رياض سلامة يقرر: دعم الدواء ذهب مع الريح

على عكس الوعود التي أعطاها حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، ‏لوزارة الصحة، قرر أول من أمس نسف كل ما سبق والاكتفاء بالقول إن ما ‏تبقى لكل مستلزمات البقاء، من الأدوية إلى الطحين وغيرها، هو فقط 400 ‏مليون دولار. ماذا يعني ذلك؟ يعني أن الـ600 مليون دولار التي كانت ‏وزارة الصحة تعد نفسها بها لاستمرار دعم الدواء طارت مع الريح، وباتت ‏اليوم مجبرة على التعامل مع المرحلة الجديدة من رفع الدعم التي اقترب ‏موعدها

منذ فترة، يسوّق حاكم مصرف لبنان لرقم الـ400 مليون دولار كمبلغ متبقٍ للاستيراد. وبعدما ابتلع الناس والمعنيون ‏الطعم، أصدر الحاكم نفسه، أول من أمس، بياناً رسمياً أعلن فيه عن المبلغ المذكور الذي يفترض أن يسدّد منه ‏اعتمادات وفواتير الأدوية ومستوردات أخرى. هكذا، حسم سلامة الأمر، ونسف كل ما قاله سابقاً حول الدعم المزعوم ‏للدواء، إذ يعدّ هذا البيان بمثابة صافرة الانطلاق نحو المرحلة المقبلة التي سيكون عنوانها رفع الدعم عن الدواء. ما ‏تعنيه تلك الـ400 أن مقولة “لا رفع للدعم عن الدواء” باتت في خبر كان، حيث يفترض من الآن وصاعداً تغيير ‏الخطط والبدء بالتحضير للمرحلة الجديدة‎.‎

إلى الآن، لم يصدر عن وزارة الصحة أي ردّ على البيان، باستثناء انتظار الأخيرة للمصرف كي يقرّر ما هو ‏المبلغ المرصود للدواء من بين “المستوردات الأخرى” للبناء على الشيء مقتضاه. لكن، في الوقت الذي تنتظر فيه ‏الوزارة هذا الأمر، ينتظر مصرف لبنان هو الآخر لائحة تحديد الأولويات من الوزارة. وهذه لعبة مستمرة منذ ‏نحو شهر، فلا المصرف مستعدّ لصرف فلسٍ واحد، ولا الوزارة خرجت بتلك اللائحة، إذ إنه حتى هذه اللحظات ‏لم تتفق على صيغة نهائية للأدوية المدعومة، على ما يقول رئيس لجنة الصحة النيابية عاصم عراجي. ما هو ‏محسوم حتى اليوم في تلك الورقة هو فقط العناوين العريضة التي تتعلق بشمول الأدوية المزمنة والمستعصية ‏والسرطانية والبنج ولقاحات الأطفال. أما ماذا تشمل تلك العناوين؟ فلا شيء جاهزاً حتى يقرر حاكم مصرف ‏لبنان التوقف عن “اللعب بسمانا”! وما يقوله هؤلاء يلمح له عراجي، انطلاقاً مما لمسه خلال الفترة الماضية في ‏التواصل مع المصرف المركزي، حيث “أن الوعود لم تكن شفافة‎”.

إلى الآن، ثمة شكّ في ما يقوله سلامة، ولو صدر بيان رسمي، فبحسب المصادر “في اللحظة التي يقرر فيها ‏مصرف لبنان قيمة المبلغ تحضر اللائحة، وما عدا ذلك لا يمكن التكهن”. وعلى المقلب الآخر، خرج وزير ‏الصحة، حمد حسن، في لقاء تلفزيوني ليعيد التأكيد على أن المبلغ المتفق عليه مع مصرف لبنان هو 50 مليون ‏دولار شهرياً، وأن “مصلحة الصيدلة في الوزارة تنسق مع المصرف لفرز الأدوية ووضع القوائم، بانتظار أن ‏يعطي الأخير أوامره لإصدار التحويلات للشركات”، من دون أن يملك حسن إجابة دقيقة حول موعد الصرف‎.‎

يحدث ذلك، فيما الأدوية تُفقد واحداً تلو الآخر، ومعظمها أدوية أساسية، منها على سبيل المثال أدوية السرطان التي ‏فقد منها حتى الآن 99 دواء دفعة واحدة، معظمها بلا بدائل، كما أدوية أمراض أخرى من الضغط إلى السكري إلى ‏القلب. وليس متوقعاً أن يتوقف عداد فقدان الأدوية، في ظل توقف المستوردين عن تأمين الدواء، وتقاعدهم تالياً عن ‏التوزيع، على ما تقول نقابة الصيادلة وغيرها من المعنيين. وفي هذا السياق، يلفت نقيب الصيادلة غسان الأمين إلى ‏أنه منذ أسابيع لم يتسلم الصيادلة معظم الأدوية، “وباتت معظم الرفوف فارغة، وما في دوا”. أما نقيب مستوردي ‏الأدوية كريم جبارة، فيردّ فقدان الدواء من السوق “إلى انتهاء خزين المئات من الأدوية وقرب انتهاء خزين مئات ‏الأدوية الأخرى أواخر الشهر الجاري، فيما الشركات العالمية تمتنع عن تسليمنا شحنات جديدة لأنها لم تقبض عن ‏الفواتير الماضية”. بسبب ذلك، يبرّر المستوردون الأزمة الحاصلة اليوم‎.

إلى ذلك، تجرى نقاشات داخل الوزارة بالتعاون مع نقابة الصيادلة حول كيفية التعامل مع المرحلة المقبلة. وبحسب ‏الأمين، تعمل الوزارة اليوم “على خطين”، أولهما العمل على تحديد أولويات المواطنين من أدوية تبعاً لحاجة ‏السوق، وثانيهما التهيؤ نفسياً وعملياً لمرحلة ما بعد رفع الدعم. وقد طرحت بعض العناوين في هذا السياق، منها ‏العمل على تشريع فتح باب الاستيراد والتسجيل الطارئ لأدوية من مصادر مختلفة للمساهمة في حل الأزمة، وهي ‏في معظمها أدوية “جينيريك” ذات فعالية وبأسعار مقبولة، والتخفف شيئاً فشيئاً من أكلاف “البراند”، ما يفتح ‏المجال “أمام مستوردين جدد وأصناف أدوية أقل كلفة وتحمل فعالية الدواء الأصلي”. وهذا يفترض عملياً التحول ‏نحو مفهوم جديد من العمل “أي التركيز على التركيبة العلمية للدواء لا على اسمه التجاري الذي يستحوذ في بعض ‏الأحيان على ثلاثة أرباع السعر”! ومن المقترحات أيضاً اتخاذ القرار بمنع استيراد أدوية ينتج منها لبنان، وهي ‏كثيرة. ماذا بعد؟ بحسب عراجي، الذهاب نحو إلغاء عدد من الأدوية أو تجميدها “لكونها ليست لازمة، وهي تقرب ‏من 700 إلى 800 دواء”. وهذه تفترض وجود إرادة فقط، إذ إنه بحسب مصادر وزارة الصحة، هناك “ما يقرب ‏من 40 في المئة من الأدوية لا تتحرك عن رفوف الصيدليات”. فما الذي يحول دون اتخاذ القرار بتجميدها؟

الأخبار

Leave A Reply