كورونا لبنان: تحدّيات وانتصارات وقطاع صحّي منهك… “الامتحان الأصعب الشهر المقبل”

ليلى جرجس – النهار

خسرنا معارك كثيرة مع الفيروس وفقدنا مئات الأرواح، نسبة الإماتة التي بلغت العام الماضي 1.4% حرمت عائلات من أحبّائهم. خسر 9 آلاف لبنانيّ معركته مع الوباء مقابل 650 ألف حالة تعافٍ، المواجهة ما زالت تحتدم بين الحين والآخر للقضاء على كورونا، وسباق بين الانتشار المحلّي والتطعيم يرافقه متحوّرات جديدة تُنهك القطاع الصحّي والاقتصادي أكثر فأكثر.

اجتاز لبنان شوطاً كبيراً في معركته مع الفيروس، وبعد أن واجه موجة قاسية في مثل هذه الفترة، نجح في احتوائها وتخفيف أعداد الإصابات بشكل كبير في الأشهر التي تلت الكارثة. اليوم الخوف من تكرار السيناريو التصاعدي بالحالات الإيجابية واقعي، التحذيرات يواكبها صرخة طبية عقيمة نتيجة الهجرة القاسية للطواقم الطبية والتمريضية التي جعلته عاجزاً في مواجهة كارثة جديدة.

الواقع الصحّي خطير، المستلزمات الطبية مفقودة والأدوية مقطوعة وكلفة الاستشفاء تفوق قدرة شريحة كبيرة من اللبنانيين. فهل يصمد لبنان ويتخطّى موجة قاسية ومحتّمة بأقلّ خسائر ممكنة؟

تسترجع رئيسة برنامج الترصّد الوبائيّ في وزارة الصحة الدكتورة ندى غصن أبرز المحطات التي اختبرها لبنان مع كورونا من موجات قاسية إلى انحدار في المستوى الوبائي، تقول: “عانى لبنان في مثل هذا الوقت من العام الماضي من ارتفاع تصاعديّ في الإصابات قبل أن يختبر موجة قاسية في كانون الثاني ونسبة استشفاء ووفيات مرتفعة، وبدأت تنحسر الموجة في شهريّ نيسان وأيار حيث بدأ لبنان بتنفّس الصعداء.

3 أشهر من الاستقرار وانخفاض واضح وكبير في منحى الإصابات، عاش فيها لبنان بمعدل إصابات منخفض جدّاً. ليعاود في شهر أيلول في تسجيل إصابات جديدة، كنّا نأمل أن تبقى مستقرّة لكن المؤشّرات الوبائية الأخيرة خصوصاً في شهر تشرين الثاني تشير إلى ارتفاع في المنحى الوبائي والخوف الأكبر يتمثّل في شهر كانون الثاني وما قد يحمله من صعوبات على صعيد القطاع الاستشفائي.

وتشرح غصن أنّه “بعد دخول متحوّر ألفا في شهر آب وما سبّبه من موجة قاسية في شهر كانون الثاني بعد موسم الأعياد، استغرق وقتاً ليعاود الانخفاض والانحسار في شهر أيار. وبعد 3 أشهر من الاستقرار وانخفاض الإصابات، شهد لبنان ارتفاعاً في عدد الحالات الإيجابية بعد دخول متحوّر “دلتا” إلى البلد وسجّل لبنان أول موجة دلتا في شهر تموز، ومع ذلك لم تكن نسبة الوفيات مرتفعة، وكنّا نترقّب انخفاض الحالات بعد شهر أيلول إلّا أنّ الواقع كان مختلفاً حيث بقيت الأرقام تواصل ارتفاعها في شهر تشرين الأول والثاني.

كان متحوّر دلتا يسيطر على البلد، وكانت الموجة الثانية في منحى صعودي، واليوم نواجه موجة دلتا ولكن من المتوقع أن تتحوّل بعد الأعياد إلى موجة أوميكرون، المتحوّر الذي سيصبح مسيطراً في البلد.

ولا تخفي غصن تخوّفها من شهر كانون الثاني الذي تعتبره الشهر الأصعب والذي سيحدّد المنحى الوبائي المقبلون عليه. لذلك نعمد إلى رفع عدد أسرة العناية الفائقة تحضيراً لأيّ موجة قاسية قد نواجهها حيث ارتفع عدد الأسرة إلى 415 سريراً، بالإضافة إلى تكثيف لمتابعة تقصّي الحالات كافة.

وعليه، كان أداء لبنان في مواجهة الوباء جيّداً، لقد نجح في إدارة المعركة الوبائية ضدّ الفيروس بإمكانيّاته والأزمات التي تعصف بالبلد،صحيح أمنه أخفق في بعض الأمور ولكن بشكل عام وضعنا أفضل بكثير من دول أخرى.

يعرف البروفسور في الأمراض الجرثومية الدكتور جاك مخباط جيّداً ما يفعله هذا الفيروس في أجسام بعض المرضى، هو الذي واكب منذ انتشار الفيروس في لبنان حالات آلاف المصابين، يتحدّث اليوم عن موجة قاسية تنتظر لبنان خصوصاً بعد زيادة الحالات الإيجابية وانتشار أوميركون محليّاً.

يشدّد في حديثه لـ”النهار” على أنّ “أداء لبنان في مواجهة كورونا طوال السنة يعتبر جيّداً نوعاً ما، وقد ساعدت حملات التطعيم في تحسين هذه الصورة الإيجابية، ولكنّ الصعوبة في تطبيق الإجراءات الوقائية تحول دون تحقيق الحماية المطلوبة والمرجوّة.

صحيح أنّ اللقاح ليس سحريّاً إلّا أنّه يخفّض من نسبة المضاعفات والوفيات، لذلك يعتبر مهمّاً للجميع، وهذا ما حاولت وزارة الصحّة تطبيقه والعمل عليه.

لكنّ التحدّي الأكبر ونقطة الضعف التي نواجهها يتمثّلا بقدرة الأجهزة الأمنية على تطبيق القوانين وعجزها عن مراقبة الجميع في منازلهم، وهذه الثغرة يصعب سدّها خصوصاً أنّ الناس سئمت من الكمامة والالتزام بالإجراءات الوقائيّة، وتريد العودة إلى حياتها الطبيعية. وقد لعبت الأزمة الاقتصادية على رغم من صعوبتها دوراً في التخفيف من السهرات واللقاءات والاختلاط، ومع ذلك نتوقّع أن نواجه موجة إصابات مرتفعة نتيجتها عدم التزام الناس بالإجراءات وضعف نسبة التعطيم.

ويرى مخباط أنّ فتح مراكز التطعيم والماراثونات التي تنظّمها الوزارة قد تساعد في التخفيف من وتيرة الفيروس وتحقيق المناعة المجتمعيّة المنشودة. لذلك نحتاج إلى تكثيف الجهود أكثر لتشجيع الناس على التلقيح، حتّى نتفادى كارثة صحّية مقبلون إليها من دون شكّ، خصوصاً بعد تسجيل حوالى 400 حالة أوميركون وصلت إلى مطار بيروت، والحفلات التي يتوقّع أن تخلّف وراءها كارثة صحّية مشابهة للعام الماضي.

ومتى يصبح الفيروس موسميّاً كالفيروسات الأخرى، يؤكّد مخباط أنّنا “نتأمل أن نتأقلم مع الفيروس والتعايش معه. لكنّ المشكلة في الوقت الحاضر، لم نحقّق بعد المناعة المجتمعيّة التي تسمح بالتعايش مع الفيروس. وفي حال انتشر أوميكرون بهذه السرعة وأدّى إلى مناعة مجتمعيّة وأضعف من تحوّر الفيروس، يمكن أن نتعايش مع متحوّر أضعف من أوميكرون. هذا ما يتوقّعه العلماء، إلّا أنّنا ما زلنا بعيدين بعض الشيء عن المناعة المجتمعيّة، وسيتطلّب الأمر بعض الوقت قبل تحقيق ذلك”.

لكن لبنان الذي يواجه أزمات متتالية غير الصحّية، جعله يخوض أكثر من معركة. محطات كثيرة رافقتنا طوال 12 شهراً، بعضها مؤلم وبعضها يبعث الأمل، كيف يقرأ الباحث في علم الفيروسات والأمراض الوبائيّة الدكتور حسن زراقط أداء لبنان الصحّي لمواجهة الوباء؟ أين أخفقنا وأين نجحنا في معركتنا الصحّية، وما الذي ينتظرنا في الأيام المقبلة؟

برأي زراقط أنّ لبنان واجه الجائحة في ظرف استثنائيّ مقارنة مع باقي الدول، حيث جاء الفيروس وسط أزمة اقتصادية كبيرة وقطاع صحّي متهالك. وبالتالي كنّا نعيش أزمتين وكانت هموم الناس في مكان آخر كالمظاهرات والوضع الاقتصاديّ المتردّي بعيداً عن التعليمات الصحّية والإجراءات الوقائيّة.

ومع ذلك صمد لبنان وتجنّب ما هو أسوأ ، لكن اليوم وصلنا إلى أسوأ وضع في القطاع الصحّي نتيجة هجرة الخبرات والكفاءات، الأمر الذي سيجعلنا أمام تحدٍّ كبير، عكس الدول الأخرى التي عليها مواجهة أزمة كورونا وليس أزمات متداخلة كما هي الحال في لبنان.

لا يُخفي زراقط هواجسه من أن يكون الوضع الصحّي كارثيّاً أكثر في لبنان، إلّا أنّ حسن التصرّف والإجراءات السريعة، على رغم من الانتقادات، أنقذت البلد في وقت سابق.

في المرحلة الأولى من انتشار الفيروس محليّاً، كانت ردّة الفعل استباقية وسريعة (إجراءات الإغلاق) التي وفّرت لنا الوقت للاستيعاب والتحضير للموجة الوبائية، في حين لم يتسنَّ لدول كثيرة استيعاب ما يجري، وكانت الموجة الأولى أشبه بصدمة. بينما لجأ لبنان بردّ فعل استباقيّ إلى الإغلاق، تأخّرت دول أخرى في اتّخاذ هذا القرار باعتبار أنهّا قادرة على مواجهة الموجة مثل بريطانيا وإيطاليا قبل أن تكتشف أنّه يصعب على أيّ قطاع صحّي من التصدّي لهذه الإصابات القاسية.

صحيح أنّه في مرحلة لاحقة اختبر لبنان امتحاناً صعباً في عدد الوفيات ونسبة الاستشفاء وبلوغه القدرة الاستيعابيّة القصوى، إلّا أنّه في المقابل نجح في حجز كمية جيدة من اللقاحات وتطعيم الطاقم الطبّي وكبار السن كخطوة أولى في رحلة المواجهة مع الفيروس. اليوم حقّق لبنان على رغم أزماته المتكرّرة، نسبة تطعيم بلغت 42% لمن هم فوق الـ12 عاماً وهي نسبة جيّدة مقارنة بما يمرّ به، وهذه النسبة ينظر إليها الخارج على أنّها إنجاز.

تأرجح لبنان بين الإنجازات والانكسارات وفق زراقط “إذ عانى من تخبّط في إدارة الجائحة خصوصاً في موسم الأعياد حيث شكّلت الحاجة الاقتصادية أولوية على حساب القطاع الصحّي وتسبّبت بنتائج كارثية.

بعد سنة بدأت الدولة اللبنانية تفقد تدريجيّاً سلطتها على المواطنين من ناحية الالتزام بالإجراءات والقيود المفروضة للحدّ من انتشار الفيروس. ينشغل اللبنانيون بأمور وقضايا أخرى في حين أنّ الدولة تتساهل حيناً ومن ثمّ تتشدّد بالإجراءات حسب أعداد الإصابات ما أدّى إلى تفاوت في تحمّل المسوؤلية على الصعيدين الرسميّ والشخصيّ.

لم تواكب الدولة مسألة كورونا بالوتيرة ذاتها، وعليه من المتوقّع أن نشهد ارتفاعاً في إصابات كورونا كما هي الحال في الدول الأخرى، ولكن في المقابل تطعيم الفئة الأكثر عرضة لمضاعفات الفيروس قد يخفّف من نسبة الاستشفاء والوفيات على خلاف العام الماضي حيث شهدنا ارتفاعاً في هذه النسب.

ما هو أكيد أنّه أصبح لدينا ذاكرة مناعيّة قادرة على تحفيز جهازنا للتصدّي للفيروس عند الأشخاص الذين تلقّحوا أو أصيبوا بالفيروس. وهذا ما يساهم في تخفيف من عدد الاستشفاء والوفيات، والتخفيف من حدّة الموجة. ولكن مع انتشار أوميكرون، وفي ظلّ تسارع عدد الإصابات والخطّ التصاعدي نتيجة تضاعف الحالات مع المتحوّر الجديد كلّ يومين، وبالتالي الإصابات أعلى بكثير مما هو معلن عنه.

وأمام هذا الواقع، يتوقّع زراقط أن نشهد ارتفاعاً في نسبة الاستشفاء والوفيات كما في بريطانيا وغيرها من الدول، ولكنّ الفرق أنّ القطاع الصحّي منهك بعد سنتين على الجائحة، وهجرة كوادره الطبية والوضع الاقتصاديّ الصعب، ستزيد من عبء الاستشفاء وكلفته التي تفوق قدرة كثيرين، ما سيزيد من صعوبة الوضع أكثر.

وعلى الرغم من ظهور أوميكرون، دخلت دول عدّة في مرحلة ما بعد كورونا، وهي مرحلة انتقالية قبل التعايش مع الفيروس مثل الفيروسات التنفّسية الأخرى. لذلك يتوقّع أن يصبح الفيروس في الخريف المقبل موسميًّا وينتقل من مرحلة الجائحة إلى مرحلة الوباء أي الفيروس الموسمي مثل الإنفلونزا وغيره.

Leave A Reply