دون الإنتاج والإصلاحات.. تحرير سعر الصرف شعارات!

ذو الفقار قبيسي – اللواء

المطالبات تزداد بضرورة تحرير سعر الصرف أي ترك العملة الوطنية تعوم Floating بدلا من سعر محدد مدعوم من البنك المركزي كما كان يحصل خلال ما يزيد عن ٢٧ عاما وبكلفة عشرات مليارات الدولارات. وكانت وجهة نظر السلطة النقدية ان هذا التثبيت في السعر تقتضيه ضرورة الحفاظ على القوة الشرائية للأجور وتشجيع الاستثمار في لبنان. إلا أنه ومنذ بدأ عجز ميزان المدفوعات بعد الحرب السورية، لم يعد بالإمكان تثبيت السعر بالطرق التقليدية ما اضطر البنك المركزي للجوء الى ما بات يعرف بالهندسات المالية.

وهو حل ما زال حتى الآن بين معارض ومؤيّد ومبرّر، ليبقى في الواجهة الآن تحرير سعر الصرف كبديل أفضل من تثبيت السعر وهو موضوع يحتاج إلى استكشاف تأثيراته على الوضع النقدي والاقتصادي والاجتماعي، بغير الطريقة العشوائية التي يطرح بها دون اعتبار التركيبة الحالية والتاريخية لطبيعة الاقتصاد اللبناني والتي يمكن فقط في ضوئها اتخاذ القرار المناسب. حيث هناك الكثير من الدول حررت سعر الصرف وخلال ظروف غير ملائمة وبتوصية من صندوق النقد كما هي التوصية المتوقعة الآن للبنان، وانتهى الأمر الى فشل ذريع وانهيار العملة الوطنية وبنية الاقتصاد، في حين ان دولا أخرى من تايوان والهند إلى إسبانيا والبرتغال حررت السعر بنجاح.

وأمام هذه الاختلافات في النتائج، ما هي حال لبنان وهل تحرير سعر صرف الليرة مقابل الدولار هو الحل المناسب في الظروف الاقتصادية والنقدية الحالية؟!

الجواب الأساسي ان الدول التي نجحت في تحرير سعر الصرف اعتمدت على قاعدة إنتاجية صناعية وزراعية تصديرية (وفي إطار إصلاحات إدارية هيكلية وسياسية) تعزز ميزان المدفوعات بواردات كافية من العملات الصعبة بحيث انه إذا ارتفع سعر الصرف الحر عن الحد الاقتصادي المطلوب، يمكنها استخدام هذه العملات للتدخّل بغرض «ضبط» السعر ضمن الهوامش المناسبة، وإذا انخفض سعر الصرف يمكنها الإستفادة من هذا الانخفاض في الإقبال على استيراد منتجاتها الوطنية وفي تشجيع السياحة إليها والإستثمار الأجنبي في قطاعاتها الإقتصادية.

وهذه ليست حال لبنان الذي ما زال اقتصاده حتى الآن ريعيا إلى حد كبير، وأي خطط لتغييره إلى اقتصاد إنتاجي تحتاج إلى سنوات طوال لا يمكن خلالها تحرير سعر الصرف دون قطف ثماره الاقتصادية، بقدر ما لا يمكن أيضا إبقاء الوضع الحالي على ما هو عليه وترك السعر تحت رحمة الرياح الموسمية العاتية، الأمر الذي يحتاج إلى اجتراح حلول أكثر موضوعية وموضوعية لا يمكن أيضا العودة بها إلى سياسة تثبيت السعر لسببين رئيسيين: الكلفة العالية وعدم وجود احتياطيات من العملة الصعبة تمكن السلطة النقدية من التدخل في سوق القطع لتثبيت السعر وللجم الدولار.

وحتى الإقتراح الذي نال شهرة في الآونة الأخيرة بإنشاء مجلس أعلى للنقد يضمن بقاء السعر ضمن حدود معينة يحتاج تنفيذه إلى إحتياطيات كافية من العملات الأجنبية لم تعد متوافرة وتحتاج إلى سنوات طوال لتوافرها لا يمكن خلالها ترك الأمور كما عليه الآن من الشدّة والتأزّم!

فما هو الحل؟

الجواب الوحيد بداية هو في التغيير الشامل لنظام سياسي انتهت صلاحياته وشلّت قدراته وعبر إعادة تقييم للبنية الاقتصادية الحالية التي في ظلها لن يكون لقرار سواء بتثبيت سعر الصرف أو تحريره، سوى السلبيات في أحسن الاحتمالات، وفي أسوإها المزيد من الفوضى والإضطرابات!

وفي مقال العدد الأخير من «الأكونوميست» تحت عنوان Violence In Lebanon توقعات بـ «مخاطر أمنية وسط أزمة اقتصادية تقلص فيها الإقتصاد العام الماضي بـ٢٥% وانخفض راتب الجندي من ٨٠٠ دولار قبل عامين الى ٦٠ دولارا الآن.. وإذا لم تتدخل الحكومة الحالية بسرعة للحد من الإنهيار، سوف لن يتمكن أحد من وقف العنف»!

Leave A Reply