لا تفاوض مع صندوق النقد: المؤشرات ما زالت عقيمة

خضر حسان – المدن

فشلت حكومة حسان دياب في تهيئة الأرضية الملائمة لإقناع صندوق النقد الدولي بجهوزية لبنان للتفاوض مع الصندوق، وإيجاد الطريق المناسب للخروج من الأزمة. وترى حكومة نجيب ميقاتي أنها أقدر على التعامل مع الصندوق، خصوصاً وأنها توصّلت مع مصرف لبنان إلى أرقام مشتركة حول الفجوة المالية، التي تقدَّر بنحو 69 مليار دولار، بعد أن كان الركون إلى رقم تقريبي مستحيلاً.

لكن تقريب وجهات النظر بين الحكومة والمصرف المركزي، لا يعني اكتمال الشروط المطلوبة لانجاح التفاوض، وليس تحديد أرقام الفجوة المالية وحده ما يطلبه صندوق النقد. ما يعني أن الطريق ما زالت طويلة، رغم محاولات الإيحاء بأن الوضع بات أفضل والتفاوض المنشود أصبحَ واقعاً.

لا تفاوض الإثنين

منذ بداية العام 2020 تحاول السلطة السياسية اعتبار المحادثات مع الصندوق على أنها تفاوض، فيما هي عملية وضع الصندوق في إطار ما تقوم به السلطة تمهيداً للتفاوض. فعلى أقل تقدير، لم تضع الحكومة حتى اللحظة خطة تعافٍ اقتصادي كاملة وواضحة يمكن نقاشها مع القطاع الخاص وإقرارها رسمياً، قبل تقديمها للصندوق بشكل نهائي.

ومع ذلك، يؤكّد وزير الاقتصاد والتجارة أمين سلام أن “المفاوضات الرسمية مع صندوق النقد الدولي ستبدأ الإثنين المقبل، بعدما تم الإنتهاء من مباحثات تحضيرية حول الأرقام التي طلبها صندوق النقد بشأن حجم الخسائر في القطاعين المالي والمصرفي، أو ما يسمى بالفجوة المالية”. ويوضح سلام في حديث لوكالة الأناضول التركية، أن “برنامج الاستدانة من صندوق النقد في المرحلة الأولى، في حال تم إنجازه، سيرصد ما بين 3 و4 مليارات دولار”. على أن هذا التمويل قابل للزيادة. وبنظر سلام، هذا الأمر “مرتبط بمدى تطبيق الحكومة التزاماتها تجاه الصندوق. والحكومة أنجزت خطة التعافي الاقتصادي، على أن يبدأ تنفيذها خلال آذار المقبل، على ضوء مشروع الموازنة العامة”.

إستَعجَلَ سلام في اعتبار المحادثات التي ستجري الإثنين بأنها المفاوضات المنشودة. فحسب رئيس وحدة الدراسات في بنك بيبلوس، نسيب غبريل، فإن “ما سيحصل الاثنين هو مشاورات كالمشاورات السابقة. وفريق صندوق النقد سيناقش الوضع الاقتصادي ووضع المالية العامة والسياسة النقدية ووضع القطاع المصرفي وحجم التضخّم.. وما إلى ذلك، وهذا لا يُعتَبَر انطلاق المفاوضات، بل مشاورات إضافية”.

مؤشرات عقيمة

عودة الحكومة إلى الاجتماع وفك عقدة الثنائي الشيعي، قد تؤخَذ على أنها خطوة إيجابية باتجاه استئناف اجتماعات الحكومة، ولا يمكن تحميلها أكثر مما تحتمل. حتى بالنسبة لإنجاح الجلسات واتخاذ قرارات إيجابية على المستوى الداخلي، فهذا أمر مرهون بالسجال السياسي. وبالتالي، كل ما ترافق من مظاهر اقتصادية ونقدية إيجابية، على غرار انخفاض سعر صرف الدولار من نحو 33 ألف ليرة إلى نحو 23 ألف ليرة، أو انخفاض أسعار بعض السلع “ليس هو ما شجّع وفد الصندوق على إجراء محادثات يوم الإثنين”، على ما يقوله غبريل لـ”المدن”. فالمطلوب برأيه “إصلاحات هيكلية وتحقيق النمو وتحسين وضع المالية العامة ووضع القطاع المصرفي وتحسين الوضع الاجتماعي”. خصوصاً وأن الصندوق لم يقطع تواصله مع الفريق الاقتصادي اللبناني المكلّف بالتفاوض معه، حتى في ظل عدم اجتماع الحكومة، فتبادل المعلومات التقنية استمر، وصولاً إلى اتخاذ قرار حول حجم الفجوة المالية”. أما اختصار الطريق والقول بأن المحادثات هي تفاوض، فهو بنظر غبريل “كلام من أناس لا تدرك كيف يعمل صندوق النقد”.

رسالة إلى الصندوق

لم تقتنع نقابات المهن الحرة والنقابات والاتحادات العمالية ورابطة المودعين ومن خلفهم الجمهور الذي يمثّلونه، بأن ما تقوم به السلطة السياسية ومصرف لبنان وجمعية المصارف، هو وضع خطة للتعافي. ما دَفَعَ نقيب المهندسين عارف ياسين، إلى طلب اجتماع رسمي مع وفد الصندوق “بأقرب فرصة ممكنة”. وينطلق موقف نقابة المهندسين من أن “حكومة لبنان ومعها المصرف المركزي، تستمر بتعطيل تنفيذ خطّة اقتصاديّة وماليّة شفّافة يمكن أن تحمي صغار المودعين وصناديق التقاعد والاقتصاد عموماً، بل ينتهجان سويّاً سياسات تضخّميّة لتصفية مدّخرات اللبنانيّين بشكل غير قانونيّ، وقد فشلا في وضع قانون لضوابط مؤقتة واستثنائية على التحويلات والسحوبات المصرفية (كابيتال كونترول) منذ بداية الأزمة، سامحين للمودعين المرتبطين بهم بتهريب أموالهم إلى خارج البلاد، ومحافظين على سياسة أسعار صرف متعدّدة تدّمر النظم الاقتصاديّة والاجتماعيّة”.

وفي رسالة للصندوق، اعتبر ياسين أن “أيّ خطّة إنقاذ مالي وطنيّة ينبغي أن تشتمل العدالة في توزيع الخسائر. إعادة هيكلة الدين العام. الشمولية، أي اعتماد إطار شامل لاستقرار الاقتصاد الكلّيّ. الشفافية، أي إجراء تدقيق جنائي مالي للقطاع المصرفي وكذلك لمصرف لبنان. المساءلة، أي محاسبة الشخصيّات البارزة سياسيّاً والموظّفين العموميّين والتنفيذيّين في القطاع المصرفيّ، بالإضافة إلى النخب الماليّة عن مسؤوليّاتهم العامّة تجاه الأزمة المالية ولاشتراكهم في فرض ضوابط غير قانونيّة على رأس المال، وتهريب ودائعهم إلى الخارج”. بالاضافة إلى “تأمين أرضية حماية اجتماعية لغالبية اللبنانيين”.

أما مشاورات الصندوق الحالية، وصولاً إلى بدء التفاوض، فلا يمكن أن تؤتي ثمارها بشكل فعلي وشفّاف ما لم يشترك الناس بها “لأنّ شرعيّة الحكومة اللبنانيّة ومصرف لبنان وداعميهما من المنظومة السياسيّة الحاكمة مشكوك فيها. وعليه، من غير المقبول حتّى اليوم إبقاء الشعب اللبنانيّ والصحافة ومجموعة واسعة من أصحاب الحقوق، مثل نقابتنا، بلا علم بما يحدث، بينما تجري مناقشة الخيارات السياسيّة خلف أبواب مغلقة”. أم “المشاركة الضعيفة للمجتمع المدني”، فهي في نظر ياسين “قيداً خطيراً يوثّر في مصداقية أيّ حزمة سيقدّمها صندوق النقد الدولي، وانتكاسة خطيرة في ضوء الالتزام بالمشاركة والشفافية الذي أعلنه الصندوق بنفسه”.

التفاوض الرسمي ما زال بعيداً، وما استباق المراحل سوى تأكيد على فشل وضع خطة فعلية واستتباعها بإجراءات على الأرض تضبط أولاً التقلّب المستمر في سعر صرف الدولار، لما له من انعكاسات إيجابية على المستويين الاقتصادي والاجتماعي. ثم أن المصرف المركزي والقوى السياسية وجمعية المصارف لم يضعوا بعد تصوراً لإعادة ما تبقّى من ودائع لأصحابها. والإصرار على النهج القائم، يدعم المخاوف التي تقول بأن المصارف ستستمر باجراءاتها حتى إطفاء خسائرها، قبل إعادة الهيكلة والتفاوض مع الصندوق والالتزام بما يفرزه التفاوض من خطوات.

Leave A Reply