فوضى الطوابير..هل تشق طريق ميقاتي؟

قد يبدو صعباً الجزم مسبقاً بما اذا كانت ستنجح المحاولة المتقدمة التي سيقوم بها الرئيس المكلف نجيب ميقاتي اليوم بتقديم تشكيلته الوزارية الى رئيس الجمهورية ميشال عون ومحاولة الحصول على توافق نهائي معه لاعلان الولادة الحكومية. ومع ذلك فإن ما لا يصعب التكهن به ابداً هو ان مشهد لبنان أمس بالذات يكفي وحده للضغط الهائل لتأليف حكومة جديدة بمعايير مستقلة وموضوعية تضع حدا لمأساة ترك الناس عرضة لسلطة فاشلة وساقطة بهذا المستوى.

والواقع الذي برز خلال الساعات الـ48 الفاصلة بين اجتماع بعبدا عصر السبت الماضي الذي اقرت فيه آلية موقتة لرفع تسعيرة المحروقات على أساس دولار 8000 ليرة وصباح امس، تكشف عن تحويل البلاد بأسرها مسرحاً مخيفاً لفوضى طوابير السيارات التي ملأت بيروت والكثير من المدن والبلدات وتحول معها أيضاً مطلع الأسبوع الى المشهد الأسوأ اطلاقاً منذ بدء ازمة المحروقات، وكل ذلك بفضل “ابداعات” وزارة الطاقة والمياه التي أغرقت الشركات والمحطات والناس بتخبطها الهائل بقرارات ارتجالية أدت الى هذا الجحيم. وإذا كانت المعطيات التي أفضى اليها يوم فوضى الطوابير وقطع الطرق خصوصاً على امتداد الخط الساحلي من الشمال الى الدامور حملت مؤشرات لبدء الحلحلة من اليوم، فان هذا التخبط الذي طبع مطلع الأسبوع رسم مزيداً من التشاؤم حيال إمكان حلحلة فعلية لأزمة الطوابير التي باتت تهدد البلاد بفوضى اجتماعية وامنية لا تحمد عقباها.

على امتداد الطرق من الشمال الى الجنوب وصولا الى البقاع، شهدت محطات المحروقات طوابير سيارات إمتدت لمسافة كيلومترات على أمل الحصول على بعض الليترات من البنزين، لتخرج معلومات بعد ظهر أمس تتحدث عن إنفراج موعود للأزمة بدءا من اليوم. وأقفلت معظم محطات المحروقات أبوابها بعد نفاد مخزونها فيما أعلن بقرار وزارة الطاقة عن توقف اي عملية إستيراد للمحروقات او تفريغ حمولات بواخر قبل نفاد المخزون الموجود في السوق الذي تمّ استيراده على أساس 3900 ليرة للدولار ليتم الاستيراد والتفريغ على أساس التسعيرة الجديدة بعد نفاد المخزون، وعلى أن يقوم المراقبون والقوى الأمنية بالتأكّد من نفاد المخزون في محطات الوقود، ما استتبع إشتداد أزمة المحروقات. ومساء أمس، علم انه بناء على طلب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي تواصل مع الشركات المستوردة للمحروقات، بدأت الشركات إفراغ حمولة ثلاث بواخر محملة بمادة البنزين بكميات تصل الى 48 الف طن قبل حصول الشركات على الاذونات المسبقة للتخفيف من حدة الازمة على ان تلحقها ايضا مزيد من الكميات تصل الى 40 الف طن إضافية. ويفترض ان تظهر بدايات الحلحلة من صباح غد الاربعاء على ان تستلم المحطات الكيمات المطلوبة لتفتح ابوابها من جديد.

إيران ونفطها

اما في الجانب “الإقليمي” من ازمة المحروقات المتصل بالتطور المتعلق باستقدام “حزب الله” المحروقات الإيرانية، فقد بدا لافتاً امس صدور الموقف الأول من طهران على هذا التطور من خلال تعليق على تصريحات الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله الأخيرة عن استقدام المحروقات. وقالت الخارجية الإيرانية على لسان المتحدث باسمها سعيد خطيب زادة: “لا نستطيع الاكتفاء بمشاهدة معاناة الشعب اللبناني.. هذا الشعب متمكن وثري، ومن الطبيعي إرسال الوقود لمَن يشتريه منا”. وأضاف “نحن مستعدّون لمساعدة لبنان بهذا الخصوص، إن طلبت الحكومة اللبنانية ذلك”. وكان نصرالله أكد الاحد أن “السفينة الثانية ستبحر بعد أيام، وستلحق السفينة الأولى التي صارت في عرض البحر”. وشدد على أن “النفط الذي نأتي به هو لكل اللبنانيين، وللمستشفيات والأفران، ونحن لسنا بديلا عن الدولة، ولسنا بديلا عن الشركات التي تستورد المحروقات، ولسنا في مجال التنافس مع أحد”. ولاحظت أوساط معنية ان الموقف الإيراني الرسمي من هذا الملف ترك انطباعات “تبريدية” للمناخ التصعيدي الذي عمل نصرالله على اشاعته من خلال التركيز على مناخ مواجهة. واذا كانت طهران في تعليقها تبنت مبدأ مساعدة لبنان فانها تعمدت الإشارة الى الجانب التجاري من خلال “بيع” الوقود لا وهبه، والإشارة الأخرى الى انها تساعد لبنان اذا طلبت حكومته ذلك. واعتبرت هذه الأوساط ان الموقف الإيراني يوحي بعدم الانخراط في مناخات مواجهة على خلفية ارسال باخرة او اكثر من الوقود الى لبنان .

تشكيلة حكومية

وسط هذه الأجواء المحمومة تترقب الأوساط السياسية الزيارة التي سيقوم بها اليوم الرئيس ميقاتي لقصر بعبدا بعد انقطاع أيام لاجتماعاته مع رئيس الجمهورية اذ تفيد المعلومات ان ميقاتي يزمع تقديم تشكيلة وزارية كاملة على أساس توزيعة الثلاث ثمانات. ومع ان الكثير من التسريبات تناول أسماء عدد من الأشخاص قيل انهم صاروا من المثبتين في التشكيلة، ذكرت معلومات أخرى ان لا صحة لمعظم ما أوردته مواقع إخبارية من “بالونات اختبار” . وأفادت ان ميقاتي تشاور مع رئيس مجلس النواب نبيه بري في الساعات الماضية وان الأخير يؤيده ويشجعه على تقديم تشكيلته اليوم . وذكر ان ثمة استبعادا لان يحصل ميقاتي اليوم على جواب حاسم وفوري من الرئيس عون الذي سيطلب حتماً درس التشكيلة بدقة قبل ان يبدأ البحث فيها مع ميقاتي مع احتمالات تعديلها مع ان ثمة من يقول ان كثيرا من الأسماء التي ادرجها ميقاتي ضمن حصة رئيس الجمهورية هي لمرشحين سماهم عون ووافق عليهم ميقاتي وهم من رموز العلاقة الوثيقة السياسية والشخصية بعون “والتيار الوطني الحر”. وأفادت معلومات ان ميقاتي قد يكون حدد هذا الأسبوع مهلة حاسمة للتوصل مع عون الى توافق على التشكيلة والا فانه في نهاية الأسبوع قد يعلن اعتذاره .

وفي المواقف السياسية البارزة من التطورات توقف المكتب السياسي لحركة “أمل” “امام حالة التخبط العشوائي في أداء المؤسسات والمواقع الرسمية المختلفة في تصريف شؤون البلاد والعجز المتمادي في ايجاد الحلول واتخاذ القرارات غير المدروسة تحت عنوان الموقت”. واعتبر “إن كل تأخير ومماطلة وفرض شروط قديمة متجددة على طريق تشكيل الحكومة هو جريمة بحق كل اللبنانيين الذين يعانون من تراكم الازمات المعيشية والحياتية وهو فعل بحال استمراره يهدد ما تبقى من فرص للخروج من المأزق”.

في المقابل اعتبر رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع ” ان رئيس الجمهورية ورئيس حكومة تصريف الأعمال ووزير الطاقة يتحملون معاً مسؤولية استمرار ازمة المحروقات، ولا سيما ان الحل موجود ومتوافر ويعطي نتائج فورية ألا وهو تحرير السوق فورا”. أما في ما يتعلق “بباخرة السيد حسن الموعودة” فقال جعجع ان ” هذه لا تعدو كونها مزحة صغيرة وسمجة في خضم المأساة التي نعيشها، إذ لو أن استيراد المحروقات من إيران يحل مشكلة لكانت إيران حلت مشكلة سوريا منذ سنوات”. واقترح جعجع “على السيد حسن أن تعمد إيران إلى حل مشكلة سوريا بالمحروقات فتحل فورا نصف مشكلة لبنان. وأخيرا لا حل لأزمة المحروقات فعليا إلا بتحرير السوق، ولا حل لأزمة لبنان إلا بتحرير الدولة ممن هم في مواقع السلطة في الوقت الحاضر”.

النهار

Leave A Reply