تلوّث سياسي متفجر… يرافق انسداد الحل والتأليف

رضوان عقيل – النهار

لم يكن ينقص المشهد السياسي في البلد الا تدهور مستوى الخطابات السياسية واشتعال تردداتها على ألسنة اللبنانيين والاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي. وما رافق عملية التلقيح ما هو الا عينة عن هذه الحصيلة. وما يظهر على السطح من خلافات وردود يشير الى فقدان النظم الاخلاقية وبنسبة كبيرة عند الكثيرين من العاملين في الحقل العام الذين لم يثبتوا انهم على مستوى تحمل المسؤولية امام التحديات والعوائق السياسية والمالية، من عدم تأليف الحكومة الى الاخفاقات المتتالية في مواكبة معيشة المواطنين ويومياتهم المفتوحة على مزيد من الانهيارات. ويبدو ان هذا المشهد مرشح لمزيد من التدهور في الشارع لأن ما يحصل بين القوى السياسية واكثر اركانها سيؤدي بانشطاراته الى توتر في الشارع وعدم القدرة على ضبط ردود الفعل، ولا سيما ان الاجهزة الامنية اخذت ترفع الصوت وتحذر من تدهور الاوضاع. ومن قال ان الدعم الحاصل للحاجات الاساسية في الخبز والمحروقات والدواء وتشكيلة من المواد الغذائية سيستمر اذا بقيت الخزينة تواجه هذا الكم من النزف من احتياط مصرف لبنان ومد اليد على الودائع. وتؤشر كل المعطيات القائمة الى مزيد من التضخم في الاسواق وارتفاع الاسعار. واذا استمر هذا الانحدار في الخطاب السياسي فستكون له ارتداداته على الارض في ظل انعدام تطبيق الشفافية المطلوبة وسيؤدي الى توتر اكبر بين الافرقاء وقياداتهم على وقع تراشقهم المفتوح، مع الخشية من ان ينسحب هذ الامر على القواعد في الساحات والشوارع في ظل عدم التوصل الى تأليف الحكومة وارتفاع ارقام البطالة. ويبقى الاخطر من كل ذلك ارتفاع منسوب الخطاب المذهبي عند تناول كل طرح.

ولم تحرك هذه الضغوط المعنيين بعد للاسراع في تشكيل الحكومة مع استمرار ازدياد مساحة التباعد بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري حيث يسلم الاثنان بسياسة المواجهة المفتوحة بينهما وعلى اكثر من صعيد وجبهة. واذا كان اللبنانيون يعولون على زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى الرياض، فانها لن تتم في القريب العاجل بعدما تم ارجاؤها لاسباب تخص الفرنسيين لكنها لم تلغَ، ولا سيما ان ماكرون يواجه جملة من التحديات الداخلية في بلده، اضافة الى عدم اكتمال رؤية باريس من الملف النووي الايراني. ولم يحسم بعد ما سيقوله ماكرون للسعوديين لأن الخليجيين يريدون ان تكون لهم بصمتهم في الاتفاق النووي المنتظر والذي لم تتوضح بعد خيوطه النهائية بين طهران وواشنطن. وتفيد جهات ديبلوماسية ان الزيارة ما زالت على جدول ماكرون نظراً الى الاهمية التي تكتسبها وترتيب العلاقات بين البلدين وتطويرها، وهي لا تخصهما فحسب بل ستكون لها جملة من الانعكاسات على أكثر من ملف في المنطقة ومنها لبنان.

وعند حلول ماكرون في الرياض ليس من الضرورة ان يكون ملف لبنان وأزمة تأليف حكومته في مقدم أجندته، ولا سيما ان السعوديين يعملون على خط تحسين علاقاتهم مع ادارة الديموقراطيين الجديدة في البيت الابيض، والتي لا تسير في شكل مطمئن الى اليوم في انتظار ما سترسو عليه وقائع الملف النووي الايراني. وتعرف الرياض جيدا العلاقة القوية التي تربط ماكرون بالرئيس جو بايدن، ولذلك لم تعط الاخيرة بعد اي أشارة الى انها على استعداد لتقديم اي مساعدات مالية للبنان، وانه مقابل هذا الدعم في حال حصوله سيطالب السعوديون بالحصول على مقابل ايضا لتحقيق مصالحهم. ويعتقد كثيرون هنا ان الحريري هو الشخصية اللبنانية الاولى والقادرة على الإتيان بمساعدات وقروض مالية من الخارج ويحافظ في الوقت نفسه على علاقته مع “حزب الله”. واذا كانت احداث لبنان مربوطة بخيوط سياسات خارجية وتطوراتها على أكثر من مستوى، فإن الامراض السياسية في الداخل اللبناني لا يصح ربطها بالخارج على الدوام وانتظار استحقاقات وانتخابات وملفات وزيارات، من دون تقليل تاثير مضاعفات نتائجها على البلد.

ويبدو ان لعبة الشطرنج السياسية الدولية يديرها محترفون وليسوا هواة هذه المرة من واشنطن الى طهران من خلال مراجعة كل ما خلّفه عهد الرئيس السابق دونالد ترامب من ازمات مع أكثر من دولة في العالم. وبات من الواضح ان واشنطن تنتهج سياسة جديدة في معاينتها لاكثر من حرب وأزمة في العالم بدءا من اليمن. وسبق لمرجع لبناني ان ردد انه عندما تلوح فرص انفراجات الحل في صنعاء سيكون لهذا ألامر تردداته على اكثر من عاصمة من الرياض الى طهران وصولاً الى بيروت، وان كانت عرقلة تشكيل الحكومة من “العنديات الداخلية” اولاً.

ويبقى ان لبنان اصبح اشبه بمركب تتلاطمه الامواج من دون قبطان (الحكومة) حيث تتناسل الازمات من دون توافر القدرات على علاجها والتصدي لها. وكان آخرها زرع بحر الجنوب وصولاً الى بيروت بالنفط والقطران اللذين أنتجتهما “مستوطنات التلوث الاسرائيلي”، على طول محمية صور والشاطىء لتضاف الى التلوث السياسي الذي ينخر البلاد.

Leave A Reply