ركن السيارة في بيروت أصبح رفاهية… “الفاليه باركينغ” يفرض تسعيرته!

في شوارع بيروت المكتظة، بات العثور على موقف للسيارة تحدياً يومياً يواجه المواطنين، خصوصاً في المناطق التجارية وقرب المطاعم والمقاهي الفاخرة. أمام هذا الواقع، أصبح “الفاليه باركينغ” حلاً بديلاً، لكنه حل مكلف وغير منظم، بحيث تتحكم عشرات الشركات في هذه الخدمة من دون رقابة فعلية، ما يؤدي إلى فرض تسعيرات عشوائية تثقل كاهل المواطنين.

عبود: لا زيادة قانونية للتسعيرة قبل دراسة شاملة

محافظ بيروت القاضي مروان عبود، أكد في حديث لموقع “لبنان الكبير”، أن بعض المستثمرين في قطاع “الفاليه باركينغ” يضغط من أجل تعديل التعرفة الرسمية، بحجة أن كلفة استئجار الأراضي في وسط بيروت مرتفعة جداً، ما يجعل الأسعار المحددة حالياً غير مربحة بالنسبة اليه.

وأوضح عبود أن العديد من الشركات يتجاوز التسعيرة القانونية بسبب هذه الحجج، لكنه شدد على أنه لم يمنح أي موافقة رسمية لرفع الأسعار حتى الآن، مشيراً إلى أن أي تعديل يجب أن يستند إلى دراسة دقيقة تُقيّم قيمة العقارات في كل منطقة لتحديد أسعار عادلة تتناسب مع الواقع الاقتصادي.

أما عن الرسوم الباهظة التي وصلت إلى 10 دولارات في بعض الأماكن، فوصفها عبود بأنها غير قانونية، داعياً المواطنين إلى تقديم شكاوى ضد المخالفين. وقال: “نحاول قدر الامكان ضبط هذا القطاع والحد من الفوضى، لكن الرقابة تحتاج إلى تعاون الجميع، سواء من الجهات المعنية أو المواطنين الذين يجب أن يكونوا جزءاً من عملية المحاسبة.”

احتكار الأرصفة وفرض الأسعار

وتشير التقديرات إلى أن هناك أكثر من 70 شركة تقدم خدمة “الفاليه باركينغ” في لبنان، إلا أن أقل من ربعها فقط يعمل بتراخيص رسمية. هذه الشركات تستحوذ على مساحات واسعة من الأرصفة والطرقات العامة، ما يجبر السائقين على استخدام خدماتها على الرغم من عدم وجود تسعيرة موحدة واضحة. وتختلف كلفة ركن السيارة من منطقة إلى أخرى، لكنها قد تصل إلى مستويات غير مسبوقة، بحيث يدفع المواطن في بعض الأماكن أكثر من مليون ليرة لبنانية مقابل بضع ساعات فقط.

وعلى الرغم من أن الجهات المعنية حاولت وضع تسعيرات رسمية لهذه الخدمة، فإن الالتزام بها شبه معدوم. على سبيل المثال، حددت بلدية بيروت الحد الأقصى لتعرفة الفاليه بـ150,000 ليرة لبنانية، لكن الواقع مختلف تمامًا. فبدلاً من الالتزام بهذه التسعيرة، تفرض الشركات أسعاراً تصل إلى 600,000 ليرة لبنانية أو 10 دولارات، بحجة تكاليف التشغيل العالية والمنافسة غير العادلة بين الشركات المرخصة وغير المرخصة.

التكاليف السبب أم استغلال المواطنين؟

في ظل الاتهامات الكثيرة التي تواجه قطاع “الفاليه باركينغ”، تحدث موقع “لبنان الكبير” مع أحد المسؤولين في شركة تعمل في هذا المجال، رفض الكشف عن اسمه، لتوضيح وجهة نظر العاملين في هذا القطاع. وقال: “هناك صورة نمطية مغلوطة عنّا، وكأننا عصابات تفرض إتاوات على الناس، لكن الواقع مختلف تماماً”. وعزا السبب الرئيسي لارتفاع الأسعار الى التكاليف التشغيلية الضخمة التي تتحملها الشركات.

وأضاف: “نحن لا نحدد الأسعار بصورة عشوائية كما يظن البعض، بل نعتمد على معايير واضحة تتناسب مع التكاليف الفعلية. أولاً، استئجار المواقف المخصصة لركن السيارات بات أمراً مكلفاً جداً، خصوصاً في المناطق الحيوية حيث يصل إيجار بعض المساحات إلى عشرات الملايين شهرياً. ثانياً، رواتب الموظفين زادت بسبب الغلاء المعيشي، فالموظف الذي كان يتقاضى مليون ليرة لبنانية سابقاً، بات يطلب أضعاف هذا المبلغ ليتمكن من تأمين معيشته. ثالثاً، نحن مطالبون بتأمين السيارات ضد أي ضرر قد يحدث خلال الركن، وهذا يشكل عبئاً مالياً إضافياً”.

وعن الفوضى التي يشكو منها المواطنون، أكد المسؤول أن المشكلة تكمن في الشركات غير المرخصة التي تعمل من دون أي تنظيم أو رقابة، لافتاً الى أن “لدينا أكثر من 70 شركة تقدم هذه الخدمة في لبنان، لكن نسبة كبيرة منها غير مرخصة ولا تلتزم بأي معايير مهنية أو قانونية. هذه الشركات هي التي تتسبب في الفوضى، لأنها لا تدفع أي رسوم رسمية ولا تتحمل أعباء قانونية، بينما الشركات المرخصة تلتزم بالمعايير وتتكبد المصاريف الاضافية.”

أما في ما يتعلق بالاتهامات بأن بعض الموظفين يفرض تسعيرات غير قانونية على الزبائن، فقد اعترف المسؤول بأن بعض التجاوزات يحصل، لكنه شدد على أن الشركات الكبيرة تحاول ضبط هذه الحالات قدر الامكان، قائلاً: “نحن نضع تسعيرة واضحة للزبائن، ولكن في بعض الأحيان، يقوم بعض الموظفين بفرض أسعار أعلى من دون علم الادارة. نحاول معالجة هذه الحالات عندما تصلنا الشكاوى، لكن لا يمكننا مراقبة كل موظف على مدار الساعة، خصوصاً أن الزبائن يدفعون أحياناً بسخاء للحصول على خدمة أسرع أو موقف مميز.”

وعن الحلول الممكنة لتنظيم القطاع، رأى المسؤول ضرورة فرض رقابة حكومية صارمة وإجبار جميع الشركات على التسجيل القانوني، معتبراً أن “هذا القطاع إذا تم تنظيمه بالشكل الصحيح، فإن الأسعار ستنخفض تلقائياً. يجب أن تكون هناك رقابة فعلية على جميع الشركات، وليس فقط إصدار قرارات لا تُطبق على أرض الواقع. كما أن المواطنين أيضاً يمكنهم المساعدة عبر الإبلاغ عن أي استغلال يتعرضون له، بدلاً من الدفع من دون مساءلة.”

حتى الآن، لا يبدو أن هناك خطوات جدية لضبط تسعيرات “الفاليه باركينغ”، ما يترك المجال مفتوحاً للمزيد من الفوضى والاستغلال. في ظل الغياب شبه التام للرقابة، يبقى المواطن الحلقة الأضعف، مضطراً الى دفع مبالغ طائلة مقابل خدمة من المفترض أن تكون ميسّرة ومتاحة بأسعار عادلة. فهل تتحرك الجهات المعنية لوضع حد لهذه الفوضى، أم أن “الفاليه باركينغ” سيبقى تجارة رابحة على حساب جيوب المواطنين؟

شكاوى المواطنين: الأسعار تحلّق بلا ضوابط

وعلى الرغم من هذه التبريرات، لا تزال شكاوى المواطنين تتزايد، بحيث يعتبر الكثيرون أن الخدمة تحوّلت إلى استغلال منظم، خصوصاً مع غياب الرقابة الفاعلة ووجود حالات احتيال وسرقة تعرّض لها بعض الزبائن.

رامي، موظف في شركة خاصة، يعبّر عن استيائه قائلاً: “كل يوم أدفع ما لا يقل عن 500 ألف ليرة فقط لأتمكن من ركن سيارتي قرب مكان عملي. يعني في الشهر أصرف الملايين على الفاليه، فلماذا لا يتم تحديد تسعيرة عادلة وواضحة؟”.

نادين، شابة تعمل في قطاع المصارف، تروي تجربتها: “ذهبت مع أصدقائي إلى أحد المطاعم في بيروت، وعند المغادرة طلب منا العامل مليون ليرة بدل ركن السيارة! وعندما سألناه عن السبب، قال بكل بساطة: هيدي الأسعار الجديدة. فهل أصبح ركن السيارة في بيروت رفاهية؟”.

عمر عبدالباقي – لبنان الكبير

Leave A Reply