آلية إقرارها في مجلس الوزراء. هذه الموازنة التي زادت الكثير من الرسوم – من دون أن يكون هناك زيادة ضرائب مباشرة – مع هامش يفرضه الدولار الجمركي، ستطال حكمًا المواطن وقدرته الشرائية في الدرجة الأولى وسيكون مفعولها كمفعول الضرائب إذا لم يكن أسوأ، إذ إن الضرائب تطال عادة الأعمال والأرباح ولكنها هنا موجهة إلى المستهلك النهائي End user. مثلًا الدولار الجمركي الذي أقرّ على سعر منصة صيرفة، سيطال الضريبة على القيمة المضافة، وسيتخذه العديد من التجار الذي يقبضون الرسوم الجمركية والضريبة على القيمة المضافة على سعر السوق السوداء منذ بدء الأزمة، كحجّة لرفع الأسعار. فما هي خطة الحكومة للجم رفع الأسعار وهي التي تنصّ مُهمتها الأولى على ضمان ثبات الأسعار والتوظيف الكامل (التوازن الداخلي)؟

أيضًا ونظرًا إلى حجم القطاع العام في الإستهلاك (موظفي القطاع العام وإستهلاك الدولة)، ونظرًا إلى المساعدات التي تُقدمها الدولة لموظفيها، فإن هذه المساعدات ستذهب حكمًا إلى التجار الذين سيزيدون من أسعارهم وهو ما يعني ضربة للتوزيع العادل للثروات الذي يُعتبر أساس الإنماء في المجتمعات.

من هنا نرى أن الخيارات البديلة لرفع الرسوم والضرائب، لها مفعول إقتصادي أكبر كما تنص النظرية الإقتصادية بقولها أنه في زمن الأزمات الإقتصادية من الأفضل وضع الضرائب على الموارد غير المُستخدمة في الإقتصاد كالأملاك البحرية والنهرية وسكك الحديد والتي كانت لتدرّ ثروات على الخزينة. فلماذا سُمح مثلاً لمصادري هذه الأملاك بالبناء عليها ولماذا لم يتم القول أن بدل الإشغال هو على سعر منصة صيرفة في حين أن المواطن يدفع الرسم الجمركي على سعر منصة صيرفة؟ ما الجدوى الإقتصادية من هذا الإجراء؟

أيضًا يُمكن ذكر الضرائب التصاعدية والتي تسمح بتمويل عادل لخزينة الدولة لا على حساب الفقراء، الجدير ذكره أن الأداة الضريبية هي أداة مُشرّعة في القوانين والدساتير في العالم أجمع ولا شيء يُحرّم إستخدامها حتى أن دولة كالإمارات العربية المُتحدة أدخلت نظام الضريبة على الدخل بعد أن كانت الشركات والأفراد معفيين منها.

وكيف لنا أن ننسى الأرباح الطائلة التي حققها بعض التجار من خلال التعامل بالكاش والتي حرمت خزينة الدولة من إيرادات هائلة؟ لماذا لم تضع الحكومة بندًا بهذا الخصوص ولو مقطوعة على سبيل التسوية؟

وهنا نطرح سؤالًا جوهريًا عن الأملاك النهرية التي تمتلكها الدولة والمُصادرة من قبل بعض أصحاب النفوذ: مع بروز الأزمة الروسية – الأوكرانية وإحتمال وقف إستيراد القمح من أوكرانيا المصدر الأساسي للبنان (133 مليون د.أ في العام 2020 بحسب المركز الدولي للتجارة)، لماذا لا يتمّ إستعادة هذه الأملاك وزرعها بالقمح والحبوب لتعويض النقص. الجدير ذكره أن لبنان يعتمد بشكل كبير على القمح الأوكراني، وهذا يعني أنه في حال نشوب حرب بين روسيا وأوكرانيا سيكون لبنان في أزمة غذائية تُضاف إلى الأزمات التي تعصف به.

على صعيد الإنفاق، نرى أن هناك إستمرار في الإنفاق المُفرط كما تُظهره أرقام الموازنة من ناحية تمويل الجمعيات التي إشتكى منها الجميع خصوصًا من ناحية عدم جدوى بعض هذه الجمعيات التي تتلقّى أراقامًا خيالية! ولا يُمكن نسيان إيجارات الدولة للقطاع الخاص والتي لا تزال على سعر 1500 ليرة وإيجارات الدولة من القطاع الخاص بالدولار الأميركي منها العديد من المباني في وسط العاصمة. هذه الأمثلة للقول أن مثل هذه الأمور لا يُمكن القبول فيها في دولة مُفلسة!

وماذا نقول عن مئات السفارات المُستأجرة حول دول العالم لماذا لا يتمّ خفض الإيجارات في هذه السفارات وتنزيل التمثيل من السفير إلى مستوى قائم بالأعمال؟ وماذا عن دراسة مفصلة عن القطاع العام وأكثر من 90 مؤسسة غير مجدية يجب إقفالها؟

في الواقع هذه الموازنة التي نرى إقرارها «أكثر من ضرورة» لأنه في الوقت التي غابت فيه الموازنات (2006 – 2016 ) تضاعف الدين العام، لا تستوفي شروط صندوق النقد الدولي ولا تطلعات الشعب اللبناني والأهم لا تُحاكي تحديات لبنان الإقتصادية والمالية والنقدية والمصرفية. وبالتالي يتوجّب على المعنيين تحسينها وإقرارها في أسرع وقتٍ مُمكن.

أيضًا لم يرد في الموازنة شيء يتحدث عن دينها العام الذي توقفت عن دفعه مع العلم أن القسم الأكبر منه هو من أموال المودعين؟ على هذا الصعيد، لا نرى في الهيركات أي إستفادة إقتصادية من ناحية أنه سيحرم المواطن من أمواله بحكم أن المصارف أقرضت الدولة من أموال المودعين، وبالتالي نرى أن الإعتراف بالدين العام مع العمل على تحسين فائض الميزان الأولي بشكل يفوق خدمة الدين العام، تسمح بحل مُشكلة الدين العام من دون المسّ بأموال المودعين. هذه الطريقة تعطي مصداقية أكبر للدولة اللبنانية وتعفي المودع من هيركات لا مسؤولية له بما حدث، أضف إلى ذلك أن حل إستخراج الغاز من المنطقة الإقتصادية الخالصة التابعة للبنان والذي قدرناه في العام 2011 بأكثر من 300 مليار دولار أميركي مع إحتمال 95% يسمح للدولة بزيادة ملاءتها المالية في الأسواق العالمية.

الأسعار وواجب وزارة الإقتصاد

الأسعار إنخفضت بشكل «خجول» مع إنخفاض سعر دولار السوق السوداء بحدود الـ 34% وهو ما يعني أن الإحتكار سيد الموقف بحكم أن ليونة الأسعار تدل على مستوى إنخفاض الإحتكار في حين أن صلابة الأسعار تدل على مستوى عال من الإحتكار.

وتُظهر فواتير بعض التجار أنهم يُسعرون الضريبة على القيمة المضافة والرسم الجمركي على سعر السوق السوداء وهو ما يشكل جناية بحكم أن الضرائب السيادية لا يُمكن المتاجرة بها! وبالتالي يتوجب على وزير الإقتصاد والتجارة إصدار لائحة بكل السلع والبضائع مع هامش ربح لها كما يسمح له القانون بذلك، فالأرقام التي تمّ تحقيقها من قبل التجار – عملًا بالحسابات التي قمنا بها – والتعامل بالكاش يجعل من أرباح هؤلاء تتخطى كل منطق قانوني (المرسوم الإشتراعي 73/83) أو أخلاقي.

ولا يُخفى على أحد أن قانون التنافسية الذي أصبح ضرورة قصوى يجب أن يُقر في أسرع وقت لأنه الوحيد الكفيل بخفض الأسعار حيث أن الإحتكار هو العدو الأول للإقتصادات الحرة في الأحوال العادية فكيف بك في وقت الأزمات الخانقة؟

Leave A Reply