سلاسل تقيّد أيدي وسواعد عمال لبنان

ذوالفقار قبيسي – اللواء

يأتي تحرك عمال لبنان في زمن تمرُّ الاتحادات العمالية في أكبر فترة انقسامات نقابية وتجاذبات سياسية حوّلتها من الوحدة والقوة والوطنية والوعي السياسي والاجتماعي والمستوى النقابي العالي الذي كانت عليه في أربعينيات وخمسينيات لبنان ما بعد الاستقلال الى «شراذم عمالية».

والسبب ليس فقط «الطبقة الرأسمالية الوحشية» كما يقول أهل اليسار، وإنما لأن هذه الاتحادات التي لم تعد تضم في صفوفها النقابية أكثر من ٣ الى ٤% من مجموع القوى العاملة في لبنان، رضخت وأحنت هامتها للقوى السياسية التي حكمت لبنان وحوّلتها، حتى قبل الحرب الأهلية وخلال الوصاية السورية وبعدها وحتى الآن، الى اتحادات ونقابات عمالية «مخطوفة» من قوى مذهبية وطائفية «كرسحت» قدراتها التاريخية التي كان يفترض أن تكبر وتنضج وتحوّلها الى «حزب عمالي» يقود العملية السياسية بدلا من أن يصبح «منقادا لها»، ويخوض الانتخابات التشريعية بأصوات مئات آلاف العمال وينتزع في مجلس النواب عددا من المقاعد أكبر من المقاعد التي تحتلها الآن أغلبية من أصحاب الملايين واتباعهم في مجلس نواب ليس فيه نائب واحد ممثل للعمال منذ أن كان في لبنان نقابات عمال على مدى أكثر من عام وحتى الآن. وعكس ما آلت إليه أحوال عمال أوروبا الذين عندما انتزعوا حق التصويت، لم يجيّروا هذا الحق الشرعي والطبيعي لصالح الاقطاعيين و«النبلاء» والمرابين، ولا الى سلطة طائفية – مذهبية – فئوية – مناطقية انقسامية كما في لبنان، وإنما حوّلوه الى قوة عمالية سياسية وطنية تشريعية، كما حصل على سبيل المثال لعمال بريطانيا الذين ما انتزعوا في القرن التاسع عشر حق التصويت حتى قام حزب عمالي أوصل الى البرلمان حكومة عمالية برئاسة رمزي ماكدونالد في العام ١٩٢٤ أو حكومة برئاسة كليمنت اتلي مباشرة بعد نهاية الحرب العالمية كان منها عامل منجم وزير للعمل ثم وزير للخارجية في حكومة «حزب عمال» هزمت حكومة المحافظين وأعطت لكل مواطن عاملا كان أم عاطلا عن العمل الحد الأدنى من الضمانات الاجتماعية الصحية والتعليمية والتقاعدية في تشريعات أنجزت خلال ثلاثة أعوام بين ١٩٤٥ و١٩٤٨ اشتملت على بدلات عائلية ومساعدات للأطفال والأمهات والأرامل وتغطية صحية وبدلات تقاعد وتعويضات بطالة للجميع. أو كما حصل في فرنسا عندما أوصل العمال أول حكومة اشتراكية برئاسة ليون بلوم في العام ١٩٣٦، أو في أميركا اللاتيتية حيث أوصلت الأحزاب العمالية عديد العمال الى البرلمان كان منهم سائقو «سرفيس» أو حتى «ماسح أحذية» في البرازيل وصل عبر نضاله التاريخي الطويل في حزب عمالي اشتراكي حقيقي الى رئاسة الجمهورية وأنجز إصلاحات سياسية واقتصادية أساسية حققت لعمال بلاده الكثير من المطالب بفضل مقولته التي اقتبسها من الانجيل، بأن وضع العامل الذي يتخلّى عن حقه الطبيعي، يشبه وضع الإنسان القوي الذي تقيّده عصابة اللصوص بالسلاسل في بيته وتسرق له أمتعته!

أليس هذا ما حصل قبل اليوم واليوم في مواجهة أشدّ المحن الاقتصادية والمعيشية بسلاسل سياسية وطائفية ومذهبية وزبائنية ومحسوبية غليظة تقيّد أيدي وسواعد ورقاب عمال لبنان!

Leave A Reply