النهار: الانهيار يتدحرج… والسلطة استسلام وتواطؤ

على وقع انهيار كبير متسارع، بالكاد تمكن اللبنانيون من احياء ذكرى انتفاضة استقلالية سيادية تاريخية شهدها لبنان في 14 آذار2005، فاذا بذكراها الـ16 امس تمر عبر الخوف المتعاظم من اخطر التداعيات السيادية والسياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية مجتمعة لكارثة باتت وقائعها تسابق التحذيرات من حصولها.

صحيح ان بوادر آخر جولات الانفجار الاحتجاجي الذي بدأ الأسبوع الماضي شكلت جرس انذار متقدماً لعاصفة متفجرة جديدة في لبنان تحمل هذه المرة نذر فوضى مخيفة، لكن الخطر ظل عند حدود الضبط في الحد الأدنى الى نهاية الأسبوع الماضي حيث بدا واضحا ان التفلت المالي في السوق السوداء لتسعير الدولار بات العنوان الأكبر للحريق المخيف الذي يزحف تباعاً على البلاد.

ذلك ان الساعات الـ72 الأخيرة تحولت بوقائعها المالية اشبه بدفع متعمد للبلاد نحو الانهيار الشامل الذي سيستتبع حكما كارثة اجتماعية تنفجر بأسوأ وجوه الغضب الشعبي بعدما رفعت الدولة والسلطات السياسية والحكومية والنقدية والمالية ايديها استسلاما أمام ذاك المجهول الغامض المقنّع الذي يتلاعب بأسعار الدولار ولا احد يزعم القدرة على لجمه. والحال انه لو كانت هناك حكومة كاملة الصلاحيات واندلعت موجة الاشتعال في سعر الدولار ومعها اشعال الشوارع اللبنانية على أوسع واشمل نطاق كالذي حصل يوم السبت الفائت، لكانت سقطت في الشارع شر سقوط بأسوأ من التجربة الشهيرة لحكومة عمر كرامي في 6 أيار من عام 1992 التي أسقطها ارتفاع قياسي آنذاك للدولار الهب الشارع بالتظاهرات الغاضبة. مع حكومة تصريف اعمال تجرجر ذيولها وفشلها منذ سبعة اشهر ومعاندة مخيفة لفريق العهد وحليفه الحزب الحديدي في عدم الافراج عن حكومة وضع المجتمع الدولي معاييرها غير القابلة للتغيير كحد ادنى لعبور الدعم الدولي الملح الى لبنان المختنق الذي يصارع البقاء تحت وطأة الانهيارات المتعاقبة، انفجر “دولار لبنان” مجددا وهذه المرة بسقوف “سوبرقياسية” يستحيل تصور أي قدرة لدى اللبنانيين على تحملها من دون اشتعال ما يتجاوز الثورة او الانتفاضة المنظمة الى فوضى قد تكون أسوأ مما شهده لبنان في تجارب الحروب.

بين سقفي الـ12 الف ليرة و13 الف ليرة، بدا لبنان في الساعات الأخيرة امام لحظة مفزعة اذ لم يقتصر المشهد والتداعيات على اشتعال التظاهرات وقطع الطرق السبت ومن ثم تجدد قطع الطرق امس بل ان الأنظار ستتجه اليوم الى الأسواق والمتاجر والسوبرماركت وكل القطاعات التجارية والإنتاجية وما اليها لترصد الارتفاعات المطردة في أسعار السلع كافة ربطا بتحليق أسعار الدولار الذي بات عمليا بلا رادع وبلا سقف. وتاليا، وامام الخواء السياسي المخيف والمعاندة الخيالية في ازمة تشكيل الحكومة التي وحدها الوسيلة الحصرية للجم اندفاعات الانهيار الكبير، لم يعد الخوف من كارثة زاحفة مجرد توقع او تضخيم او تخويف، بل ان ما يخيف فعلا هو اجماع الخبراء الماليين والسياسيين سواء بسواء على ان الكارثة بدأت وستكون متدحرجة من دون سقوف ما لم يردعها حل سياسي طارئ وعاجل يفرج عن الحكومة الانقاذية المطلوبة داخليا وخارجيا. اما الأسوأ من واقع استرهان الكارثة للعناد السياسي او العجز او حتى التآمر فبرز في الكلام الذي تداولته مواقع تواصل اجتماعي عن اتهامات لاصحاب نفوذ في تسخير منصات للتلاعب بأسعار الدولار او الحديث عن متواطئين يملكون كتلا مالية كبيرة ويتحكمون بتسعير الدولار، وكل هذا لم يقترن بعد بتثبيت او ملاحقة او توضيحات كأن الازمة أفلتت من كل اطر السيطرة والضبط والتحكم.

في أي حال عكس الواقع السياسي المنكفئ عن كل المحاولات الجدية لإنعاش جهود تاليف الحكومة ريبة متنامية حيال مجريات الانهيار وارتباطها أولا وأخيرا بأزمة تعطيل تاليف الحكومة الجديدة بما يثير مزيدا من الشكوك المشروعة في نيات الفريق المعطل الذي يتلطى وراء ذرائع لم تعد تنطلي على أي جهة خارجية بدليل اتساع الانتقادات العلنية والضمنية لدول معنية مباشرة بالجهود المتصلة بلبنان كفرنسا وروسيا وبريطانيا للسلطة الحاكمة في تفرجها على الانهيارات الحاصلة وعدم تخليها عن المعاندة السياسية.

في 14 آذار

ولم يكن غريبا والحال هذه ان تتظهر تكرارا ملامح الانقسامات بين الفريق السيادي السابق والفريق العوني في #ذكرى 14 آذار التي يحييها كل منهما على طريقته.

وفي ذكرى انتفاضة 14 آذار، أشار الرئيس المكلف سعد الحريري إلى “أن شهادة الرئيس رفيق الحريري ورفاقه صنعت 14 آذار، انتفاضة استثنائية في تاريخ لبنان عمدّها قادة رأي وسياسة بدمائهم وتضحياتهم” وقال في سلسلة تغريدات عبر “تويتر”، “14 آذار مشروع وطن وتحرر ومصالحة، زرع في وجدان اللبنانيين مشهدية شعبية وسياسية وحضارية لن تتمكن من محوها ارتدادات المتغيرات الاقليمية ولا السياسات العبثية التي تعمل على العودة بلبنان الى زمن الاستنفارات الطائفية “.

بدوره أشار رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع إلى أن “14 آذار مستمرة… حتى تحقيق الغاية “.

ورأى رئيس حزب الكتائب سامي الجميّل ان “العبرة بعد 16 سنة أن الاستقلال تحقق في حين غابت المحاسبة وتأجلت الاصلاحات فعدنا ووقعنا في المحظور”. وأضاف, “إكراما لبيار وانطوان وعهدا للأجيال المقبلة، لا تنازل عن سيادة او محاسبة، فلا قيمة للاولى دون الثانية وبالعكس”.

في المقابل اعلن رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل “وثيقة سياسية ” للتيار في ذكرى تأسيسه تضمنت عناوين عامة كثيرة تتصل بمسائل خلافية ومنها أن “الاستراتيجية الدفاعية تشكل في ذاتها ضمانة للبنان تسمح له وتوجب على ابنائه ابقاءه بمنأى عن كل نزاع لا علاقة له به وعليها أن تقوم على التفاهم الداخلي، والحفاظ على عناصر قوة لبنان”. وأعرب عن “تخوّف التيار من اعتماد الفيديرالية لأنّ نسيج شعبنا وتداخله الجغرافي قد يحوّلانها الى فرز طائفي طوعي للسكان” واعتبر أن “التيار يناضل لتطوير بنيان الدولة لتصبح مدنية بكامل مندرجاتها” وعرض نقاطا عدة لمشروع التيار للدولة المدنية منها “معالجة الاختلالات الدستورية، استكمال تطبيق الدستور، اللامركزية الادارية والمالية، قوانين مدنيّة للأحوال الشخصيّة، مجلس شيوخ على أساس التمثيل المذهبي، مجلس النواب على أساس النسبية والدوائر الموسّعة والمناصفة، صندوق ائتماني يدير أصول الدولة.”

أما في ما يتعلّق بالتفاهم مع “حزب الله”، فأعلن أن “التيار مصمم على اعادة النظر بوثيقة التفاهم ومراجعتها بنيّة تطويرها” وختم بانه “ليس على التيار ان يكون في موقع الدفاع عن النفس، بل الهجوم على الذين ارهقوا البلاد على مدى الثلاثين عاماً المنصرمة”. ونفى في حديث تلفزيوني ليلا ان يكون التيار ضد السنّة مؤكدا انه يسعى للتفاهم مع جميع المكوّنات وبينهم “تيار المستقبل”. وجدد حملته على الحريري وقال انهم يريدون ضرب فكرة الرئيس القوي بشخصه وصلاحياته .

دعم المنتفضين

وسط هذه الأجواء كان للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي موقف داعم جديد بقوة لانتفاضة الشعب اللبناني فاعتبر ان ” شعب لبنان برهن عبر إنتفاضته أنه شعب يستحق وطنه. لكنه مدعو ليناضل من أجل أن يستعيد لبنان هويته الأصلية كمجتمع مدني، ومن أجل إفراز منظومة قيادية وطنية جديدة قادرة على تحمل مسؤولية هذا الوطن العريق وحكم دولته وقيادة شعبه نحو العلى والازدهار والاستقرار والحياد” .ودعا ” شابات وشباب لبنان الثائرين إلى توحيد صفوفهم وتناغم مطالبهم واستقلالية تحركهم، فتكون ثورتهم واعدة وبناءة. ولعلهم بذلك يستحثون الجماعة السياسية وأصحاب السلطة على تشكيل حكومة إستثنائية تتمتع بمواصفات القدرة على الإنقاذ وإجراء الإصلاحات، وتعمل في سبيل إنقاذ لبنان لا المصالح الشخصية والحزبية والفئوية “.

وبدوره حمل ميتروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة بشدة على الحكومة المستقيلة ” التي لم تقم بالإصلاحات المطلوبة ولا تصرفت بجدية واستقلالية، بل كانت معظم قراراتها تتناسب مع الوصاية السياسية التي جاءت بها، فبلغ الانهيار في عهدها أوجه، والدولار أفلت من كل الضوابط.”وقال ان ” أملنا ألا تستخدم القوى السياسية والحزبية التحركات الشعبية من أجل إثبات حضورها، بغية المضي في تقاسم المكاسب. كما نأمل ألا يصغي الشعب إلى هؤلاء ويصدق ادعاءاتهم وقد خبرهم طويلا وكشف ألاعيبهم. فمن أجل وقف الانهيار المالي والاقتصادي والسياسي، نحن بحاجة إلى حكومة تقوم بالإصلاحات اللازمة من أجل استقطاب المساعدات، وتعمل على إعادة تكوين المؤسسات المفككة والإدارات المهترئة، بغية وقف انهيار ما تبقى من مقومات الدولة والمجتمع.” وتساءل “ما هو الثمن الذي يجب أن يدفعه الشعب بعد، لكي تفكوا أسر الحكومة ولكي يتحمل كل مسؤول مسوليته؟ هل تريدونه أن يتوسل إليكم، وهو مصدر سلطتكم؟ وضع البلد مأسوي وأنتم تتفرجون كنيرون على البلد يحترق”

Leave A Reply