مخزون مرعب بمنشآت الزهراني: عبوات نووية و250 مادة خطرة

يتكشَّف رويداً وجود مواد كيميائية خطرة مخزّنة في مرافق حيوية جداً، منذ ما يزيد عن خمسة عقود. وتخزين مواد من هذا النوع ليس جديداً على لبنان. إذ نشطت بعض الأحزاب والشخصيات النافذة خلال الحرب الأهلية، على خط استيراد المواد الخطرة لطمرها في لبنان لقاء مبالغ مالية ضخمة. فالتخلّص منها في الدول التي تعتمد معايير عالية للسلامة، مُكلف جداً. وزاد تسليط الضوء على تلك المواد بعد جريمة تفجير مرفأ بيروت. إذ ارتفعت معدّلات القلق والخوف، على وقع نتائج تفجير المرفأ.

وبعد منشآت النفط في طرابلس، جاء دور منشآت الزهراني، حيث اكتُشِفت 5 عبوات تحتوي على مادة “يورانيل اسيتايت”Uranyl acetate عالية النقاوة. فهل كنّا أمام خطر تفجير جديد؟

تلوّث وخطر على الصحة

حسب التقرير الصادر عن الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية ، والذي حصلت عليه “المدن”، فإن المادة التي عثر عليها، مركّبة من عناصر يورانيوم 238 ويورانيوم 235 وراديوم 226. وهي عناصر مشعّة. وبعد الكشف الميداني والتحليل المخبري، تبيّن أن نسبة نقاوة المادة “بين 95 و97 بالمئة”. وهي تُستَعمَل في “تحضير العينات البيولوجية، خصوصاً التي تحتوي على البروتينات، ليتم فحصها في المجهر الالكتروني. تستعمل كوحدة قياس مرجعية في مختبرات فحص اليورانيوم في المياه والعينات الطبيعية والمواد الغذائية. كما تستعمل كعامل ترسيب لمادة الصوديوم من المياه ليصار إلى تحديد كميتها. وتستعمل كوحدة قياس مرجعية في العمل البحثي في المختبرات الإشعاعية المتخصصة”.

البحث العلمي حول ما وُجِد، يقود إلى أن هذه المواد تتفاعل مع الأوكسيجين، إذ تتفكّك وتسبب أضراراً على صحة الإنسان في حال استنشاقها أو ابتلاعها، كما أنها تؤثّر على الهواء والبيئة المحيطة، وخاصة البيئة المائية. وهي بالتأكيد مواد قابلة للاشتعال لكنها غير قابلة للانفجار، إلا اذا استُعمِلَت لأغراض عسكرية وبدمجها مع مواد أخرى وربطها بصواعق تفجير وما إلى ذلك من آليات تركيب العبوات. لكنها لا تنفجر من تلقاء نفسها أو حتى إذا جرى إشعالها بالنار.

والإستعمال الأبرز لمادة اليورانيل اسيتايت، يحصل في المختبرات العلمية، وليس في منشآت للطاقة مثل منشآت النفط. وهو ما يثير التساؤلات حول تخزينها في المنشآت طيلة هذا الوقت.

ونفي مدير الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية بلال نصولي، لخطورتها من الناحية الأمنية، خاصة وأن ما عُثر عليه لا يتجاوز الـ”كيلو و400 غرام”، لا يعني إقفال الملف بشكل نهائي. فحسب تقرير الهيئة، لم تكتفِ منشآت النفط في الزهراني بتخزين المادة المذكورة، بل عُثر أيضاً على “قوارير غاز صدئة فيها بعض كميات الأسيتيلين والأوكسجين المؤكسد، التي يمكن أن تسبب حريقاً. وتم العثور على زجاجة واحدة ممتلئة، ولكن بمحتوى غير معروف”. كذلك، عثر على “بطاريات الرصاص الحمضية التي تحتوي على حمض الكبريتيك بتركيز 37 بالمئة شديدة التآكل. وعلى 200 ليتر من الزيوت، قابلة للتسرب والانتشار بفعل حالة الصدأ للبراميل الموجودة فيها”، إلى جانب “250 مادة كيميائية خطرة مختلفة قابلة للاشتعال، وسامة وخطرة على البيئة والصحة”. فضلاً عن “الزئبق المتفجّر والسام”.

حملة تنظيف طارئة

خطورة المواد المصنّفة كمواد “نووية تخضع لنظام الرقابة والتحقق، المتعلق بمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية وبروتوكول الكميات الصغيرة العائدة لها”، يستوجب تخزينها وفقاً “لأعلى معايير الأمن والأمان النوويين المعتمدة. وألاّ يتم التصرف بها أو بجزء منها إلا بعد مراجعة الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية”، وفق ما أكّدته الهيئة، التي أعلنت استعدادها “لنقل العبوات إلى مختبرات ليصار إلى وضعها تحت التحكّم الرقابي لديها وإبلاغ الوكالة الدولية للطاقة الذرية وفقاً للأصول والمعايير المعتمدة والمتعلقة بهذه المواد”.

وهذه الخطوة جاءت استكمالاً لما جرى في منشآت طرابلس التي وُجِدَ فيها مطلع شهر آذار الجاري، 75 حاوية فيها مواد خطرة، تبيَّنَ حسب ما أوردته المديرية العامة للنفط، أنها مواد “قديمة جداً ومتهالكة وليست مواداً متفجّرة”. على أنّ حركة الكشف عن المواد القديمة، بغضّ النظر عن قابليتها للانفجار، لم تكن وليد يقظة إصلاحية مِن قِبَل وزارة الطاقة أو المديرية العامة للنفط، بل هي نتاج خوف مِن أن يؤدّي استمرار التخزين إلى كارثة تشبه ما حصل في مرفأ بيروت، فيصبح جميع الموظفين المدرجين ضمن الهرم الوظيفي في وزارة الطاقة والمؤسسات والمنشآت الملحقة بها، عرضة للمساءلة الشعبية والقضائية. وبالتالي، بات الجميع يتحسس رأسه ويحاول إبعاد الكأس المرّ من أمامه، في عملية تنظيفٍ طارئة وسريعة.

المدن

Leave A Reply