أحداث الطيونة: الرصاصات تحسم الجدل

عبدالله قمح – ليبانون ديبايت

لم تؤدِ الضغوطات التي مارستها بكركي طيلة أيام، المرجوّ منها لناحية “خلق مظلة حماية” فوق رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع. البيانات و التسريبات ايضاً التي تولّت إذاعتها البطريركية المارونية لم تسفر عن أية نتيجة تُذكر. لذلك اختار البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، التدخل شخصياً لدى “أولياء الدم” لإيجاد مخرج للمسألة.

إذاً طلب الراعي موعداً من رئيس مجلس النواب نبيه برّي فكان له ذلك. حضر البطريرك الماروني إلى عين التينة على نية إيجاد حل للأزمة، مخرجٌ، يحفظ الجميع ويحفظ البلد، يأتي كتسوية على يد بري “أبو” التسويات في هذا البلد. طبعاً، الراعي بدايةً أجهز على أي احتمال من هذا القبيل في الإعلام مخافة إحراقه، لذلك ردّد من على منبر عين التينة أن لا مقايضة بين حوادث الطيونة – عين الرمانة و انفجار المرفأ.

أساساً، بري كممثل عن “الثنائي الشيعي” يرفض الإجهاز قضائياً على حوادث الطيونة وربطها بانفجار المرفأ ، رغم أن المساران باتا متلازمين لناحية ما شكّلاه من خطر واضح على السلم الأهلي في البلد، وطبيعي أن يرفض بري “منطق الصفقة” في قضية سالت دماء شبابه فيها، سيّما عشية الإنتخابات النيابية وفي ظل تشاركه في الدم مع “حزب الله”. لكن بري حكماً يقبل “منطق الصلح” دون ان يرتّب ذلك أية أثمان سياسة. والصلح هنا من قبيل إجراء مكاشفة شعبية تنهي حالة الخلل التي تعتري العلاقة الجدلية بين الشياح وعين الرمانة، فيما المسألتان القضائية والسياسية يجري حلهما لاحقاً، وهنا ليس صعباً إلتماس مخرج “قبرشمون”.

بالنسبة إلى الراعي، حضر من قبيل تأدية واجبه تجاه أحد أفراد الرعية الملاحق في قبل العدالة ولمحاولة فتح كوّة في جدار الازمة. وككلّ شيء في هذا البلد، ينعم الزعماء جميعهم بـ 6 و 6 مكرّر على قياس كل واحد منهم. فبينما تسطّر دار الفتوى بيانات الحماية لرئيس الحكومة السابق حسان دياب ويلهج سيدها بعبارات الرفض لملاحقته من قبل المحقق العدلي طارق البيطار، لا بدّ للراعي من تسطير بلاغ حماية لجعجع، ولاحقاً سيفعل المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ذات الأمر…

قضائياً، بات المسار يُقاس على “الليبرة”. عملياً من غير المتوقع أن يلبّي “الحكيم” إستدعاء مخابرات الجيش بناءً على طلب النيابة العامة العسكرية للإمتثال في اليرزة رغم أن أحد الوسطاء اشتغل على خط إيجاد مخرج عبر تكليف وكيل جعجع القانوني تنفيذ المهمة من دون أن يجد طريقة إلى الحسم. وطالما أن الأفق “مقفل” فإن رفض الإمتثال عن قصد على الرغم من التبليغ لصقاً ، قد يحيل مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بالانابة فادي عقيقي إلى انتقاء واحدة من مجموعة حلول –مخارج- محدودة أمامه. إمّا تسطير استدعاء ثانٍ ويبلّغ إلى جعجع مباشرةً (أو لصقاً على بوابة معراب لكونه يرفض التبليغ)، أو يطلب العقيقي من مخابرات الجيش ختم الملف وإرساله إليه لإجراء المقتضى، أو يعمد إلى تسطير مذكرة إحضار أو بلاغ بحث وتحر وهو أحد أقصى الخيارات المتاحة التي يدرس عقيقي اعتمادها.

خيارٌ من هذا القبيل قد يولّد مشكلةً أكبر. فعداك عن تحول جعجع إلى “فار من وجه العدالة”، سيحرّك الداعمين له عند الضفة المسيحية بوصف ما يحصل عملية اعتداء موصوفة على “زعيم مسيحي”، سيّما بعد التوطئة التي اعتمدت بداية و أجهزت مسيحياً على فرضية الكمين، مقابل حماية الذات من اعتداء محازبي “الثنائي الشيعي” على عين الرمانة عبر “زقاق الفرير”. في مقامٍ ثانٍ يجعل من “سرية الحماية” التابعة لقوى الأمن الداخلي في معراب في حرجٍ من أمرها ومطالبة بوضوح الموقف. من جهة هي مكلفة حماية جعجع ومن جهة ثانية تمثل ضابطة عدلية يفترض ان تمارس أحكام القانون، والرأي القانوني هنا يُحيل المسؤولية في حال تسطير بلاغ بحث وتحرٍ على “السرية” التي تصبح ملزمة واجب إحضار جعجع، فهل تنفذ أو تتمرّد على القانون أم تقوم قيادتها بـ”نفض يدها” من هذه “المطحنة” كما فعل سابقاً الجهاز الأمني المعني؟

هي جدلية حقيقية تفوق الجريمة وتكاد تُدخل البلاد في أزمة قانونية قد تدفع بالجهة المتضرّرة من التحقيق إلى الردّ، بطرق قانونية، من غير المعلوم على ماذا تستند لغايته سوى أنها سترفض اتباع منطق “الخارج عن القانون” مع جعجع.

على الضفة المقابلة وفي ما خص التحقيق، فإن أوساط متابعة لمسار التحقيق تستغرب هذا “الطحن للمعلومات” الذي تتعرض مديرية المخابرات، ومحاولة تشبيهها بأنها “جهة أمنية” مستوردة من زمن غابر أو مهمتها الإقتصاص من شخص معيّن بحد ذاته، فما أقدمت على فعله المديرية كان كناية عن مهمة تحقيق أحيلت إليها من جانب مفوض الحكومة وتعاملت معها بدقة وحرفية واعتمدت الوسائل التقنية في الوصول إلى نتائج.

وفي الحديث عن الوسائل التقنية، فإن محققي المديرية وطيلة أسبوع كامل عملوا على مسح منطقة العمليات أكثر من مرة بالتعاون مع الأدلة الجنائية، ووصلوا إلى خلاصات واضحة حول المتورطين، كما وعاين القاضي عقيقي في عدة مرات مسرح الأحداث. وتشير معلومات “ليبانون ديبايت” إلى تفقّده المنطقة التي انطلقت منها الهجمات أكثر من مرّة.

وتكشف معلومات “ليبانون ديبايت” حصول “معاينات” لأجساد الشهداء والمصابين، وفي بعض الحالات تمّت مطابقة الطلقات الموجودة في أجسادهم مع بنادق تمّت مصادرتها وهو ما أسّس لإصدار القاضي عقيقي قراره الظني بحق مجموعة من الموقوفين.

Leave A Reply