الإنسداد الحكومي مجدداً… والمحروقات أزمة متدحرجة

عشية مرور الشهر الأول على تكليف الرئيس نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة الجديدة، لم يكن أدل على صدقية المخاوف من التحاق مهتمه بما أصاب سابقا سلفه الرئيس سعد الحريري وقبلهما السفير مصطفى اديب من إرجاء زيارته لقصر بعبدا أمس لتقديم تشكيلته الوزارية، وسط معلومات ومعطيات تؤكد الدوران في الحلقة المفرغة على صعيد عملية التأليف. واذا كان الرئيس المكلف يعتصم وأوساطه بالتكتم والتحفّظ عن سوق أي تصورات او سيناريوات تتصل بما يمكن ان يؤدي اليه استمرار الانسداد الذي برزت معالمه مجدداً منذ الأسبوع الماضي، فإن المعلومات التي توافرت لـ”النهار” تشير الى ان انقطاعاً تاماً في الاتصالات والمشاورات المباشرة وغير المباشرة بين رئاسة الجمهورية والرئيس المكلف، وحتى عبر الموفدين، أرخى ظلالا قاتمة ومتشائمة مخالفة للأجواء التي سادت الأسبوع الماضي حيال امكان حصول اختراق في عملية تأليف الحكومة. ويعني ذلك ان المسألة لا تنحصر كما قيل بخلاف او تباين حول بضعة أسماء وبضع حقائب وزارية فقط بل انه مع الاقتراب من وضع تصور للتشكيلة الشاملة برزت معالم تعقيدات اعمق.

وفي معلومات “النهار” ان معضلة اساسية تواجه عملية التأليف التي تعثرت في مرحلة اختيار الاسماء للحقائب بعدما تم توزيعها. وهذه المعضلة انحصرت اخيراً بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف نجيب ميقاتي لاسيما في اختيار الاسماء العائدة للحصة الرئاسية، انطلاقاً من هاجس الثلث المعطل الذي يمكن ان يحصل عليه فريق العهد او رئيس “التيار الوطني الحر” بطريقة غير مباشرة.

الاتصالات التي لم تنقطع في الكواليس هدفها ان يقدم الرئيس ميقاتي لرئيس الجمهورية تشكيلة مكتملة تتضمن كل اسماء المرشحين بمن فيهم مرشحو الرئيس بري ورئيس “تيار المرده” سليمان فرنجيه، وان يطرحها على رئيس الجمهورية للتشاور معه في اسمائها.

لكن المشكلة بينهما لم تعالج في زيارات الموفدين، اذ ان رئيس الجمهورية وبعدما سلّم بالشروط التي وضعت امام مطالبه، وابرزها عدم المداورة في الحقائب السيادية، يعتبر انه الوحيد الممنوع عليه ان يسمي وزراءه، والرئيس المكلف يريد التدخل والتدقيق في كل اسم في الحصة الرئاسية في حين انه لا يتدخّل باسماء القوى السياسية الاخرى وهي التي تسمي وزراءها.

مصادر وزارية مطلعة على موقف بعبدا، تقول ان رئيس الجمهورية لا يسعى الى الحصول على ثلث معطل او ضامن. فثمانية وزراء من ضمنهم وزيرا الطاشناق والنائب طلال ارسلان ليسوا ثلثاً ضامناً.

اما الوزيران المسيحيان من خارج حصص رئيس الجمهورية (6) والطاشناق (1) والمردة (2) والقومي (1) فالمصادر تؤكد انهما لن يكونا لرئيس الجمهورية ولا لرئيس الحكومة الذي يمكنه ان يسمي مئة اسم لكل منهما والاسم الذي يتوافق عليه ورئيس الجمهورية يعتمد. وهذان الوزيران سيتعهدان مسبقاً مع رئيس الجمهورية والرئيس المكلف بعدم التصويت مع اي منهما.

ومن الملاحظات في بعبدا ايضاً انه تم تثبيت الحقائب السيادية وفقاً لما يريده الاخرون، كما تم تثبيت اسم يوسف خليل في وزارة المال رغم الملاحظات على كونه مدير عمليات في مصرف لبنان ويمكن ان يؤثر بخلفيته على مسار عملية التدقيق الجنائي في المصرف المركزي.

وفي المعلومات ايضاً، ان ميقاتي ينتظر من بري ان يعطيه اسم مرشحه لوزارة الزراعة كما ينتظر رئيس تيار المردة الذي اعطى اسمي المرشحين الحقيبتين العائدتين له ثم بدل رأيه باسم احدهما ولم يعط اسماً بديلاً بعد.

وعلم انه بعدما اقترح لوزارة الخارجية اسم السفير عبدالله بو حبيب تم اقتراح اسم آخر هو السفير بطرس عساكر.

وما زال اسم وزير الداخلية غير محسوم بعد بين اللواء ابرهيم بصبوص واللواء مروان الزين، والمعلومات تشير الى ان بعبدا لم توافق على اي من الاسمين المطروحين من قبل ميقاتي لأنهما في الاساس مرشحا الرئيس سعد الحريري.

الى ذلك علم ان الاتصالات ظهّرت الخلاف على ثلاثة مواقع رئيسية في التشكيلة:

– بالنسبة لوزير الخارجية ، تم سحب اسم عبدالله بو حبيب واقترح مكانه اسم سفير لبنان في كندا فادي زيادة، وترشيحه لم يلق قبولا بسبب عمره لأن هناك سفراء اعلى منه في السلك وهذا قد يحدث بلبلة ادارية في الخارجية.

– بالنسبة لحقيبة العدل ، يصر رئيس الجمهورية على القاضي هنري خوري الذي لا يلقى تأييدا من ميقاتي.

– حقيبة الشؤون الاجتماعية : فريق بعبدا يريد تسمية ريمون طربيه، والرئيس ميقاتي يرى ان له ارتباطات حزبية مع “التيار الوطني الحر” وانه أحد معاوني رئيس التيار جبران باسيل.

اضافة الى ما سبق، ترغب بعبدا بالحصول على وزارة الاقتصاد ليكون لرئيس الجمهورية مشاركة في القرار المالي والاقتصادي، وحقيبة الطاقة لم تحسم بعد وقد رشحت بعبدا لتوليها شخصاً من آل فياض من الكورة. وما زال الأخذ والرد يجري على ان تختار بعبدا بين الاقتصاد او الطاقة وليس الاثنين معاً.

كذلك يريد فرنجيه وزيرين مارونيين، تردد ان احدهما هو موريس الدويهي للاتصالات، والثاني جوني قرم للصناعة، فيما يطلب اليه ان يكون الوزير الثاني في حصته اورثوذكسياً او كاثوليكياً.

واما التطور اللافت في ظل النزاعات الحكومية المستفحلة فهو ما علمته “النهار” من ان صندوق التقد الدولي يتجه الى التريث في تحويل مبلغ 860 مليون دولار الى لبنان من ضمن برنامج وحدات حقوق السحب الخاصة الذي تبلغ قيمته 650 مليار دولار توزع على 190 دولة اعضاء في الصندوق، وذلك في انتظار تشكيل الحكومة الجديدة على اساس ان الحكومة الحالية هي لتصريف الاعمال، مع العلم ان هناك شروطا وضعت للاستفادة من المبلغ المخصص للبنان .

مراوحة في الازمة

في غضون ذلك بدت البلاد ماضية قدماً في يوميات مأساة ازمة المحروقات بدليل ان الازمة شهدت امس تفاقماً هائلاً ولم تتأثر الطوابير باي نتائج عملية بعد للحل الذي تم التوصل اليه في بعبدا السبت الماضي لمسألة رفع الدعم التدريجي عن المحروقات. بل ان المشهد امس كان اشد اكتظاظا بالطوابير عند المحطات من أي وقت سابق من الازمة. ويفترض ان تبدأ ملامح الحلحلة النسبية اليوم مع عودة عدد كبير من المحطات الى التوزيع بعدما وزعت شركات استيراد المحروقات كميات وفيرة امس. ولكن اوساطا معنية شككت في امكان حصول انفراج جدي وسط الإدارة السيئة والتخبط المتسع في التعامل مع الازمة . وصدر صباح امس جدول تركيب أسعار المحروقات وفق آلية دعم 8000 ليرة ولكن الازمة بقيت على حالها وسط التهافت الضخم على المحطات. واعلن ممثل موزّعي المحروقات فادي أبو شقرا ان “هناك بواخر عدّة تعمل على إفراغ حمولتها وندعو المواطنين إلى “طول البال” لأنّ الصهاريج والشركات لن تتمكّن من إراحة السوق في يوم واحد” وتوقع أن تخفّ الطوابير أمام المحطّات لاحقا . وافادت معلومات ان حوالى 30 في المئة من المحطات رفضت أن تستلّم البنزين بسبب الإشكالات الأمنيّة التي تحصل رغم محاولات الجيش السيطرة على الأمور وتنظيمها .

وترأس رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب اجتماعاً في السرايا خصص لدرس آلية توزيع المحروقات ومتابعتها شارك فيه وزراء وامنيون وعسكريون وممثلون عن شركات استيراد النفط والافران والقطاع الصناعي وخلص إلى مجموعة مقررات منها : ـ تفعيل غرفة العمليات المشتركة واعتماد السرايا الحكومية مقرا لها، على أن تضم ممثلين عن كل الأجهزة الأمنية والوزارات المعنية. ـ التشديد على اتخاذ التدابير المشددة بحق كل من يشارك في تخزين واحتكار وتهريب المحروقات والتلاعب بأسعارها ونوعيتها. ـ اعتماد آلية تضمن مراقبةالمحروقات منذ لحظة وصولها إلى لبنان وحتى تسليمها إلى المواطنين والقطاعات المعنية بها. ـ ضمان تأمين المازوت للقطاعات الحيوية (المستشفيات والأفران والمطاحن والسنترالات..) ـ الطلب إلى المحطات تشغيل جميع الخراطيم الموجودة فيها لتسريع تعبئة البنزين وتخفيف الازدحام. ـ ضبط الأسعار ومنع التلاعب بالعدادات ونوعية المحروقات تحت طائلة اتخاذ أقصى العقوبات القانونية بحق المتلاعبين.

Leave A Reply