جنبلاط يُبرغث في عقر دار حزب الله

عبدالله قمح – ليبانون ديبايت

تقديرُ النائب السابق وليد جنبلاط الحالي أن دائرة الاشتباك تتّسع في محيط “حزب الله”، إذاً فرص وعوامل الإستفادة تكبر! على نحو ذلك لماذا لا نستفيد مادام أن الحزب لا يفيدنا؟

بات زعيم المختارة في صورة أن المعادلة الحالية بالنسبة إلى الدول الخليجية تقوم على مقدار القرب والبعد من “حزب الله”. أنها عملية تموضع مصيرية في لحظة مصيرية وأزمة مصيرية، والتموضع الحالي على مقربة من الإنتخابات يحدث فرقاً.

البيك نفسه، وضع أيضاً في صورة التقدير الخليجي الجديد: لا مال في المجّان للإنتخابات. إذاً السياسة الخليجية تقوم على قاعدة حالية: “نفّذ تقبض”. فلماذا يُبقي البيك “المحشور” خارج اللعبة؟

على أي حال كان لا بدّ من “عملية احتواء” يجريها “الزعيم” لقاعدته الشعبية المتحركة من حوله، واستنهاضٍ لعلاقته الخليجية عبر تقديم “دفعات من المواقف” تجاه الحزب على قاعدة: “سجّلوا لي”. لقد كثر الخوارج ضمن البيئة “الإشتراكية” وهؤلاء يتسبّبون بـ”وجع رأس” نتيجة خطابهم المرتفع السقف وقدرتهم على استمالة شرائح شعبية “جنبلاطيّة” الهوى. وليد جنبلاط يعلم ذلك تماماً. على مقربة من الإنتخابات هو بحاجة لإعادة “شدشدة” البراغي. لم يحظ بالفرصة المناسبة إلى أن حلّت “الازمة الخليجية”. وقد تراءى للبيك أن اللحظة مناسبة لإجراء إعادة تموضع على شكل استدارة محدودة يستفيد منها في إعادة التحصيل الشعبي و السياسي.

بدأ إذاً جنبلاط، باتخاذ إجراءات تصاعدية في المواقف تجاه “حزب الله”: جمّد قناة غازي العريضي وتموضع في أزمة الخليج خلف السعودية، وصرخ بوجه الحزب قائلاً: “لقد صبرت عليك كثيراً”. الجملة الأخيرة تستبطن إشارة موجّهة ليس إلى بيئة الحزب وإنما إلى بيئة “البيك” الداخلية بعدما وجد مناسبةً لتبرير “سكوته” عن تصرفات الحزب، من شويّا إلى خلدة. “البيك” ومن جملة ما ينطق، يتوجّه إلى قاعدته. يسمّمها. يعيد تدجينها على نحو ما سلف لتحضيرها للإستثمار الطبيعي حين يتهم الحزب بأنه “خرب بيوت اللبنانيين”. في مكان يستغلّ منشور “واتسآبي” كي يتهم الحزب بأنه ينشئ “معسكرات” لاحتواء المغتربين المطرودين من الخليج، ويحمّله مسؤوليتهم. وإلى الخارج وكأنه يقول له “لقد دنت الفرصة” . ويفترض في المدى المنظور أن يصعّد بشكل أوسع عبر ضمّ أكثر من ملف إلى التركيبة الهجينة.

بالنسبة إلى الإماراتيين الذين يطرق البيك بابهم هذه الأيام، مطلوب “وضوح في الموقف”. لذلك يخطط لبعث نجله ووريثه النائب تيمور جنبلاط بصحبة أكثر نائب راديكالي متطرف تجاه الحزب، وائل أو فاعور. طبعاً يطمح “البيك” إلى استفادة إماراتية طالما أن أبواب الرياض موصدة. أبو ظبي تسخى على الدروز و “تشتغل” إنتخابات في البقاع ومع “القوّات اللبنانية”، وإحدى “الحنفيات” موجودة في “الجاهلية” وليس “المختارة”! قضية ليست سهلة وتخفي انتقاص من قيمة الزعامة التقليدية.

طبعاً “البيك” ليس في وارد “الفتح” على الإمارات بالمعنى الهجومي. لا يبتغي تحسين وضعيته مع السعودية لعلمه المسبق بموقف بن سلمان الحاد منه، لكنه يريد الإستفادة. يريد تأمين موقع له، كي لا يقال لاحقاً “أين كنت يا بيك عندما خربت معكم؟”. في المقابل، يريد مهاجمة “حزب الله” لتحسين موقفه وموقعه، ويريد من الحزب تفهّمه وإعادة تفعيل النموذج السابق في العلاقة: “نسمع دون أن نعلّق”، أي قناة غازي العريضي للتدخل السريع. يمكن سؤال “الرفيق غازي” عنها. عن المرات التي توجه فيها إلى قيادة الحزب بزيارات خاطفة ، ليبرّر للبيك هذا التصريح أو ذاك، عدا عن عدد التراجعات التي دوّنها البيك في سجل الحزب. عن المرّات التي طلب فيها العريضي “تفهّم البيك ودقّة وضعيته”، عن المرات التي طلب فيها عدم التعليق على حديثٍ من هنا أو موقفٍ من هناك، عن التعميمات التي كانت قيادة الحزب توزعها على الشخصيات والقيادات لحثهم على ضرورة عدم التعليق على مواقف جنبلاط. كم مرّة برر جنبلاط للحزب، وكم من مرّة تفهم الحزب جنبلاط الطامح دائماً لعلاقة ممتازة “تحت الطاولة”. لا بدّ إذاً للرفيق غازي أن يدوّن مذكراته يوماً، تلك ضرورة للحقيقة، كي تفهم الأجيال الجانب المخفي من “مغامرات المختارة”.

ما يريده البيك عملياً من الحزب حفظ موقعه واستيعابه قدر الإمكان والترفّع عنه، لـ”تمريق” هذه العاصفة!

لكن ماذا فعل “الرفيق غازي” في مقابلة البيك مع “الميادين” (أجراها الزميل عباس صبّاغ ويتوقع أن تعرض خلال اليومين المقبلين) والتي صوّرت نهاية الأسبوع الماضي حين طال الزعيم الإشتراكي الحزب والجمهورية الإسلامية في إيران بأقذع العبارات؟ لا شيء. تولّى البيك شخصياً موضوع المعالجة. شغّل خط هاتفه طيلة تلك الليلة لاحتواء ما أدلى به من مواقف. ربما هناك من همس في أذنه قائلاً “تخّنتها يا بيك” فاستيقظ!. تارةً كان يطلب حذف واقتطاع بعض المشاهد، وتارةً أخرى إلغاء المقابلة، لينتقل إلى اقتراح عدم عرضها والإكتفاء بالإستفادة منها كتصريح، وصولاً لمطالبته بإعادة التصوير مجدداً، وهكذا دواليك دون نتيجة، سوى خلق أزمة من لا شيء!

حذرُ جنبلاط من المقابلة القنبلة، يُحاكي عملياً وضعيته “المحشورة” وحالته السياسية التي يُرثى لها! يريد جنبلاط مهاجمة الحزب ويستحي من العبارات أو يكاد يخشى أن يؤثر ذلك على مستقبل علاقته بعدما وصلته إشارات من الضاحية من قبيل “إيقاف اللعب و “البرغثة” عبر الإعلام”. في المقابل يريد أن “يقبض” من الخليج إنتخابياً لتسيير وضعه، وربما قد يكون يفكّر بتأمين استفادة من إيران حتى!

ما يرتكبه البيك بحقّ نفسه دليلٌ على تردّي حالته السياسية وموقعه ووضعيته. “هندسة الإستدارة” إختصاص يحفظ امتيازه “البيك” ويلجأ إليه عند الأكواع نعم، لكنه لم يعد ينفع في حفظ “خط الرجعة”. في هذا الزمن مطلوب وضوح في المواقف، والكفّ عن اللعب.

Follow Us: 

 

Leave A Reply