عتّم الله قلوبكم!

راجح خوري – النهار

لم يعد أحد في لبنان في حاجة الى بيانات النعي والتسوّل، التي تنتهي عادة بالتهديد الوقح، بأن البلد سيغرق في الظلام الكامل، إذا لم يؤمّن له المصرف المركزي المزيد من المليارات التي هي عملياً من ودائع الناس، في وقت يبدو ان الدولار سيحلّق عالياً.

ليس في العالم كله شركة كهرباء تخسر المال، ولا في لبنان صاحب مولد صغير في آخر حيّ يخسر آخر الشهر، وليس في الدنيا وقاحة توازي وقاحة شركة الخردة الكهربائية عندنا، التي كلفت البلد نصف دينه العام، أي ما يزيد عن خمسين ملياراً من الدولارات، والتي هي موضع نقاش وتبادل إتهامات منذ أعوام، من دون اجراء تحقيقات حاسمة تفتح باب السجون امام السرّاقين والنهّابين والسماسرة، الذين يبدأون عادة برفع شعار 24/24 وينتهون بإصدار بيانات تحذير الناس من أنه إما ان تعطونا ودائعكم لنشتري المازوت والفيول، هذا في حين يعترف وزراء صراحة وعلناً بأن التهريب ناشط الى سوريا، وإما فإنكم ستغرقون في العتمة، عتّم الله قلوبهم طبعاً!

يستورد لبنان في العام عادة ثلاثة ملايين طن من المازوت، ولكن تبين انه استورد العام الماضي ستة ملايين طن، فأين ذهبت هذه الكمية الإضافية، هل شربها المسؤولون عن هذه الدولة المسخرة، دولة النهب التي تعجز عن ضبط حدودها رغم كل العنتريات والأكاذيب التي نسمعها منها؟

يوم الجمعة الماضي اعلن مصرف لبنان انه انفق خلال شهر تموز الماضي 828 مليون دولار لدعم استيراد المحروقات والفيول، وهذه المبالغ التي تقرب من المليار دولار لم تساهم في توفير التغذية الكهربائية، كما لم تلغِ زحمة السير امام المحطات، مؤكداً ان الحل للأزمة يتمثل في تأمين إيصال الدعم الى المواطنين مباشرة، عوض ان يذهب الى السوق السوداء. وأوضح “المركزي” انه قام خلال الشهر الماضي ببيع 293 مليون دولار، الى جانب موافقات على بيع 415 مليون دولار لاستيراد البنزين والمازوت، ما يجعل الرقم 708 ملايين دولار، وأضاف انه باع 120 مليون دولار لمصلحة “مؤسسة كهرباء لبنان” لتشغيل محطات الإنتاج، وأنه رغم كل ما وفره، ورغم تمسكه بحماية الأمن الاجتماعي للبنانيين، وتأمين الحد الأدنى من حاجاتهم رغم حراجة الوضع المالي، لا يزال المواطنون يعانون من الشحّ في مادة المازوت الى حد فقدانها بالسعر الرسمي المدعوم، ونشوء سوق سوداء يتم عبرها ابتزاز المواطنين في ابسط حقوقهم ومنها الكهرباء عبر المولدات، ومن شأن ذلك ان يرتب نتائج خطيرة على المستشفيات والأمن الإستشفائي والغذائي للشعب.

ولماذا؟

يردّ المصرف المركزي “نيابة” عن دولة المساخر ومسؤوليها الغائبين عن الحسّ والوعي وقواعد المسؤولية واخلاقية السلطة، بان ذلك حاصل بسبب إصرار التجار إما على التهريب وهذا اكيد، وإما على التخزين والبيع في السوق السوداء، وكل ذلك بسبب عدم اتخاذ اجراءات صارمة من الدولة لوقف معاناة اللبنانيين!

إجراءات صارمة؟

ولكن كيف يتخذ المسؤولون هذه الإجراءات ضد انفسهم او وكلائهم والعملاء الذين يقومون بالتهريب والتخزين، لخدمة اسيادهم في السلطة؟ وما يدعو الى مرارة السخرية ان “شركة الكهرباء” التي كبدت الدولة 50 ملياراً من الدولارات، أي نصف دينها العالم، لم تقدم للناس بياناً عن هيئة تحقيق جادة تكشف كيف تبخرت هذه المليارات، بينما يستمر الردح الممجوج منذ خمسة أعوام حول استعادة الأموال المنهوبة، والمطلوب على الأقل وقف مزاريب النهب … ولا من يسأل او يلتفت مثلاً:

اين ذهب المليار تقريباً الذي انفقه “المركزي” الشهر الماضي على المحروقات، وكيف تجرؤ مؤسسة الخردة المنهوبة في كهرباء لبنان على إصدار بيان جديد يهددنا بالعتمة؟

يا سيدي أهلاً بالعتمة، صدّقونا، فنحن نكتفي بوجوهكم المنيرة والمشرقطة!

Leave A Reply