أتعاب الأستاذ و”بيضة كيندر”: أين ضاع المليون دولار؟

فيما تتحضر وزارة التربية لإجراء امتحانات الدورة الثانية لشهادة الثانوي، في السادس من الشهر المقبل، يسأل الأساتذة الذين شاركوا في أعمال المراقبة والتصحيح عن الوعود التي تلقوها من الوزير طارق المجذوب بدفع عشرة دولارات عن كل يوم مراقبة. وقد وافقت منظمة اليونيسف على تمويل طلب الوزير بمبلغ مليون دولار، لدفعها للأساتذة كبدل تعويض يومي بعشرة دولارات، لأن بدلات الأتعاب اليومية بالليرة اللبنانية باتت بلا أي قيمة فعلية. فأتعاب المراقب عن كل يوم تساوي ثلاث بيضات “كيندر” التي يشتهيها الأطفال.

بدلات الأتعاب

فقدان مادة البنزين وطوابير الذل التي استفحلت، ووصول سعر الصفيحة في السوق السوداء إلى أكثر من 800 ألف ليرة، يهدد جدياً امتحانات الدورة الثانية. حتى أن العديد من رؤساء المناطق التربوية أبلغوا المعنيين عن عدم مشاركتهم في أعمال الدورة الثانية، إذا لم يؤمن لهم البنزين كي يتسنى لهم الانتقال. أما الأساتذة الذين لم يتلقوا بعد بدلات الأتعاب عن الدورة الأولى، فباتوا متوجسين من ضياع العشرة دولارات، التي دفعتهم للمشاركة في الامتحانات. وباتوا يطرحون علامات استفهام حولها، لأنه كان يفترض أن تدفع لهم في أقرب وقت ممكن، خصوصاً أن بدلات الأتعاب العادية، التي تدفع بالليرة اللبنانية، تتأخر عادة حتى نهاية السنة، ويقبض حينها الأساتذة الأتعاب عن الدورتين الأولى والثانية.

مصادر مطلعة أكدت أن الوزارة تعمل على تسريع عملية قبض بدل الأتعاب بالليرة على غير العادة، وعدم انتظار الانتهاء من ملفات الدورة الثانية، نظراً للظروف الاقتصادية التي يعاني منها الأساتذة. ويفترض أن تسدد المبالغ قبل بدء امتحانات الدورة الثانية، خصوصاً أن أساتذة كثراً شاركوا في أعمال الامتحانات بعد وساطات شخصية وأهلية وحزبية. غير ذلك، كان سيصعب على الوزارة إيجاد حتى أستاذ واحد للمراقبة والتصحيح. وأتى وعد وزير التربية بمنحهم العشرة دولارات، فاقتنعوا بجدوى المشاركة. فبدلات المراقبة اليومية (80 ألف ليرة للمراقب) لا تكفي حتى لشراء نصف صفيحة بنزين على السعر الرسمي. وحالياً بات البنزين مفقوداً وتباع الصفيحة في السوق السوداء بـ800 ألف ليرة.

وعد العشرة دولارات

وكان وزير التربية اجتمع بممثلين عن الأساتذة لحل معضلة عدم مشاركتهم في أعمال الامتحانات. و”أخرج أرنبه”، مطلقاً وعد منحهم سبعة دولارات عن كل يوم مراقبة. لكن الأساتذة طالبوا بعشرة دولارات وأصروا على مطلبهم، مهددين بعدم المشاركة. من ناحيته أصر الوزير على الدولارات السبعة.. فكانت مديرة الإرشاد والتوجيه هيلدا خوري حاضرة في الاجتماع، وأرسلت للوزير رسالة على واتساب تبلغه بوجوب الموافقة على العشرة دولارات، فعاد الوزير ووافق.

لذا تعتبر المصادر أن هذه الواقعة كانت بمثابة وعد ليس إلا، وأن الأموال الموعودة لن تأتي للأساتذة، خصوصاً أن اليونيسف وافقت على المبلغ، وكان يفترض أن يسدد للأساتذة مباشرة بعد انتهاء الامتحانات.

مصادر الوزارة تؤكد أن منظمة اليونيسف وافقت على طلب وزير التربية منح كل أستاذ العشرة دولارات، منذ أكثر من ثلاثة أسابيع. لكن لن تمر عبر وزارة التربية. بل ستدفع مباشرة للأساتذة كمبالغ نقدية. وبالتالي المسألة باتت بعهدة اليونيسف.

في المقابل تشكك مصادر مطلعة بهذا الأمر. وتؤكد أنه في أحد الاجتماعات طرحت أفكار حول كيفية الدفع وطُلب تحضير بيانات بالأساتذة، لمعرفة كيفية دفع الأموال لهم. وتذرع البعض بأن ملفات أساتذة التعليم المهني غير جاهزة ما يؤخر عملية الدفع.

مصادر أخرى تؤكد أن الوزير هو من طلب المبلغ من اليونيسيف ورفضت في بداية الأمر. ووفق مراسلات رسمية، جرت في أوائل شهر تموز، أكدت اليونيسف أنها خصصت مليون دولار للامتحانات، من خارج خطة الدعم السنويّة، واستثنائيّاً ولمرة واحدة فقط، غير قابلة لا للتمديد ولا لزيادة المبلغ، على أن يصرف حسب الحاجات التي تراها الوزارة مناسبة، وعلى أن ترسل الوزارة تقريراً بالمصاريف إلى اليونيسف، حسب القواعد المالية المعتمدة. لكن الوزارة لم تحدد كيف سيكون استخدام المبلغ، مكتفية بأنه للامتحانات. وهذا يفتح الباب لصرف المبلغ وفق أهواء البعض في الوزارة ودفع بدلات للمشرفين من وحدة الإرشاد والمستشارين وغيرهم. فالامتحانات تعتبر بمثابة باب للرزق لبعض الموظفين.

الامتحانات بمهب الريح

وتؤكد بعض المصادر إلى أن الوقائع الآنفة الذكر تؤكد أن اليونيسف وافقت ودفعت. لكن المشكلة في الوزارة أن كل الملفات محصورة بشخص أو إثنين ولا يمكن لأحد الاطلاع عليها، حتى من الأجهزة الرقابية الثلاثة، أي التفتيش المالي والتربوي والإداري. وهناك شكوك بأن يكون المليون دولار ضاع في أروقة الوزارة، ولا يعلم الموظفون رفيعو المستوى عنها شيئاً، باستثناء وحدة الإرشاد والتوجيه، التي اقنعت الوزير بقبول طلب الأساتذة.

وحيال هذه البلبلة، بات مصير امتحانات الدورة الثانية في مهب الريح. فالأساتذة لن يقبلوا بالبدلات المرصودة بالليرة اللبنانية، التي تكفي لشراء ليتري بنزين من السوق السوداء. ولن يشاركوا إلا إذا كانت مراكز الامتحانات قريبة من منازلهم، كي يصلوا إليها مشياً على الأقدام. فتجربة بطاقات تسهيل المرور على محطات الوقود التي منحها الوزير لجميع المشاركين في أعمال الامتحانات كانت فاشلة جداً. ورفضت المحطات تلك البطاقات، وأساتذة كثر لم يتمكنوا من الوصول إلى المراكز إلا بعد وساطات وتم تأمين البنزين لهم من السوق السوداء، عبر وساطات حزبية وبلدية وغيرها. حتى أن المديرة العامة للتعليم المهني، هنادي برّي، أعادت جميع بطاقات المرور إلى الوزير، وأبلغته أن لا فائدة منها وأن المحطات ترفضها.

Leave A Reply