الجمهورية : الداخل ينتظر حراك الخارج.. باريس: 3 ‏أسابيع حاسمة اخبار مباشرة

يبدو انّ الشعرة التي كانت لا تزال توصل بين رئيس الجمهورية العماد ‏ميشال عون وتياره السياسي، وبين رئيس المجلس النيابي نبيه بري، قد ‏انقطعت، وصعدت العلاقة بينهما الى ذروة التصعيد، وصارت معلّقة ‏على سلك توتر حارق.‏

ولعلّ المقدّمة النارية الليلية، التي أوردتها قناة الـ “ان بي ان” ضدّ ‏‏”التيار الوطني الحر” والعهد، رداً على مقدّمة عنيفة لمحطة “او تي ‏في” ضدّ رئيس المجلس، تؤشر الى مرحلة من التخاطب ومن دون ‏قفازات، وبعبارات من تحت الزنار السياسي. حيث صوّبت الـ “ان بي ‏ان” على من سمّتهم “الوطنجيون الجدد”. وجاء فيها: “الوطنجيون ‏الجدد”، عبارة دخلت الى القاموس السياسي اللبناني في مرحلة ‏‏”الرجعة” عام 2005، كمصطلح لجماعة توسلّت الوصاية لإستصدار ‏قرار أممي مع ناظر له، ضدّ أبناء بلدها من المقاومين. والمفارقة أننا ‏نجدها اليوم تعاير بالسيادة من حرّر الأرض واسترجع سيادة الوطن ‏المسلوبة وأسقط إتفاقية الإذعان… بئس الزمن هو… لا بل نكد الدهر.‏

أضافت: لقد وصلت وقاحة هؤلاء منذ يوم الجلوس على العرش، عبر ‏ركوب الموجة الاقليمية والدولية، في بيع وشراء وفق أسعار سوق ‏سياسية سوداء، بلغت حدّ الحديث عن السلام مع إسرائيل وبيع عميل. ‏وهذا كله طمعاً بورث لوكيل…‏

ومضت المقدمة: في هذه العصفورية اتخذ أفراد العائلة مناصب ‏متعدّدة .الّا أنّ أياً منها لم يكن في يوم عوناً للوطن… بل على ‏العكس، فرضت على الناس معاناة من قبيل ع-ف أو عتمة – فساد و ‏س-س سرقة سمسرات و ج-ه أو جوع – هجرة والأبجدية تطول.‏

اضافت: هؤلاء لم يتعلّموا حتى اللحظة لفظ حرف من معنى الشراكة، ‏ثم يأتون ويسألون: ماذا ينفع الإنسان اللبناني اذا ربح العالم كله ‏وخسر شريكه في الوطن…ونقول لهم، اللّهم لا شماتة بمرض ‏إنفصامكم… نتمنّى لكم الشفاء العاجل من العِقَد النفسية والنزعة ‏الإستئثارية والثلث المعطل… ورحمة الله على شراكة تدّعونها”.‏

وخلصت الى القول: “الوطنجيون الجدد”، عبارة تبدو الحاجة ملحّة ‏اليها اليوم، للدلالة الى جماعة الفساد التي طغت في أرض الوطن ‏أكثر من فرعون. فيما نراها تسارع الى إدّعاء العفاف عند كل محطة ‏وموقف وبيان… وإدارة المناقصات تشهد على الناقصين ومناقصات ‏الترضية للحاشية والتراضي لجيوبهم…هم كل حروف علّة لبنان…زاد الله ‏في غبائهم…وأنقص من بواخر شفافيتهم… وللحديث تتمة”.‏

وكانت الـ “او تي في” قد قدّمت مقدمة نارية في اتجاه الرئيس بري، ‏من دون ان تسمّيه، قالت فيها: “السياديون الجدد” عبارة دخلت الى ‏القاموس السياسي اللبناني في مرحلة انسحاب الجيش السوري من ‏لبنان عام 2005 كمصطلح يُستخدم للتعريف عن مجموعة من ‏الشخصيات والقوى السياسية التي والت الوصاية في عزّ نفوذها، ‏وانقلبت عليها لمّا بدأ نفوذها بالأفول.‏

وقد وصلت مغالاة هؤلاء يومها في ركوب الموجة الاقليمية والدولية ‏الجديدة، حدّ المطالبة باستبدال الوصاية المنقضية بأخرى اقليمية- ‏دولية، اتخذت من أحرف الأبجدية اسماء متعدّدة لها، كالالف-سين الى ‏والسين سين وسواهما، من دون ان يتعلّم هؤلاء حتى اللحظة، انّ ماذا ‏ينفع الانسان اللبناني اذا ربح العالم كله وخسر شريكه في الوطن”.‏

اضافت: “اما “الإصلاحيون الجدد”، فعبارة تبدو الحاجة ملحّة اليها ‏اليوم للدلالة الى مجموع الشخصيات والقوى السياسية الفاسدة او ‏التي غطّت الفساد، التي تسارع الى اعتماد التنكّر السياسي سبيلاً ‏للهرب من الحساب الآتي لا محال، في ضوء المتغيّرات الداخلية ‏والخارجية التي كشفت ارتكاباتهم بجرم السرقة المشهود، وتطالب ‏بالتدقيق الجنائي من ضمن المبادرة الفرنسية، لتلتقي بذلك مع ‏مطلب رأس الدولة والفريق السياسي المؤيّد له. هكذا، صرنا نرى ‏الذئب متنكّراً بزي الحمل، والقحباء السياسية تحاضر بالعفة. كلهم باتوا ‏اصلاحيين، والاصلاحي الوحيد اصبح في نظرهم الفاسد الوحيد”.‏

فرض الدخول الفرنسي على الخط الحكومي انكفاء منصّات السجال ‏حول الحصص والمعايير الى الخلف، وأخضَع المتساجلين لاستراحة ‏إلزامية تسكت فيها لغة الصدام التي كانت سائدة بين القصر ‏الجمهوري وبيت الوسط، وذلك في خطوة بَدت انّها محاولة إزالة اي ‏معطّلات او منغّصات من شأنها أن تعيق او تشوّش على المسعى ‏الفرنسي المتجدد لتوليد الحكومة.‏

‏ ‏وفيما لا يلحظ في تطورات المشهد الداخلي أي أمل بفتح كوة في ‏الجدار الحكومي في ظل المناكفات المتواصلة على أكثر من جبهة ‏داخلية، إلّا أن الصورة الخارجية مخالفة لهذه الأجواء، ذلك أنّ ‏المعطيات المتوافرة حول المسعى الفرنسي، وعلى ما تؤكد مصادر ‏سياسية لـ”الجمهورية”، تؤشّر الى أن الملف الحكومي يقترب شيئاً ‏فشيئاً من نقطة الحسم، خصوصاً أنّ قوة الدفع الفرنسية في هذا ‏الاتجاه قطعت شوطاً مهماً في تعبيد الطريق المؤدية الى ولادة ‏حكومة المبادرة الفرنسية.‏

‏ ‏العد التنازلي

تؤكد ذلك مصادر ديبلوماسية من باريس، كشفت لـ”الجمهورية” انّ ‏المقاربة الفرنسية للملف اللبناني بدأت توحي بأنّ العد التنازلي ‏الفرنسي لتشكيل الحكومة في لبنان قد بدأ، وانّ هناك توجّهاً حاسماً ‏وأكثر من جدّي لدى الاليزيه لإحداث خرق نوعي في جدار الملف ‏الحكومي المعطّل في لبنان، يُفضي إلى ولادة “حكومة المبادرة ‏الفرنسية” في فترة قريبة جداً، وضمن مهلة لا تتعدّى نهاية الشهر ‏الجاري، على أن تلي ذلك مباشرة زيارة للرئيس الفرنسي إيمانويل ‏ماكرون الى بيروت في آذار المقبل.‏

‏ ‏وعلى هذا الاساس، تضيف المصادر، فإنّ الحركة الفرنسية تجاه لبنان ‏ستشهد في الايام المقبلة تزخيماً ملحوظاً، يَتواكب مع موقف فرنسي ‏واضح تجاه لبنان سيصدر قريباً، ربما من الايليزيه، وذلك بالتوازي مع ‏الحركة الفرنسية في اتجاهات دولية مختلفة، لفتح الباب اللبناني على ‏ايجابيات، حيث فتح الإيليزيه قنوات التواصل مع الولايات المتحدة ‏الاميركية وايران ومصر ودولة الامارات العربية المتحدة، وكذلك مع ‏السعودية التي قد يزورها ماكرون في وقت قريب سعياً بالدرجة ‏الأولى الى إقناع المسؤولين في المملكة بحضور سعودي مباشر ‏وداعم للحكومة ورئيسها، والانخراط في الجهود الرامية الى إيجاد حلّ ‏للمعضلة اللبنانية.‏

‏ ‏وتشير المصادر الى انّ ما حملته القنوات الفرنسية مع هذه الدول، ‏جعل الفرنسيين يتفاءلون بإمكان تحقيق إنجاز في الملف اللبناني ‏يضع المبادرة الفرنسية المعطلة منذ اعلانها أواخر آب الماضي حيّز ‏التنفيذ، وتشكيل حكومة برئاسة سعد الحريري وفق مندرجاتها. مع ‏الاشارة في هذا السياق الى ما بدأ الفرنسيون يسمّونه تكاملاً في ‏الموقفين الأميركي والفرنسي تجاه لبنان وهدفاً مشتركاً في تأليف ‏حكومة في لبنان وفق متطلبات المجتمع الدولي التي تلبّي مطالب ‏وتطلعات الشعب اللبناني بمكافحة الفساد وإجراء إصلاحات تُشرّع ‏الباب نحو تدفّق المساعدات الدولية الى لبنان.‏

‏ ‏نصيحة عربية

وفي موازاة الحراك الفرنسي، كشفت مصادر مسؤولية لـ”الجمهورية” ‏انّ الحضور العربي على خط الازمة اللبنانية، يشهد زخماً ملحوظاً في ‏هذه الفترة، خلافاً لما كان عليه في منذ فترة طويلة، وفي هذا السياق ‏يندرج الحضور المصري الفاعل، الى جانب الحضور الاماراتي. على أن ‏اللافت للانتباه في هذا السياق انّ هذا الحضور العربي يحتضن بشكل ‏لافت المبادرة الفرنسية، وثمة نصائح أُسديت في الآونة الاخيرة ‏للمسؤولين اللبنانيين المعنيين بالملف الحكومي بالتجاوب مع هذه ‏المبادرة، على اعتبار أنها الفرصة الوحيدة المتوفرة للانقاذ، وهذا ‏يوجِب على المسؤولين عن الملف الحكومي تحمّل مسؤولياتهم في ‏عدم تفويت هذه الفرصة مرة ثانية، وملاقاة الاندفاعة الخارجية ‏لمساعدة لبنان بتسهيل تأليف الحكومة بما ينسجم مع حاجة لبنان ‏الملحة الى تشكيل حكومة تنصرف الى التصدي للأزمات المتفاقمة ‏فيه.‏

‏ ‏في هذا السياق، يأتي موقف وزير الخارجية المصرية سامح شكري ‏خلال لقائه في القاهرة وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال ‏شربل وهبه أمس، حيث أكد الوزير المصري “دفع بلاده لعدم التأخر ‏في تأليف حكومة لبنانية مع الاستعداد لوضع إمكانات مصر في هذا ‏الصدد”.‏

‏ ‏حكومة اختصاصيين

الى ذلك، قالت مصادر معنية بملف التأليف لـ”الجمهورية” انه على ‏رغم أنّ الاجواء المحيطة بالحراك الفرنسي حول لبنان توحي ببعض ‏الإيجابيات، الا أنه من السابق لأوانه الحكم عليها او التسليم بأنها ‏ستحقق الغاية المنسشودة منها، خصوصاً انها ما زالت في السياق ‏النظري، ما يعني ضرورة انتظار ترجمتها العملية، التي يخشى أن ‏تصطدم بالعقلية المعطلة في الداخل التي اطاحت بكل الوساطات ‏والمبادرات، وبحرب المعايير المتصادمة بين رئيس الجمهورية ومن ‏خلفه “التيار الوطني الحر”، وبين الرئيس المكلف، التي أعدمت ‏إمكانية تأليف حكومة وكسرت العلاقة بين شريكي التأليف وذهبت بها ‏الى نقطة اللاعودة والطلاق النهائي بينهما.‏

‏ ‏معايير المبادرة فقط

وفي هذا السياق، كشفت مصادر موثوقة لـ”الجمهورية” ان ‏المعطيات المتوافرة على الخط الحكومي تؤكد أن الحراك الذي تقوده ‏باريس هذه المرة، يتجاوز العلاقة التصادمية بين المعنيين بالملف ‏الحكومي، خصوصاً بين عون والحريري، لبلورة صيغة حكومية يلتحق ‏بها الجميع، تضم شخصيات موثوقة من اللبنانيين ومن المجتمع ‏الدولي، وقائمة على المعايير التي حددتها المبادرة الفرنسية، والتزام ‏الاطراف اللبنانيين بها، والاساس فيها أنها متكافئة ولا غلبة لطرف ‏فيها على آخر. وليس مستبعداً ان يكون لباريس دور فاعل هذه المرة ‏في اختيار بعض الأسماء لبعض الوزارات الحساسة، على ان يكون ‏هؤلاء، “الوزراء الملوك” في الحكومة.‏

‏ ‏شكل الحكومة

وتؤكد المصادر انّ المسعى الفرنسي يهدف الى تشكيل حكومة ‏تحظى بدعم وموافقة المجتمع الدولي عليها، وبالتالي فإنّ المتداوَل ‏حول هذه الحكومة عبر القنوات الديبلوماسية والسياسية، يرجّح أن ‏تأتي وفق ما يلي:‏

اولاً، حكومة اختصاصيين بالكامل من غير الحزبيين والسياسيين.‏

‏ ‏ثانياً، لا ثلث معطلاً في الحكومة لأي طرف كان. وهذا الامر لا يقبل به ‏الفرنسيون، ولا سائر المجتمع الدولي.‏

‏ ‏ثالثاً، مهمة الحكومة إنقاذية تضع لبنان على سكة الحلول، مع إعطاء ‏الاولوية للاصلاحات ومكافحة الفساد، واتخاذ الاجراءات الصارمة في ‏المجالات الاقتصادية والمالية، اضافة الى الجانب الامني.‏

‏ ‏رابعاً، ان تكون تسمية الوزراء بطريقة موضوعية وتوافقية لا خلافية ‏‏(على سبيل المثال ان يسمّي رئيس الجمهورية الوزراء المسيحيين ‏بذات الطريقة التي تمّت فيها تسمية الجهات الاخرى لوزرائهم)، وهناك ‏مخرج في هذا السياق وَفّرته مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري.‏

‏ ‏خامساً، الاولوية لحكومة مصغرة من 18 وزيراً. الّا ان حجم الحكومة قد ‏لا يكون نهائياً، إذ إنّ رفعها الى 22 وزيراً قد يكون احد المخارج ‏الاساسية للتعجيل بتشكيلها، حيث ان حكومة الـ22 قد تلبّي طلب عون ‏وفريقه السياسي بالتمثيل الصحيح عبر 7 وزراء، وهي نسبة لا تشكل ‏الثلث المعطل، خلافاً لحكومة من 18 او 20 حيث تشكّل هذه النسبة ‏ثلثاً معطلاً، وهو ما يرفضه الرئيس المكلف وغالبية القوى السياسية.‏

‏ ‏وبحسب المصادر نفسها فإنّ اي حكومة تتشكّل خارج هذه المعايير لن ‏تفتح باب المساعدات الى لبنان على الاطلاق، وبالتالي بدل أن تكون ‏هذه الحكومة حكومة حل للأزمة ستكون حكومة مفاقمة للأزمة، ‏وسيدفع من خلالها اللبنانيون ثمناً كبيراً في وضع مأساوي على كل ‏المستويات.‏

‏ ‏الحريري

الى ذلك، وفي الوقت الذي ينتظر اللبنانيون نهاية الجولة التي يقوم ‏بها الحريري الموجود في ابو ظبي – كما قالت مصادر بيت الوسط ‏لـ”الجمهورية” – منذ يوم السبت بعدما قصَدها من القاهرة، كشفت ‏مصادر سياسية مطلعة انّ الإتصالات التي تعني اللبنانيين او تنعكس ‏على مجرى حياتهم اليومية ومساعي تشكيل الحكومة باتت محكومة ‏بنتائج الزيارة، وتحديداً عند اكتمالها بانتقال الحريري الى العاصمة ‏الفرنسية بعد تحديد مواعيد له على مستويات دبلوماسية وسياسية ‏فرنسية رفيعة المستوى، قد تصل الى موعد سيحدد له في الساعات ‏المقبلة مع قصر الإليزيه للقاء الرئيس ايمانويل ماكرون.‏

‏ ‏وتلاقت هذه المصادر في توقعاتها مع ما كشفته مصار مقرّبة من ‏بعبدا، التي قالت لـ”الجمهورية” انه بات من الضروري انتظار عودة ‏الحريري الى بيروت لمعرفة حصيلة المشاورات الجارية على اكثر من ‏مستوى إقليمي ودولي لاستئناف البحث في مساعي تأليف الحكومة.‏

‏ ‏وفي المعلومات انّ الحريري سيكون في بيروت يوم الجمعة المقبل او ‏السبت على أبعد تقدير، لأنه مضطر لأن يكون في بيروت في 14 من ‏الشهر الجاري ليوجّه كلمة بمناسبة مرور 16 عاماً على اغتيال والده ‏الرئيس الشهيد رفيق الحريري.‏

‏ ‏ولفتت المصادر الى انه في المقابل، فإنّ المراجع الدبلوماسية ترصد ‏التحضيرات الفرنسية لزيارة ماكرون الخليجية المتوقعة في بداية ‏منتصف الشهر الجاري، بعدما تبين أنها ستبدأ في عاصمة الامارات ‏العربية المتحدة ابو ظبي، قبل التوجّه الى الرياض في موعد أقصاه ‏ما بين 19 و21 شباط الجاري، بانتظار تأكيد المعلومات الرسمية التي ‏ستصدر عن قصر الإليزيه بداية الأسبوع الجاري.‏

‏ ‏وقالت المعلومات انّ ماكرون يستكمل هذه الجولة للوقوف على آخر ‏المواقف التي ستلاقي نتائج زيارة موفده الى طهران، خصوصاً انه ‏يبحث في كيفية تسويق خطته التي عرضها على الجانب الاميركي ‏ليؤدي دور الوسيط في انضمام الممكلة العربية السعودية ومعها ‏الامارات العربية المتحدة الى هذه المفاوضات حول مستقبل الملف ‏النووي الايراني، وهو ما يفرض البحث بما يعني الازمة اللبنانية ‏وموقعها في هذه الخطة.‏

‏ ‏الراعي

في هذا الوقت، واصَل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة ‏بطرس الراعي حملته على معطّلي الدولة والغائبين عن أولويات ‏الناس، وتوجّه في عظة الأحد امس الى المسؤولين قائاًل: “لا الدولة ‏ملككم ولا الشعب هو غنم للذبح في مسلخ مصالحكم وعدم ‏اكتراثكم”.‏

‏ ‏واكد الراعي “أنّ شعبنا يحتضر والدولة ضمير ميت وكل دول العالم ‏تعاطفت مع شعب لبنان إلا دولته”. متسائلاً: “هل من جريمة أعظم ‏من هذه؟”. وقال: “نادَينا فلم يسمعوا. سألنا فلم يُجيبوا. بادَرنا فلم ‏يَتجاوبوا”، مؤكداً “أننا لن نتعب من المطالبة بالحقّ وشعبنا لن يرحلَ، ‏بل يبقى هنا. سيَنتفض من جديد في الشارع ويطالب بحقوقه، سيثور، ‏ويحاسب. سلبيّتُكم تَدفعُه قسراً نحو السلبيّة، إستخفافُكم بآلامه ‏ومآسيه يدفعه عنوة نحو خيارات قصوى”.‏

‏ ‏وأضاف: “فوق ذلك استُنفدت كل المبادرات والوساطات اللبنانيّة ‏والعربيّة والدوليّة من دون جدوى، وكأنّ هناك إصراراً على إسقاط ‏الدولة بكل ما تمثّل من خصوصية وقيم ودستور ونظام وشراكة ‏وطنية. مهلاً، مهلاً أيّها المسؤولون!”.‏

‏ ‏وطالبَ الراعي بـ”طرح قضية لبنان في مؤتمر دوليّ خاص برعاية ‏الأمم المتّحدة يثبّت لبنان في أطره الدستوريّة الحديثة التي ترتكز ‏على وحدة الكيان ونظام الحياد وتوفير ضمانات دائمة للوجود ‏اللبناني تمنع التعدّي عليه، والمَسّ بشرعيّته، وتضع حدّاً لتعدّدية ‏السلاح، وتعالج حالة غياب سلطة دستوريّة واضحة تحسم النزاعات، ‏وتسدّ الثغرات الدستوريّة والإجرائيّة، تأميناً لاستقرار النظام، وتلافياً ‏لتعطيل آلة الحكم أشهراً وأشهراً عند كلّ استحقاق لانتخاب رئيس ‏للجمهوريّة ولتشكيل حكومة”.‏

‏ ‏وأعلن أنّنا “نطرح هذه الأمور لحرصنا على كلّ لبنانيّ وعلى كلّ لبنان، ‏نطرحها للحفاظ على الشراكة الوطنيّة والعيش المشترك المسيحيّ – ‏الإسلاميّ في ظلّ نظام ديمقراطيّ مدنيّ. لقد شبعنا حروباً وفتناً ‏واحتكاماً إلى السلاح”.‏

‏ ‏عودة

بدوره، سأل متروبوليت بيروت وتوابعها للرومالأرثوذكس المطران ‏الياس عوده، خلال ترؤسه قداس الأحد في كاتدرائية القديس ‏جاورجيوس في بيروت أمس: “هل في بلدنا، بين المسؤولين، من ‏يعمل للمصلحة العامة؟”… وقال: “لا نرى أمامنا سوى متقاعسين في ‏المحبة، ومُستميتين في القهر والتنكيل ونشر البؤس واليأس. الوباء ‏متفش بين الشعب، لكنّ مرضاً خبيثاً آخر يفتك به، يدعى الأنا، أنا ‏الحكام التي تتحكّم بمصير شعب ورزقه وحياته وصحته. الشعب جائع، ‏لكن التشبّث بالرأي والتعلق بالمصلحة ونَشر البيانات والبيانات ‏المضادة أهم بالنسبة إلى حكامنا من إشباع البطون الخاوية”.‏

‏ ‏أضاف: “الموت طال معظم بيوت وطننا، إمّا بسبب كارثة 4 آب أو ‏بسبب الجائحة أو الفقر والعوز، لكنّ مسؤولينا منشغلون بأنفسهم ‏يعيثون فساداً وحقداً. اللبنانيون مقهورون، والحكام همّهم الحصص ‏والمكاسب والثلث المعطّل. ألا يكفي تعطيل تشكيل الحكومة، ‏وتعطيل حركة البلد وشلها؟ كم بيت يجب أن يهدم بعد؟ كم شاب أو ‏شابة يجب أن يهاجرا بعد؟ كم جريمة يجب أن تقترف بعد؟ كم من ‏الوقت المهدور أو الفرص المهدورة أو كم مواطن ينتحر أو كم طفل ‏يقهر يلزمنا بعد لتتحرّك ضمائر المسؤولين وتدفعهم إلى عمل إنقاذي ‏سريع؟ لبنان جريح وليس من يضمد جراحه لأنّ حكامه لا يريدون ‏القيام بأي شيء لنجدته. هم لا يرحمون لبنان ولا يريدون رحمة الله ‏عليه، لأن تعنّتهم يمنع أي مساعدة خارجية له”.‏

‏ ‏وتابع عوده: “الرئيس، أي رئيس، والمسؤول، أي مسؤول هو للوطن لا ‏لجزء منه. على الرئيس أن يكون أكبر من الرئاسة، يُغنيها بأخلاقه ‏وحكمته وثقافته ونزاهته وأمانته، ولا يستغلها من أجل مصلحته ‏الخاصة أو مصلحة طائفته أو عشيرته أو حزبه أو عائلته. كذلك ‏المسؤول، أي مسؤول، هو خادم للوطن يبذل قصارى جهده من أجل ‏القيام بواجبه بنزاهة وأمانة وتضحية، مُتخطياً مصالحه وعلاقاته ‏وارتباطاته، لا يستغل مركزه من أجل جني الأرباح أو تحقيق المكاسب ‏أو التشفي والإنتقام. أين نحن من هذا؟

‏ ‏ورطة رفع الدعم

في موازاة ورشة العمل الناشطة على خط تحديث لوائح العائلات ‏المحتاجة تمهيداً لبدء توزيع المساعدات المالية عبر القرض الذي ‏حصل عليه لبنان من البنك الدولي، تنشط الاتصالات لتوسيع دائرة ‏المساعدات المالية لتشمل حوالى 600 ألف عائلة أصبحت في حُكم ‏المحتاجة. وبالتوازي أيضاً، لا تزال النقاشات المتعلقة باعتماد خطة ‏لترشيد الدعم تدور في حلقة مفرغة.‏

‏ ‏هذه الورش القائمة حتى الآن على طريقة “طحيش وطبيش وطحين ‏ما فيش”، تطرح علامات استفهام وتثير المخاوف، خصوصاً انّ كرة ‏النار المرتبطة برفع الدعم لم تلق بعد جهة تتبنّاها وتوافق على ‏التقاطها بصدرها. وهناك إشكاليات عديدة ترافق هذا الوضع، من ‏أهمها:‏

‏ ‏اولاً – كيف السبيل الى ضمان توزيع عادل وشفاف للمساعدات، ما ‏دامت القوى السياسية القابضة على الكراسي تريد حصة لتوزيعها ‏على الأزلام والمحاسيب؟

‏ ‏ثانياً – ماذا سيكون رد فعل موظفي القطاع الخاص، في حال تقرر، كما ‏يتردّد في الكواليس، منح المساعدات الاضافية الى موظفي القطاع ‏العام، خصوصاً ان الهدف سيكون إرضاء الأجهزة العسكرية والأمنية ‏التي ترتفع الاصوات مطالبة بإنصافها لكي تتمكّن من تأدية واجباتها ‏في حماية المجتمع في هذه الظروف الصعبة التي يكثر فيها الاجرام ‏والتفلّت من تطبيق القوانين.‏

‏ ‏ثالثاً – من اين سيتم تأمين الاموال بالليرة؟ وهل سيتم اللجوء الى ‏طباعة المزيد من العملة الورقية الوطنية، الأمر الذي سيقود حتماً ‏الى انهيار اضافي في سعر الصرف. ويأكل التضخّم قيمة المساعدات، ‏في حين يجوع من لم يحظ بهذه المساعدات لسبب او لآخر.‏

‏ ‏رابعاً – ما مصير بقية الطبقة الوسطى التي لن تصلها مساعدات ‏مالية وستتحمّل اعباء رفع الدعم عن كل السلع الحياتية أو معظمها؟

‏ ‏هذه التساؤلات والاشكاليات مطروحة بقوة، ولو أنّ البعض يعتبر ان ‏حكومة تصريف الاعمال هي أضعف من اتخاذ أي قرار حاسم، وبالتالي ‏سيبقى الوضع على ما هو عليه بانتظار حكومة جديدة قد لا ترى النور ‏في وقت وشيك.‏

‏ ‏كورونا

من جهة ثانية، وفي موازاة الاجراءات المتخذة لناحية تمديد قرار ‏الاقفال العام، نُظمت أمس تحركات اعتراضية لبعض القطاعات ‏السياحية والمحال التجارية على القرار في بعض المناطق، في وقت ‏سجّل عداد كورونا امس2081 اصابة و54 حالة وفاة، ما يرفع العدد ‏الاجمالي للاصابات الى 319917 وعدد الوفيات الى 3016.

Leave A Reply