أرقام الزيادات تصل إلى موظفي القطاع العام والمتقاعدين عبر الإعلام!

فيما توسَّع إضراب موظفي القطاع العام ليشمل كل إدارات الدولة، يستعد العسكريون المتقاعدون للعودة إلى الشارع ومحاصرة السرايا للضغط على الحكومة لمنعها من إقرار زيادات مجحفة بحقهم، في ما لو انعقدت جلسة لمجلس الوزراء اليوم. في المقابل، يستمر تجاهل الحكومة لمطالب هؤلاء ومناشدتهم الدولة لإنصافهم من التمييز الممارَس بحقهم، خصوصا من حيث التفاوت الكبير في الزيادات المقترحة.

المؤسف في الموضوع أن مقترحات الحلول والتسويات التي عرضتها الحكومة، كانت تصل إلى المتقاعدين وموظفي الادارة العامة عبر الإعلام، أو عبر صداقات مشتركة مع رئيس الحكومة، وجميع تلك المقترحات كانت تنسف الوعود التي أعطيت سابقا باعتماد المساواة وفق القانون والإمكانات بين الجميع، عاملين أو متقاعدين.

المدير العام لوزارة المال جورج معراوي أكد لـ”النهار” ان سقف الاعتمادات الموجودة في احتياط الموازنة للرواتب والاجور يقدَّر بنحو 25300 مليار ليرة، اي نحو 2108 مليارات ليرة شهريا، واي رقم يفوق هذا المبلغ على الحكومة أن تطلب فتح اعتماد اضافي من خلال مشروع قانون يقره مجلس النواب.

الى ذلك، أكدت مصادر متابعة أن ثمة طرحاً جدياً وسطياً مشابهاً لما طُرح سابقاً مع بعض التعديلات، إذ تم رفع الحد الادنى للزيادة للمتقاعدين بشكل مقبول، كما تم رفع بدل النقل للعسكريين في الخدمة مع الابقاء على بدل البنزين للإداريين. وإذ اوضحت أن “الزيادات شملت رواتب المتقاعدين لتصبح 3 رواتب مع حد أدنى مرتفع نسبيا، بحيث أصبح المتقاعد يقبض ما لا يقل عن 230 دولارا، فيما الاداريون حصلوا على راتبين مع زيادة بدل البنزين”، أكدت أن “الزيادة في الكلفة المقترحة يمكن للخزينة تحمّلها”.

المتقاعدون الى الشارع مجددا؟

لا يطالب المتقاعدون بغير عدالة توزيع العطاءات والزيادات، ولا يريدون التمايز عن أترابهم في الخدمة الفعلية، وهم يعون جيدا واقع المالية العامة ومواردها، ويقدّرون جدا حساسية الأوضاع الاقتصادية والمالية والنقدية للدولة، والخوف من تفشي التضخم مجدداً، لكنهم يأبون الصمت والسكوت وتحمّل الفقر والعوز، في وقت تحاول الحكومة تمرير زيادات طائلة لأقرانهم في الإدارة العامة، مغلفة بهرطقة “بدل الإنتاجية”.

الحقوق التقاعدية محددة وفق القانون بـ 85% من الراتب الأساسي، بيد أن المتقاعدين ومن خلال معرفتهم التامة بواقع الأزمة والإنهيار النقدي، يطالبون الدولة بأقل من ذلك بكثير، حيث وافقوا على 40% من قيمة الراتب قبل الأزمة، وربما يقدمون خفضاً أكثر في ما لو وجدوا محاورا يقنعهم بصوابية وعدالة ما لديه.

يحصل المتقاعدون حاليا على رواتب تقل عن 10% من قيمة رواتبهم قبل الأزمة، وما تقترحه الحكومة عليهم يصل بالرواتب إلى ما بين 13 إلى 15 بالمئة. في المقابل، ما تقترحه الحكومة لموظفي الإدارة العامة يرفع رواتبهم إلى نِسب لا تقل عن 35 بالمئة، اضافة إلى بدلات النقل والمتممات والحوافز، فأين العدالة؟

أزمة المتقاعدين وحراكهم الساخن أحيانا في الشارع، ليست مالية بحتة، أو خلافاً على عدد المضاعفات الممنوحة على رواتبهم فحسب، بل هي أزمة ثقة بالدولة والحكومة التي تقرر وتحتسب وتوزع المال العام وفق استنسابية غير منطقية ومخالِفة لقانون التقاعد، وتضع موظفي الإدارة العامة بعد منحهم زيادات كبيرة بمواجهة زملائهم الذين أحيلوا على التقاعد.

بالرغم مما حصل سابقا من تظاهرات حامية وحاشدة في الشارع، وإقفال لوسط المدينة، وبالرغم من الحراكات الكثيفة والبيانات شبه اليومية للمتقاعدين، لم تبادر الحكومة أو تجد وقتاً لمحاورة ممثلي هؤلاء، وقد أكد العميد المتقاعد جورج نادر لـ”النهار” أن “لا عِلم لنا بالارقام المتداولة في الاعلام، ولم يتم اطلاعنا عليها، إذ لم يعمد أي من المعنيين الى طرحها مع لجنة التفاوض، فيما الاتجاه العام هو رفض كل العروض غير الرسمية التي يتم التداول بها”، مشيرا الى ان “المتقاعد الذي كان يقبض 1200 دولار سابقا، اصبح حاليا يقبض ما بين 9.30% و10% من راتبه. وفي حال صح أنه مع التحسينات سيقبض نحو 230 دولارا، فإن ذلك يعني انه يقبض 16% من راتبه قبل الازمة، وهو امر لن نقبل به”.

من جهته، اعتبر الناشط في الدفاع عن حقوق المتقاعدين العميد الركن المتقاعد اندريه أبو معشر ان طروحات الحكومة لمعالجة ازمة أجور المتقاعدين “ليست جدية، وان لا حل واضحا لدى الحكومة لكل القطاعات بدليل طرحها حلولا موقتة الى حين إعداد مجلس الخدمة المدنية سلسلة رتب ورواتب جديدة في حزيران المقبل”، مضيفا: “سلسلة الرتب والرواتب ليست بحل سريع ومجدٍ، إذ بدأ الحديث عن السلسلة في العام 2012 لكنها لم تُقر قبل 2017. وهذا يعني أنه في حال بدأ العمل بجدية على السلسلة الجديدة في صيف 2024 فإنها لن تقر في الهيئة العامة قبل صيف 2025، وهذا غير مقبول”.

وعن الحلول المطروحة، أي صرف 3 رواتب للضباط المتقاعدين و4 رواتب للرتباء المتقاعدين، يؤكد ابو معشر أنها “غير دقيقة، خصوصا ان الحكومة تتواصل مع كل جهة وتطرح عليها نموذج حل يختلف عما يُطرح على جهة اخرى. فالحل المقترح للاداريين المتقاعدين يختلف عن الحل المطروح للعسكريين المتقاعدين”.

وكشف ابو معشر ان اصحاب الحقوق، اي الموظفين المتقاعدين والعسكريين المتقاعدين، يرفضون طروحات الحكومة “واذا ما أصرّت على السير بها ستكون المواجهة حتمية”، معتبراً ان “لا حل إلا بمقاربة الامور بعقلانية ومسؤولية عبر عقد اجتماع مع الرئيس نجيب ميقاتي لطرح وجهات النظر البناءة تحت سقف الاعتمادات المخصصة لزيادة الرواتب”.

كما استغرب التباين في ارقام سقف الاعتمادات التي يمكن تخصيصها للزيادات، وقال: “في بداية تواصلنا مع الرئيس ميقاتي حدد مبلغ 1800 مليار ليرة كسقف اعتمادات لزيادة الرواتب، وفي ما بعد ذكر ان سقف الاعتمادات اصبح 2350 مليار ليرة، وبعد فترة نُقل الينا عن ميقاتي ان الاعتمادات يمكن ان تصل الى 2700 مليار ليرة، لنتفاجأ بعدها بتسريب عن الوزير نقولا نحاس ان سقف الانفاق هو 2000 مليار ليرة”.

ويصف ابو معشر الحل الذي طرحه العسكريون المتقاعدون بالنموذجي، “كونه يقضي بإعطاء نصف الزيادة نقديا والنصف الآخر في بطاقة ائتمان ما سيضاعف الاعتمادات من 2000 مليار الى 4000 مليار، كما ستجبر بذلك المستفيدين من الزيادة على إنفاق نصف الراتب في السوق بما سيحرك العجلة الاقتصادية”، مشيرا الى أنه “على رغم اعتراض غالبية العسكريين المتقاعدين على الخطة المطروحة، فهي لا تزال قابلة للنقاش والدرس”.

موظفو الادارة العامة

ثمة وعود اطلقها ميقاتي، لم تكن واضحة بالنسبة الى المتقاعدين كما موظفي الادراة العامة، إذ أكد أنه سيتم رفع الرواتب بالدولار للموظفين الفعليين إلى نسبة 40% مما كانت عليه الرواتب الأساس قبل أزمة 2019، ورفعها إلى 30% للمتقاعدين، لافتا الى أن إعادة 20% من قيمة الراتب إلى ما كانت عليه عام 2019 تؤدي إلى عجز بقيمة 2000 مليار ليرة شهريا، فيما يشير الباحث في “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين الى ان “كلفة الرواتب حاليا هي 120 الف مليار ليرة، وعند زيادتها بحسب ما يطالب به الموظفون والمتقاعدون، فإن العجز في الموازنة سيصل الى رقم غير مسبوق هو 30%”.

ولكن، حتى هذه الارقام التي أكد ميقاتي أنها ستسبب عجزا في موازنة الدولة، لا ترضي موظفي الادارة العامة، إذ أكدت رئيسة رابطة موظفي الادارة العامة نوال نصر أن “كل الارقام والنسب التي يتم تسريبها غير مقبولة”، مشيرة الى أن الرابطة “طلبت مواعيد من المعنيين ولكن من دون جدوى، والارقام التي تُنشر عبر وسائل الاعلام لا عِلم لنا بها”.

واستغربت نصر الحديث عن عدم قدرة الدولة على تحسين أوضاع العاملين فيها، وقالت إن “موازنة 2024 مدججة بالضرائب والرسوم التي سيدفعها المواطنون، وخصوصا الموظفين منهم المجبرين على دفعها وفقا لقاعدة التنفيذ الجبري”. وفي السياق أشارت نصر الى المرسوم المخصص للحوافز “حيث بلغت قيمة السلفة نحو 36 ألف مليار ليرة، سددوا منها شهرا واحدا للموظفين 3 آلاف مليار ليرة، فيما تم توزيع 33 ألف مليار لموظفي وزارة المال واجهزة الرقابة ورئاسة الحكومة… فهل هذا عدل؟”.

 سلوى بعلبكي – النهار

Leave A Reply