من مجموعة مرثية الغبار

شوقي بزيع

 

البيوتُ طيورٌ ،
تزقّم أفراخها لوعةً ،
كلٌما ابتعدوا عن حديدِ شبابيكها المائله
والبيوتُ جسورُ الحنين التي تَصِلُ المهدَ باللحدِ ،
ريشُ المغامرةِ الأمّ ،
طينُ التكاثرِ ،
سرّ التماثُلِ بين الطبيعة والطبع ،
بين الجنازةِ والقابله
والبيوتُ سطورٌ
يؤلّفنا بحرها كالقصيدةِ بيتاً فبيتاً
لكي نَزِن الذكريات بميزانها
كلما انكسرَ اللحنُ
أو تاهت البوصله
والبيوتُ جذورٌ
تعود بسكّانها دائماً نحو نفس المكانِ
الذي فارقوه ،
لتعصمهمْ شمسها من دوار الأعالي ،
ومن طرقاتٍ
تشرّدهمْ في كسور المكانْ
والبيوتُ زمانْ
يقسّم دقّاتهِ بالتساوي على ساكنيهِ ،
لكي يسبحوا بين بيتين :
بيتِ الوجودِ
وبيتِ العدمْ
وكي يعبروا خلسةً بين ما يتداعى
وما يلتئمْ
والبيوتُ رحِمْ
توقنا للإقامة في أرخبيل النعاس ،
للتّماسِ مع البحر من دون ماءٍ ،
لكي نتشاكى حرائقنا الأوّليةَ ،
أو نتباكى على زمنٍ ،
لن يعود الى الأرض ثانيةً .
والبيوتُ فراديسنا الضائعه
تواصوا إذن بالبيوت ،
احمِلوها كما السلحفاة على ظهركمْ ،
أين كنتمْ .
وأنّى حللتمْ .
ففي ظلّها لن تضِلّوا الطريق الى برّ أنفسكمْ ،
لن تَمَلّوا حجارتها السود ،
مهما نأتْ عن خطاكمْ مسالكُها اللولبيّةُ ،
لن تنْحنوا فوق مهدٍ أقلّ أذىً
من قناطرها المهمَله
ولن تجدوا في صقيع شتاءاتكمْ
ما يوازي الركونَ الى صخرة العائله
وحريرِ السكوتْ
تَواصوا إذن بالبيوت
استديروا ، ولو مرّةً ، نحوها
ثم حُثّوا الخطى
نحو بيت الحياةِ ..الذي لا يموت

Leave A Reply