التوتّر إلى ارتفاع بين “الأونروا” واللاجئين الفلسطينيين

إلى أين يفضي التوتر القائم منذ فترة ليست بالقصيرة بين وكالة “الاونروا” واللاجئين الفلسطينيين في لبنان حول العديد من القضايا والملفات الحساسة والمتراكمة، والتي كانت إحدى محطاتها الساخنة الخميس الماضي أمام المقر الرئيسي للوكالة في محلة بئر حسن؟

منذ بداية الاحداث الملتهبة في غزة في 7 تشرين الاول الماضي تتصاعد الريبة والشكوك بين اللاجئين والوكالة الاممية التي انشأها المجتمع الدولي بعد نكبة عام 1984 لتكون الحاضنة والراعية لمئات آلاف اللاجئين الذين صاروا بالملايين اخيرا وفق كل الاحصاءات، والذين أُجبِروا على النزوح قسراً من ديارهم والاقامة موقتاً في بلدان اللجوء وهي لبنان وسوريا والاردن وبدرجة أقل العراق، فضلاً عن أعداد اخرى غير قليلة اختارت الاقامة في مخيمات الضفة الغربية وغزة وقطاعها.

المعروف ان العلاقات بين الوكالة ومَن تمثل وبين اللاجئين لم تكن يوماً في أحسن حالاتها، إذ إن اللاجئين وفصائلهم وقواهم السياسية والنقابية كانوا دوماً يتهمون “وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم” بالتقصير في تأدية المهمات المنوطة بها أو بتقليص مفاجىء لدائرة خدماتها وتقديماتها، لكنهم كانوا يصرّون في الوقت عينه على بقائها لاعتبارين اثنين: الاول، خدماتها الرعائية والاستشفائية والتعليمية. والثاني ان لوجودها بذاته معنى آخر اذ هي شهادة من المجتمع الدولي على ان ثمة قضية لاجئين، وان لهم حقوقاً في بلادهم، وان ذلك يمنع على الاحتلال ومَن يدعمه التفكير بشطب هذه القضية والغاء الحقوق كما يرغب الاسرائيلي ومَن يسانده من دول وجهات.

بناء عليه، نظم اللاجئون العديد من التحركات أمام مقار الوكالة في لبنان، إما للمطالبة برفع مستوى الخدمات التي تقدمها، وإما الدعوة الى اضافة اخرى الى خدماتها، لاسيما حينما تتأخر الدول المانحة عن سداد الاموال المحددة المتعهدة بها سنوياً أو لأسباب سياسية.

في كل الاحوال، كان المهم عند اللاجئين وقواهم، وفق قول احد قياديي العمل الفلسطيني في لبنان لـ”النهار”، ان تشعر الوكالة نفسها والدول الراعية والمانحة بان وجود هذه الوكالة وبقاءها عصية على مشاريع الشطب والالغاء، يكتسب اهمية كبرى عند اللاجئين، لذا فانها ستبقى هي وتقديماتها تحت مجهر المراقبة والرصد، وانهم (اللاجئون) لن يتوانوا يوما عن رفع الصوت احتجاجاً على مكاسب فقدوها أو تأخرت.

ومعلوم ايضا ان منسوب الشك والخوف عند اللاجئين في كل مناطق الشتات قد ارتفع في الآونة الاخيرة وتوسعت معه مساحة التوتر والاحتقان بعدما أفضت الضغوط الاسرائيلية والاميركية على الدول المانحة الى التلويح بخيار اللجوء الى وقف تحويلاتها المعتادة الى الوكالة وانشطتها تحت ذريعة ان بضع عشرات من العاملين في برامج هذه الوكالة في غزة يشتبه في انهم شاركوا في عملية “طوفان الاقصى” التي نفذتها مجموعات من حركة “حماس” بمشاركة آخرين، وبالفعل توالى اعلان هذه الدول عن التزامها المبدئي هذا التجميد.

كان ذلك في الشهر الثاني على انطلاق تلك العملية النوعية التي قلبت الاوضاع رأسا على عقب، والصدمة الكبرى لم تكن عند اللاجئين وحدهم بل عند العديد من عواصم الشتات وفي مقدمها بيروت التي ما لبث المسؤولون فيها ان افصحوا عن اعتراضهم على هذه الخطوة ونتائجها السلبية حيث هناك ما لا يقل عن أربعمئة الف لاجىء في مخيمات لبنان والدولة اللبنانية عاجزة عن توفير الحد الادنى من تقديمات الوكالة وعطاءاتها لهم. وكان رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي قد اجتمع بسفراء الدول المانحة في بيروت واضعاً اياها امام مسؤولياتها اذا ما هي مضت قدماً في إنفاذ قرارها المعلن ولم تتراجع عنه.

ويوم الخميس الماضي، برزت حادثة معبّرة رفعت منسوب المخاوف عند اللاجئين وعند المسؤولين اللبنانيين المعنيين، اذ نظم الآلاف من الفلسطينيين، في مقدمهم المعلمون في مدارس “الاونروا” وتلامذة مدارسها وأولياء امورهم وكل المنظمات الاهلية واللجان الشعبية اعتصاما أمام مقر الوكالة الاقليمي في بئر حسن. وظاهر الامر انه احتجاج على تجميد عمل مدير مدرسة الوكالة في مخيم البص القريب من صور، والطلب منه تقديم استقالته تحت ذريعة “انه ينتمي الى جهة فلسطينية وان عليه مخالفات مسلكية وادارية”.

ووفق بيان اتحاد المعلمين في الوكالة، ان هذا المدرّس قد دافع عن نفسه مسقطاً التّهم عنه ومعلناً استعداده للخضوع للجنة تحقيق، لكن المسؤولين في “الأونروا” مضوا قدماً في إنفاذ قرارهم بحقه وحظروا عليه دخول مؤسسات الوكالة.

أما في الاعمق من ذلك، فان اللاجئين والهيئات النقابية المعنية اضطروا، وفق المسؤول عن ملف العمل الشعبي في حركة “حماس” في لبنان رأفت مُرة، الى تنظيم هذا الاحتجاج الذي كانت المشاركة فيه لافتة وجامعة، خطوة استباقية خشية ان تمعن الوكالة في اتخاذ مزيد من القرارات والاجراءات السلبية تجاه العاملين فيها تحت ذريعة الانتماء السياسي، وتجاه الخدمات التي اعتادت تقديمها الى اللاجئين في لبنان الذين ازدادت معاناتهم في الاعوام الماضية إثر الازمات التي يمر بها لبنان.

ويشير مُرة الى انه سبق للوكالة ان فصلت 12 موظفا من مؤسساتها في غزة بناء على أخبار قدمتها إسرائيل اليها وتزعم انهم شاركوا في عملية “طوفان الاقصى”. وسرعان ما تبين كذب هذه الادعاءات، خصوصا ان السلطات الاسرائيلية لم تقدم اي اثباتات أو براهين تثبت مزاعمها.

وخلص مُرة الى ان “الشعب الفلسطيني في لبنان وسواه من دول الشتات يصرّ دوما على تمسكه ببقاء الاونروا نظراً الى دورها الرعائي من جهة، ولان وجودها دعمٌ قوي لقضية شعبنا وحقوقه المشروعة بالعودة”، لافتا الى ان “ثمة مسؤولية تتحملها الادارة الحالية للوكالة في بيروت من خلال قراراتها وتدابيرها المتسرعة، علما انه كان يفترض بالوكالة مراعاة الشعب الفلسطيني بعد ما تعرضت له غزة، فهناك ما لا يقل عن مئة ألف بين قتيل ومصاب بينهم 178 من العاملين في الوكالة ولم تقدم على اي فعل احتجاجي رغم ان اسرائيل دمرت كل مقار الوكالة في غزة”.

ويُذكر ان تحرك الخميس تم بناء على دعوة من اتحاد المعلمين في الوكالة الذين أبدوا في بيان استعدادهم لمزيد من التحركات التصعيدية.

ابراهيم بيرم – النهار

Leave A Reply