هل يُنفّذ ميقاتي “إنقلاباً حكومياً”؟

عبدالله قمح – ليبانون ديبايت

“كبرت” عبوة ترحيل أعضاء جمعية الوفاق البحرينية من غير اللبنانيين. القرار الذي اتخذه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وأوكل تنفيذه إلى وزير الداخلية بسام المولوي، من خارج أي جلسة رسمية لمجلس الوزراء يتفاعل. تنشأ عن ذلك حالاتُ رفضٍ بالجملة تتيح رفع منسوب المواجهة إلى أقصاها، لتلامس مستوى التضامن الوزاري.

إلى حينه، يرفض “حزب الله” التعليق مباشرةً عن القرار المتّخذ بترحيل أعضاء الجمعية الحقوقية البحرينية. في مقابل ذلك، لا معلومات واضحة حول المكان الذي يتواجد فيه هؤلاء، وثمة معلومات أخرى لم يجرِ تأكيدها من مصدر مستقل، تشير إلى عدم وضوح في أسماء الناشطين في الجمعية المقيمين على الأراضي اللبنانية، تبعاً لأن المقبلين من المواطنين “البحارنة” يدخلون لبنان من دون سمة دخول “فيزا”. أمام ذلك، “حزب الله” الذي يُعِدّ وجود هؤلاء الناشطين “البحارنة” في حمايته، يتعمّد التهدئة وإتاحة الفرصة أمام متابعة وحل القضية بصمت وهدوء، وبعيداً عن الإعلام، والسماح للوسطاء “بناءً على رغبتهم” بالتحرّك بحرية ومن دون تعكير، لكن ذلك لن يدوم طويلاً، وفي حال لم تتمّ تسوية القضية عبر القنوات المعلومة ووفق الأطر السيادية، فسيكون له موقفٌ يقارب العاصفة.

في المقابل، يتصرّف رئيس الحكومة بثقةٍ تامة بل مفرطة أحياناً. يتسلّح بالموقف الخليجي ظنّاً منه أن ذلك يسعفه في تشكيل حصانة له في الداخل. القضية هنا تتجاوز انصياعه التام لاعتبارات ولرغبات بعض الدول الخليجية واسترضائها، ولو كلّف ذلك الضرب عرض الحائط بمفهوم السيادة الوطنية وحرية عمل وحركة المنظّمات الحقوقية المحميّة بمعاهدات دولية وأممية، تصبح القضية محالةً إلى الأقاويل والتفسيرات، حين تتّصل بابتداع آليات دستورية ذات ممارسة خاطئة، وغير مألوفة من ذي قبل، كتفّرده باتخاذ قرار سيادي من قبيل طرد مجموعةٍ حقوقية من خارج التشاور أو إجماع أعضاء مجلس الوزراء، وبمجرّد أن تصبح تصرّفاته تثير الشكوك والتكهّنات على نحو استغلاله مسألة تعطيل عمل الحكومة وعدم القيام بمساعي لحلّها، نصبح أمام تعمد ممارسة شاذة على شكل توطئة يرمي من خلالها إلى مضاعفة صلاحياته من دون العبور بالآليات الدستورية مما يجعل منه حاكماً بأمره، وتصبح القضية مفتوحةً على النقاش وعرضة للتجاذبات.

المشاركون في الحكومة يعون ذلك تماماً، ويدركون مخاطر أي وضعية مماثلة من المحتمل أن تصبح عرفاً، ويقرّون بأن رئيس مجلس الوزراء الذي يتذرّع بأن “الحكومة ماشية”، لم يُطلع أعضاءها على قراره ترحيل أفراد الجمعية الحقوقية، أو أن يشكّل “لجنة” كما يفعل عادةً من أجل درس الموضوع ونيل الإجماع عليه. وعلى طريقه الحاكم بأمره، أوعزَ إلى وزير الداخلية المحسوب عليه التنفيذ، والأخير مضى يُراسل الجهات الأمنية المعلومة بحكم صلاحيته.

ويتردّد أن رئاسة الجمهورية التي تسعى لأفضل العلاقات مع دول الخليج، لم توضع في أجواء “التوجّه الميقاتي”، بل سمعت به عبر الإعلام، وهو ما تسبّب بانتكاسة لديها، ونمّى الشكوك لديها حول أن رئيس الحكومة يعمل على “تطوير صلاحياته” مستغلاً ذريعة عرقلة اجتماعات الحكومة، لذلك، يُتوقع أن تندفع الرئاسة في الأيام المقبلة إلى الضغط من أجل إنهاء حالة “العطب الحكومي” لوضع حدّ لـ”خروج” رئيس الحكومة عن الأصول.

ويُعتقد هنا على نطاقٍ واسع، بأن الميقاتي يُمارس ما يمارسه الآن لعدة أسباب، من بينها إثبات نفسه كحالة قادرة على مخالفة “حزب الله” وحلفائه في الداخل، وهذه يمكن توظيفها في الخارج في إطار مشروع مواجهة الحزب، علماً أن الأخير ذو يد طولى في تأليف الحكومة، هذا خارجياً، أما داخلياً إبلاغ رؤساء الحكومات السابقين بأنه يستطيع ممارسة أقصى حالة ممكنة في صلاحيات رئاسة الحكومة، وربما أبعد من ذلك.

لكن إنعكاسات هذا التصرّف لن تكون سهلة. عملياً، تمادي الرئيس الميقاتي في إنتاج صلاحيات وإسقاطها على الممارسة، لن “يُهضم” من جانب قوى سياسية أخرى تتهمه بالانقلاب على صلاحيات مجلس الوزراء، ستجد أن رئيس الحكومة يخرج عن الأصول، وعليه ستقرّر حينها الخوض في مواجهة سياسية واسعة. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، وفي حال نفّذ مشروع ترحيل الناشطين الحقوقيين “البحارنة”، فسيكون ل”الثنائي الشيعي” وحلفائه موقفاً من الحكومة، وستحمل هذه على مزيد من الأزمات والتعقيدات، ولن يكون اجتماعها ممكناً في مقبل الأيام حتى ولو حُلّت مسألة الخلاف على وضعية المحقّق العدلي طارق البيطار، وستكون ثمن تجاوزات الميقاتي عدم انعقاد مجلس الوزراء.

Leave A Reply