الحريري متمسّك بمقاربته… ولن يفاوض باسيل

محمد بو مجاهد – النهار

في وقت اتّضحت فيه صورة مسوّدة الحكومة الكاملة التي قدّمها الرئيس المكلّف سعد الحريري في بعبدا وكانت نشرت “النهار” أبرز الأسماء الواردة فيها، كما بات من الواضح أن الكباش المعلن لا يزال يدور بين الرئاستين الأولى والثالثة على حقيبتي الداخلية والعدل، إلّا أن اللغز الذي لا يزال يحتاج إلى تفكيك راهناً هو أسباب الصعود ثمّ الهبوط المفاجئ في معنويات التأليف خلال ساعات قليلة والانتقال من قمّة التفاؤل إلى ما يسمّى بالعودة إلى “النقطة صفر” في ملف التشكيل.

لا شكّ في أنّ كباشاً سياسياً محتدماً لا يزال يدور بين أكثر من فريق سياسيّ وعلى رأسه فريق الرئيس مكلّف وفريق رئيس الجمهورية السياسيّ، فيما القراءة بين سطور الأسباب تذهب أبعد من مجرّد الصراع على حقيبة وكرسيّ. وبحسب المعطيات التي ترويها مصادر مواكبة في تيار “المستقبل” لـ”النهار” فإنّ ما حصل في الفترة الممتدة ما بين زيارتي الحريري إلى بعبدا وما بعدهما، يمكن سرده انطلاقاً من الأجواء الايجابية التي سادت اللقاء الأوّل بين الرئيسين يوم الثلثاء حيث تجاوب رئيس الجمهورية مع مسعى الرئيس المكلّف طالباً منه إشاعة أجواء إيجابية ما لبثت أن تحوّلت إلى سلبيّة بعد زيارات ليليّة بدّلت المعطيات على غفلة. وتروي المصادر أنّ ما تبدّل هو رفع سقف المطالبة بكامل الحقائب ذات الطالع الأمني من قبل فريق الرئاسة الأولى حيث بات المطلوب أن تكون وزارات الداخلية والدفاع والعدل من حصّة رئيس الجمهورية، وقد حصل ذلك بعد التخلّي عن مطلب “الثلث المعطّل”، فجرى اشتراط طلب آخر متعلّق بالمطالبة بكافة الوزارات الأمنية.

كيف سيتعامل الرئيس المكلّف مع الواقع الذي يعبّر عنه المقرّبون بعد انقضاء فترة الأعياد وعودة التفاوض حول الملف الحكوميّ؟ في تأكيد المصادر “المستقبليّة” المواكبة، فإنّ الحريري التمس نوعاً من الاختلاف في وجهات النظر بين رئيس الجمهورية ميشال ورئاسة فريقه السياسي المتمثّلة بالوزير السابق جبران باسيل، فيما يحصل أنّ باسيل يمتلك القدرة على التأثير في القرارات والاتفاقات الحاصلة التي كانت تتبدّل دائماً. وفي تحليل أسباب التحوّل في المواقف، تعبّر المصادر عن احتمالين: الأوّل هو دفع الحريري باتجاه الاعتذار عن عدم التأليف وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء والرهان الواهم على إمكان تبدّل المعطيات الدولية حيث يريد باسيل تخفيف مشهد العقوبات المفروضة عليه. والثاني هو سعي باسيل إلى تفاوض مباشر مع الحريري لتعويم صورته وإعادة إنتاج مشهد ثنائي مع الحريري الغاية منه رسم مرحلة ما بعد رئاسة عون وسط طموح واضح لدى رئيس “التيار الوطني الحرّ” بالوصول إلى سدّة الرئاسة الأولى.

ما تؤكّده المصادر أن الحريري لن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء ولن يفاوض باسيل على بناء تفاهم جديد بعدما باءت التسوية بالفشل وأثّرت على رصيده الشعبي والسياسي. كما وأنّه لن يعيد إنتاج حكومة على الطريقة المحاصصية القديمة التي ستؤدي إلى الفشل وهو متمسّك بمقاربته القائمة على تبنيّ مسوّدة من أصحاب الكفايات وتشكيل حكومة اختصاص خارجة عن سيطرة الأحزاب، ويدرك تماماً أن المشكلة لا تتمثل برئيس الجمهورية بل بشروط رئيس “التيار”. ومن هذا المنطلق، سيعمد الحريري إلى تحييد عون ويحاول الرهان عليه للخروج بحلّ في الأيام المقبلة – وهذا ما برز في تصريحاته من بعبدا – لكنّه لن يفتح باب التفاوض المباشر مع باسيل.

على المقلب المقابل، يتبيّن أنّ اللوم المباشر الذي يوجّهه فريق رئيس الجمهورية إلى الحريري يكمن في المبالغة بإشاعة الأجواء الإيجابية التي لم تكن تعبّر فعلاً عن حقيقة الوضع القائم، إذ تقول أوساط سياسية مواكبة لـ”النهار” إنّ الاشارة إلىإمكان ولادة الحكومة قبل حلول عيد الميلاد لم تكن دقيقة ولم تحبّذ أجواء بعبدا تصويرها وسط إدراك بحجم المسائل التي لا تزال تحتاج إلى حلّ وفي طليعتها توزيع الحقائب التي لم يتفّق عليها وفي طليعتها الداخلية والعدل حيث ليس من المنطقي أن يسمي الحريري الوزيرين. كما أنّ الاتفاق على طريقة توزيع هاتين الحقيبتين عند حصوله، سيؤدي إلى خلط في أوراق توزيع حقائب عدّة أخرى باعتبار أن تحريك اسم واحد أو نقله من خانة إلى أخرى سيسهم بطبيعة الحال بتعديلات على مستوى الوزارات ضماناً للمناصفة والتوزيع المنطقي للحقائب بين الطوائف.

ولا تقلّل الأوساط نفسها من حجم المواضيع التي تحتاج إلى حلّ قبل الوصول إلى ولادة الحكومة مع نفيها تدخّل باسيل حكوميّاً، في اعتبارها أن مسوّدة الحريري التي قدّمها كاملة لا تراعي معايير المناصفة بين المسيحيين والمسلمين في موضوع الحقائب الخدماتية أو الوازنة، لأن الوزارات الأساسية جاءت في المسوّدة من نصيب القوى المسلمة بما في ذلك الأشغال والمال والصحة والعدل اضافةً إلى سعي الرئيس المكلف إلى اختيار أسماء وزيري الطاقة والداخلية المسيحيَين ما يعني أن هذه الوزارات والحال هذه لن تكون على ارتباط بالرئاسة الأولى، ما يشير إلى أنّ التفاوض لم يصل إلى خواتيمه والتباينات تحتاج وقتاً للحلّ وليست سهلة كفاية لولادة الحكومة في غضون ساعات.

في هذه الغضون، عُلم أن الوزارات التي أصبحت شبه محسومة وخفّض الصراع حولها من قبل فريقَي التأليف، هي توالياً حقيبة المال التي ستذهب إلى الطائفة الشيعية حيث تضمّنت مسوّدة الحريري اسم يوسف الخليل، وحقيبة الصحة للسنّة والتي ثبّت الحريري فيها اسم فراس أبيض في مسوّدته التي قدّمها كاملة، وحقيبة الطاقة للمسيحيين والتي تقلّص النزاع حولها بين الرئاستين ويتقدّم فيها اسم جو صدي حيث يشير أكثر من مصدر إلى أنه مطلوب شخصياً من الفرنسيين ويرجّح أن يتولّى الوزارة عند انقشاع الدخان الأبيض عن الحكومة.

Leave A Reply