الحجّ الدولي إلى لبنان جسّ نبض وتحذير ولا يحمل حلولاً جدية

يشهد لبنان منذ بدء حرب غزة حركة حجّ ديبلوماسية دولية كثيفة، بحيث لا يكاد مسؤول يغادر حتى يحطّ آخر، تحت عناوين مختلفة تخلص في النهاية إلى عنوان واحد يرمي إلى منع تفلّت الوضع العسكري جنوباً.

كان يُتوقع ان يكون وزير الخارجية المصري سامح شكري آخر الواصلين إلى بيروت امس، بعد الزيارة الخاطفة لوزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه، إلا ان شكري لم يحط في بيروت، ما أثار تساؤلات عن سبب الغاء الزيارة. والواقع ان شكري كان يعتزم المجيء إلى بيروت لكن الزيارة تأجلت ولم تلغَ بسبب ارتباطات طارئة استجدت على الوزير واستدعت التأجيل كما كشف السفير المصري في بيروت علاء موسى لـ”النهار”. وبالتالي فإن الزيارة قد تتم وإنما في مرحلة لاحقة. ولا يُستبعد ان يكون لذلك ارتباط بتطور التفاوض حول اتفاق الاطار بين إسرائيل وحركة “حماس” الذي تشارك القاهرة إلى جانب الدوحة في الوساطة في شأنه.

قد تختلف المقاربات بين الموفدين حيال التعاطي مع الوضع على الحدود بين لبنان وإسرائيل، خصوصاً ان كل الزوار يحملون مصلحة أمن المستوطنات الاسرائيلية في اولوية مطلقة، لا يوازيها في الاهمية أمن الجنوب والقرى والبلدات اللبنانية الحدودية التي باتت وفق المعاينات الميدانية في حالة تدمير ممنهج ومستمر، ما يجعل بعض الأوساط السياسية تسخر من التحذيرات من الانزلاق إلى الحرب، على قاعدة ان الجنوب بات في قلب الحرب، منذ ان خرجت الاعتداءات عن قواعد الاشتباك التقليدية.

والمفارقة التي يسجلها المراقبون المواكبون لحركة الديبلوماسيين إلى لبنان، هي غياب اي مقترحات او افكار يمكن البناء عليها لتكون مدخلاً إلى حل سياسي يقي البلاد مخاطر توسع الحرب، وذلك بسبب عجز أي فريق عن إحداث خرق يفتح خطوط التفاوض على ارضية صلبة تنطلق من تفاهم على الاقل على قواسم مشتركة تشكل نقطة انطلاق لأي مسلك تفاوضي. ذلك ان اي مفاوضات تعبّد الطريق إلى حل سياسي يوقف الاعتداءات ويبعد شبح الحرب الواسعة لا بد من ان يأخذ في الاعتبار عاملين أساسيين: اولهما ان لا رغبة او قرار لدى ايّ من فريقي الحرب، اي إسرائيل او “حزب الله”، لإطلاق المفاوضات المعلنة، قبل وقف النار، الامر المنوط في الدرجة الاولى بحسابات تل ابيب في غزة. اما العامل الثاني فيكمن في ان اي تفاوض جدي لن يسلك طريقه إلا عبر الراعي الاوحد لأي وساطة، اي الولايات المتحدة الاميركية. من هنا، تبقى المواقف الغربية في اطار التأكيد على ضبط النفس وتحصين الاستقرار الداخلي، وانجاز الاستحقاقات الدستورية الرامية إلى اعادة تكوين سلطة سياسية كاملة الصلاحيات، في انتظار ان يوضع قطار التفاوض على السكة. ولا تخفي مصادر سياسية متابعة اهمية ترقب مسار المفاوضات الجارية بين إسرائيل وحركة “حماس” التي تشكل نقطة الفصل الحقيقية في اي مسار محتمل مقبل مع لبنان، وتدعو في هذه الحال إلى ترقب الرد الاسرائيلي على رد “حماس” على اتفاق الاطار الذي تم تسليمه إلى الوسيطين القطري والمصري، داعية إلى ترقب اي اجتماع لحكومة الحرب الاسرائيلية الذي يؤشر إلى المسار النهائي بعدما تعب الفريقان وأدركا ان وقت الجلوس إلى الطاولة قد حان.

وعليه، لا تتوقع المصادر ان يبرز اي تطور على الساحة اللبنانية قبل بلورة مصير اتفاق الاطار، مشيرة الى انه بمجرد الإعلان عن الاتفاق في غزة، ستخرج المفاوضات الصامتة من تحت الطاولة إلى العلن وستتكشف مندرجاتها. ولعل هذا ما دفع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى الاعراب عن تفاؤله بامكان التوصل إلى وقف لإطلاق النار الأسبوع المقبل، مقروناً بالأمل في ان تنسحب الهدنة على تهدئة الساحة الجنوبية افساحا في المجال امام البحث في التراجعات المرتقبة على ضفتي الحدود، من جانب إسرائيل كما من جانب الحزب.

 سابين عويس – النهار

Leave A Reply