السبت, أكتوبر 5

التحديات الثلاثة

أيام قليلة تفصلنا عن مرور عام على حرب غزة، أو تحديدا حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على القطاع. وقد وضعت السقف عاليا في أهدافها من تلك الحرب التي صارت مستمرة ولكن بوتيرة منخفضة نسبيا عما كانت عليه. وأخذت إسرائيل بالأعلان عن هدف “أكثر تواضعا” أو واقعية مقارنة مع أهدافها المعلنة لناحية السيطرة الكلية على القطاع. يتمثل ذلك بإعلان شمال غزة منطقة آمنة وإخراج السكان منها لإحكام السيطرة عليها، كمرحلة تدريجية نحو إحكام السيطرة على القطاع بعد “إنهاء أي وجود لحماس”. هدف ليس من الممكن تحقيقه بالطبع رغم استراتيجية التدمير الكلي للقطاع.

في ظل هذا الوضع، انتقلت الأولوية الإسرائيلية نحو الشمال، نحو الجبهة اللبنانية عبر القصف الموسع والمكثف في الجغرافيا اللبنانية وإخراج السكان من جنوب الليطاني في شكل خاص، وكذلك استراتيجية القصف “الاستهدافي” المركّز لاغتيال القيادات في “حزب الله”. سياسة تقوم على أعلى درجات التصعيد المتدرج والذي صار متسارعا. تواكب هذا التصعيد سياسة حشد الجيش على الحدود مع لبنان. ويزداد الحديث عن سيناريو غزو بري بهدف إقامة منطقة عازلة وآمنة في الجنوب ضمن مساحة جغرافية محددة على الحدود. شعار لسياسة غير واقعية من حيث نتائجها على المستوى البعيد، كما دلّت تجارب الماضي .

في ظل هذه الحرب المفتوحة في الزمان والمكان والتكلفة البشرية المتزايدة، يقف لبنان مجتمعا وسلطات أمام تحديات ثلاثة، أيا يكن الرأي في فاعلية السلطات وأدائها، لأسباب تراكمية. أسباب تعكس الأزمة المتعددة الوجه والبعد التي يعيشها لبنان منذ سنوات. الأزمة التي ازدادت حدتها وتعقيداتها مع الحرب الدائرة منذ عام .

التحدي الأول يكمن في تعزيز التضامن الوطني على المستوى الفعلي والعملي، وبالتالي الفعال. فهنالك نحو مليون نازح والعدد قابل للازدياد مع التطورات الحاصلة، في ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة وتزداد صعوبة وتعقيدات كل يوم. وأيا تكن الخلافات السياسية والعقائدية بين مختلف المكونات السياسية اللبنانية والتي طبعت الحياة السياسية وكانت لها تداعياتها الكبيرة والمكلفة على مختلف أوجه الحياة الوطنية، فهذه الخلافات يجب أن تبقى تحت سقف التضامن الوطني، لا أن تكون عائقا أمام هذا التضامن المطلوب. التضامن الذي يجب ترجمته سياسة وسلوكا وأفعالا على الأرض للتعامل الفعال مع الواقع المرير.

التحدي الثاني يكمن في التحرك مع القوى الدولية الفاعلة والمؤثرة والمعنية بغية التوصل السريع إلى وقف النار. فلم يعد من المجدي والممكن القول إن علينا انتظار وقف النار في غزة للانتقال إلى وقف النار في لبنان، وخصوصا أن إسرائيل ترفض الربط بين الأمرين، ولا يعني ذلك بالطبع القبول بالشروط الإسرائيلية. وللتذكير، فإن إسرائيل تلجأ إلى لعبة الشروط في الدقيقة الأخيرة في المفاوضات غير المباشرة للتهرب من التزام وقف القتال، لأنه يهدد بسقوط الحكومة. المقاربة الواقعية والعملية لوقف الانهيار في لبنان، ضمن المعطيات السياسية والإستراتيجية التي أشرنا اليها، تكمن في العمل على مسارين متوازيين لوقف النار في غزة ولبنان. ليس ذلك بالأمر السهل، لكنه ممكن إذا ما تبلور تفاهم دولي إقليمي حول أهمية الاستقرار في الإقليم الشرق أوسطي وعدم الذهاب نحو المجهول المكلف للجميع، أيا تكن مواقف هذا الطرف أو ذاك.

التحدي الثالث قوامه أنه حان الوقت للانتهاء من حالة الفراغ والشلل التي تعيشها السلطة في لحظة تحد وجودي يعيشه لبنان. وبالتالي صار من الضروري الذهاب نحو ملء الفراغ المكلف والقاتل وانتخاب رئيس يحظى بتوافق وطني واسع وتشكيل “حكومة مهمة” لإطلاق عملية الإنقاذ الوطني وللإقلاع بالسفينة اللبنانية في بحر إقليمي هائج ومناخ من العواصف العاتية القائمة والآتية: مسؤولية وطنية يتحملها جميع ركاب السفينة. مسوؤلية ليست بالسهلة لكنها ضرورية، إذا أردنا إنقاذ السفينة اللبنانية من الغرق، حيث الكل خاسر ما لم ننجح في هذه المهمة.

الدكتور ناصيف حتي  -النهار

Leave A Reply