لا حكومة ولا انفراج ولا انفجار!

حسن الدّر ـ

اقتربنا من السّنويّة الأولى لجريمة “تفجير” المرفأ، وما زلنا نجترّ المواقف ذاتها وندور داخل حلقة مفرغة، يدفع فيها اللّبنانيّون ضريبة تعنّت بعض قوى الدّاخل واستثمار الخارج لفقرهم وجوعهم!

ولمزيد من التّعقيد، وحتّى لا يفقد لبنان صفة الفرادة “السّلبيّة” في كلّ المجالات السّياسيّة والاقتصاديّة والقضائيّة، فقد نجحت ادّعاءات القاضي طارق البيطار بحرف الأنظار عن جوهر القضيّة، وبدل أن نسعى لنعرف من أدخل النيترات إلى المرفأ ومن فجرّها وما الدّوافع والغايات، دخلنا في جدل عقيم حول الاهمال الوظيفيّ لبعض الوزارء والقادة والموظفين، الّذين تمّ انتقاؤهم دون معايير واضحة، لا في التّسلسل الزّمنيّ من أوّل وصول الباخرة “روسوس” إلى لحظة التّفجير، ولا في ترتيب المسؤوليّات من أمنيين وقضائيين وصولًا إلى سياسيين وإداريين..

هذه “المعمعة” أدّت وتؤدّي دورًا خطيرًا، عن قصد أو غير قصد، في انقسام اللّبنانيين حول قضيّة وطنيّة وانسانيّة آذت الجميع مادّيًّا ومعنويًّا ونفسيًّا، فتحوّلوا إلى متّهم وبريء، وإلى من يريد معرفة الحقيقة وتحقيق العدالة، ومن يخاف منها ويتحصّن لها!

هذا السّياق المترافق مع حملة إعلاميّة مدروسة ومتقنة وضعت النّوّاب والوزراء ومرجعيّاتهم السّياسيّة في خانة المجرمين، وزادت نسبة الرّيبة لدى فريق سياسيّ كبير، متوجّس أصلًا، من لحظة التّفجير والحملة الّتي شُنّت عليه لاتّهامه، من دون دليل، بالتّسبّب بها بشكل مباشر أو غير مباشر.

وحسب المعلومات المعلنة وغير المعلنة، فإنّنا سنشهد ذروة التّأزيم السّياسيّ والتّصويب الاعلاميّ يوم ٤ آب، وأنّ ما بعد الذّكرى الأولى ليس كما قبله!

أمّا حكوميًّا، فبعد اعتذار الرّئيس الحريري وبروز اسم الرّئيس ميقاتي(حتّى اشعار آخر)، ثمّة أسئلة مشروعة يجب طرحها، كي لا نبيع الأمل في أسواق اليأس، ولكي لا نبني أحلامًا على أوهام!

وأوّل الأسئلة وأهمّها: ماذا تغيّر داخليًّا وخارجيًّا لكي تبصر الحكومة النّور؟!

لا يبدو أنّ شيئًا استجدّ في المواقف الخارجيّة، فقد مرّ قرابة عام على المبادرة الفرنسيّة، المدعومة أمريكيًّا، والّتي طرحها “ماكرون” خلال زيارته لبنان، بل إنّ الحماسة والاندفاعة العاطفيّة خفّ وهجها بعد مرور عام على الجريمة، وبالتّالي خسرت المبادرة كثيرًا من قوّتها، وكلّنا نذكر الأجواء الايجابية الّتي رافقت تسمية السّفير مصطفى أديب، حتّى ظنّنا بأنّنا عدنا إلى ما قبل ٢٠٠٥، وأنّنا أمام حكومة انقاذ قادرة وسريعة؛ ثمّ انقلب المشهد التّفاؤليّ فجأة، واعتذر أديب، ودخلنا في دوامة التّأليف بعدالتّكليف.

وما زال الفرنسيون والأمريكيون يدعون إلى تطبيق المبادرة الفرنسيّة نفسها، مردّدين المواقف نفسها، ومطلقين نفس التّهديدات بالعقوبات، وما زالوا يحدّدون المهل والمواعيد، ويهدّدون ولا ينفّذون!

والموقف السّعودي على حاله أيضًا، وإذا كان بين الحريري والسّعوديين فتور وقطيعة، فإنّ أسباب الاحجام عن لبنان أعمق وأعقد من علاقتها بشخصيّات محدّدة، وتغيير الموقف لا يتعلّق بشخصيّة الرّئيس المكلّف، بل بنهج رسميّ لبنانيّ كامل، تصنّفه المملكة في خانة العداء ونكران الجميل!

أمّا داخليًّا فالمشكلة كانت ولا زالت عند رئيس الجمهوريّة والوزير باسيل، ومشكلة الرّجلين بنيويّة، ترتبط بتركيبتهما وطريقة تفكيرهما، فقد رفعا سقفًا “لا دستوريًّا” تحت سقف طائفيّ، متذرّعَين بالمطالبة بحقوق المسيحيين، وبالمناسبة، هذه السّياسة أدّت إلى هجرة نسبة كبيرة من النّخب المسيحيّة الّتي صنعت اسم لبنان المميّز.

وعليه، فقد نجح باسيل في “تطفيش” الحريري، لأنّه ملتزم ببند واحد من الاتّفاق الرّئاسيّ: “ندخل الحكومة معًا ونخرج منها معًا” ودفعَ لبنان وشعبه ثمن تسعة أشهر من الفراغ المدمّر، والانهيار المتسارع!

فهل يتغيّر موقف باسيل بعد “تطفيش” الحريري؟وهل يعطي لميقاتي ما لم يعطه لغريمه؟

سلوك باسيل السّياسيّ لا يبشّر بالخير، والشّعارات الّتي رفعها (تسمية الوزراء المسيحيين، والثلث الضّامن ضمنًا) لا يمكنه التّنازل عنها، فنحن مقبلون على انتخابات نيابيّة مفصليّة، واستطلاعات الرّأي تظهر تراجعًا موصوفًا في صفوف التّيّار الوطنيّ الحرّ، وليس من عادات “العقليّة العونيّة” تغليب الصّالح العام على المصالح الشّخصيّة!

وبهذه الذّهنيّة لن يتراجع باسيل عن المطالبة “بحقوقه” خصوصًا وأنّه لم يبقَ عنده ما يخسره!

والسّؤال الآخر، هل يقبل الرّئيس ميقاتي بسقف أدنى من السّقف الّذي رفعه الرّئيس الحريري؟ وهل يعطي لباسيل ما رفض اعطاءه إيّاه الحريري؟

شخصيّة ميقاتي الصّلبة والمتمرّسة في العمل السّياسيّ، والأجواء المحتقنة داخل الطّائفة السّنّيّة، بسبب التّعاطي السّلبي من رئاسة الجمهوريّة تجاه الشخصيّة السّنيّة الأقوى، لا يسمحان لميقاتي بالتّنازل، وهو لن يسجّل على نفسه خطيئة التّفريط بصلاحيّات رئاسة الحكومة، ولن يطلق النّار على قدميه، ويضحّي بمستقبله السّياسيّ.

هذا إضافة إلى الواقع الجهنّميّ الّذي نعيشه على كلّ المستويات الاقتصاديّة والاجتماعيّة، وغياب سبل الحلول الجذريّة، والّتي تفرض على ميقاتي وضع شروط مسبقة تضمن له تأليفًا عاجلًا وتعاونًا صريحًا وواضحًا عربيًّا وغربيًّا.

فهل يرضى ميقاتي بأن يكون “كبش محرقة” ويحمل وزر فشل “العهد القوي” وما سبقه من فشل متراكم؟!

يفصلنا يومان عن الاستشارات النّيابيّة الملزمة، يخلق الله فيها ما لا تعلمون، وربّما تؤجّل بطلب من إحدى الكتل النّيابيّة.

ولكن، مَن استثمر على أخطائنا وفشلنا، ومن ساعدنا في الوصول إلى “جهنّم” بقيادة ربّان السّفينة العنيد، لن يمدّ لنا يد العون “ببلاش”، و”البي” الّذي خاصم أبناءه ودعاهم إلى الهجرة ووعدهم بجنّهم، لن يتغيّر بسحر ساحر..

نحن متروكون لمصيرنا، وبانتظار اكتمال فصول الانهيار: الأرجح أن نبقى بلا حكومة ولا انفراج ولا انفجار!

Leave A Reply