ولاء رئيس المحكمة العسكرية لم يشفع له مقابل طلبات الغرب: قائد الجيش يطيح شحادة انتقاماً

كتبت صحيفة ” الأخبار ” تقول : عزل قائد الجيش جوزف عون لرئيس المحكمة العسكرية العميد منير ‏شحادة سابقة في تاريخ المحكمة. العزل الانتقامي جاء على خلفية ملفات ‏يُريد قائد الجيش “تنييمها”، من دون أن تشفع لشحادة محاولاته استرضاء ‏عون. أصدر الأخير القرار ونفّذه وزير الدفاع من دون اعتراض

في 24 الجاري، سجّل قائد الجيش العماد جوزف عون سابقة “مزدوجة” بقراره الإطاحة برئيس المحكمة العسكرية ‏العميد منير شحادة وتعيين الرئيس السابق لفرع المكافحة العميد علي الحاج بدلاً منه. ففي تاريخ المحكمة العسكرية، ‏نادراً ما عُزل رئيسها ليوضع في تصرّف قيادة الجيش قبل إحالته على التقاعد. كما لم يسبق أن عُيِّنَ رئيس للمحكمة ‏يحال على التقاعد خلال أشهر (يتقاعد الحاج خلال 10 أشهر). علماً أنّ أي ضابط يُعيَّن في هذا المنصب يحتاج سنة، ‏على الأقل، ليعتاد قوس المحكمة ويراجع القوانين ويطّلع على الملفات العالقة أمامه، خصوصاً أن رئيس المحكمة ‏العسكرية ليس قاضياً ولا حائزاً شهادة في الحقوق‎.‎

ورغم أن المحكمة العسكرية تتبع مباشرة لوزير الدفاع لا لقيادة الجيش، إلا أن عون يتصرّف بما يخصّها بصفته ‏الآمر الناهي، يُعيِّن من يشاء ويعزل من يشاء، من دون اعتبار لرأي الوزير. ورغم أن قائد الجيش أكّد، في أكثر ‏من مناسبة، رفضه المحاصصة في المؤسسة العسكرية، إلا أن هذا الرفض يبدو انتقائياً، وغير بعيد عن النكاية ‏السياسية والاستئثار والانتقام‎.

قرار عزل العميد شحادة يؤكّد أنّ المحكمة العسكرية ليست مستقلّة بذاتها، وتخضع للقائد الذي يختار لرئاستها من يشاء، ‏فيما يبدو وزير الدفاع أشبه بساعي بريد ينفّذ ما يطلبه قائد الجيش‎.

القرار المفاجئ جاء قبيل انتهاء جلسة للمجلس العسكري، عندما أبلغ عون الأعضاء – من دون مقدّمات – بقرار تعيين ‏الحاج رئيساً للمحكمة العسكرية ووضع شحادة في تصرّف القيادة. وعلى الفور، وقّع عون القرار وأرسله إلى وزير ‏الدفاع موريس سليم للتنفيذ! وعندما راجع عضو المجلس العسكري، اللواء مالك شمص، وزير الدفاع طالباً منه إرجاء ‏توقيعه، ردّ سليم بالقول: “خلص مضيتو. أصلاً القائد مش طايقو لمنير شحادة‎”.

ما الذي أغضب قائد الجيش ليقرر عزل رئيس المحكمة فجأة بجرّة قلم. وهل هناك سبب واحد أم أسباب متداخلة أودت ‏برئيس المحكمة؟ وهل هي أحكامه على عملاء أم قسوته في الحكم على ضباط؟ أم لأنّه لم يكن طيّعاً بما فيه الكفاية مع ‏القائد الطامح لرئاسة الجمهورية؟‎

يتهامس ضباط وقضاة عن خلاف اندلع بين قائد الجيش ورئيس المحكمة العسكرية على خلفية ملفَّي العميلين للعدو ‏جعفر غضبوني وأمين بيضون. الأول خدم برتبة رقيب في سلاح المشاة الإسرائيلي، والتحق الثاني بجيش العميل ‏أنطوان لحد عام 1994. وبما أن العميلين يحملان الجنسية الأميركية، استنفرت السفارة الأميركية في بيروت وأرسلت ‏موفدين إلى المحكمة، وتدخّلت السفيرة الأميركية دوروثي شيا لدى العماد عون من أجل إخلاء سبيلهما بحجة مرور ‏الزمن على جرائمهما، على شاكلة التدخل الأميركي الذي أدى إلى إطلاق سراح جلاد الخيام العميل عامر الفاخوري في ‏آذار 2020. وقد أفلحت هذه الجهود في “إنقاذ” غضبوني في محكمة التمييز العسكرية، فيما حُكم بيضون بالسجن ‏المؤبد. قضية أخرى غذّت الخلاف بين القائد والعميد تتعلق بالحكم على جمال ريفي، شقيق وزير العدل أشرف ريفي، ‏غيابياً بالسجن عشر سنوات، بجرم التطبيع مع إسرائيل، ما أثار غضب السفيرة الأسترالية ربيكا غريندلاي كون ريفي ‏مواطناً أسترالياً‎.

تضاف إلى هذه الملفات، أحكام أصدرتها المحكمة العسكرية على ضباط بجرائم فساد ونقل مخدّرات، وجرى فسخها في ‏محكمة التمييز العسكرية التي ذاع صيتها بوصفها محكمة تبرئة العملاء. وقد أخذ قائد الجيش على رئيس المحكمة ‏العسكرية أن هذه الأحكام صدرت بأغلبية أعضاء الهيئة وليس بالإجماع، ما يشير إلى خلافات بين رئيس المحكمة ‏وأعضائها‎.‎

فهل دفع تشدد رئيس المحكمة وعدم كونه طيعاً بما يكفي مع قائد الجيش، الأخير إلى الخشية منه في ملف آخر ‏حساس لدى القائد؟‎

مصادر قضائية مطلعة أكدت لـ”الأخبار” أن “ملف المطران موسى الحاج” واحد من الأسباب التي تقف خلف ‏قرار عزل شحادة. والحاج هو راعي أبرشيّة حيفا والأراضي المقدّسة المارونيّة، ويزور الأراضي الفلسطينية ‏المحتلة في زيارات رعوية، بموجب تراخيص سرية من قيادة الجيش. وقد ادُّعي عليه أخيراً بجرم نقل أموال من ‏الاستخبارات الإسرائيلية إلى عسكري في الجيش اللبناني. وتؤكّد المصادر أن قائد الجيش تدخّل لدى مفوّض ‏الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي معترضاً على ادّعائه على المطران، ومبلغاً إياه استياء ‏البطريرك بشارة الراعي. وبعد لفلفة القضية، يتردد أن عون اتهم ضباطاً وقضاة في المحكمة العسكرية بتسريب ‏معلومات حولها إلى الإعلام. علماً أن المطران الحاج يُلاحق في ملف آخر يتعلق بنقله أدوية إسرائيلية لتوزيعها ‏على عائلات العملاء الفارّين إلى فلسطين المحتلة‎.

وبحسب المصادر، فإن عون ربما خشي من حكم متشدّد يصدره شحادة في هذه القضية، ما دفعه إلى إزاحته‎.

كل ما سبق، أضيف إليه قرار شحادة إرجاء موعد جلسة محاكمة رضوان مرتضى عاماً كاملاً، امتثالاً لقرار ‏الهيئة العامة لمحكمة التمييز بإيداعها الملف لتعيين المرجع القضائي الصالح للنظر فيه، وهذا ما أدّى إلى أن يطفح ‏كيل العماد عون من أداء شحادة. علماً أنه في الحكم الذي أصدرته المحكمة العسكرية الدائمة، غيابياً، بسجن ‏مرتضى سنة وشهراً بجرم تحقير المؤسسة العسكرية، كان رئيس المحكمة يحاول استرضاء قائد الجيش. لكن ما ‏قام به لم يشفع له لدى القائد الذي لم يبلع “قضية المطران” والعميلين وأحكاماً متشدّدة بحق ضباط… فقرّر الإطاحة ‏برئيس المحكمة. أما وزير الدفاع فتصرّف بصفته عسكرياً ينفّذ أوامر العماد‎.‎

Leave A Reply