لودريان يراوح مكانه رئاسياً: “المنطقة تغلي… وانتبهوا”

لم تبدِ الكتل النيابية ولا أيّ من النواب المستقلين الذين التقاهم الموفد الرئاسي الفرنسي جان – ايف لودريان اشارات ايجابية الى امكان حصول خرق في ملف الانتخابات الرئاسية المفتوحة على مزيد من التعقيدات. وما توقفت عنده اكثر من جهة نيابية هو ان لودريان لم يحمل جديدا في زيارته الرابعة الى بيروت، لا بل كرر موقف باريس في شأن الاستحقاق الدستوري الملحّ. ولولا حرب اسرائيل على غزة والتطورات الاخيرة في جنوب لبنان والمنطقة والحديث عن القرار 1701 لكانت الطبعة الاخيرة للودريان مثل سابقتها التي خرج في نهايتها بانه سيعمل على جوجلة ما سمعه من الافرقاء آنذاك، ليصل الى خلاصة يمكنه من خلالها تدوير الزوايا الرئاسية بين الكتل. ولم يظهر في لقاءاته الاخيرة انه حقق شيئا من تلك الوعود التي اطلقها حيث لا استنتاجات ولا توصّل الى اي قواسم مشتركة. وكان من الملاحظ في المواقف الاخيرة للرجل بعد اتصالاته مع عضوي “المجموعة الخماسية” السعودية وقطر انه لم يتطرق الى مسألتين:

– عدم الدخول في لعبة الاسماء ولو انتهى في زيارته ما قبل الاخيرة الى توجه باريس نحو مشروع رؤية البحث عن خيار ثالث، اي استبعاد المرشحَين سليمان فرنجية وجهاد ازعور. وهو تفادى امس التطرق الى هذه النقطة، لكن “القوات اللبنانية” وجهات نيابية اخرى ابلغته من دون اي قفازات ان التوجه الى خيار ثالث امر جيد لكن شرط ألا يكون الاسم المختار او الذي تتفق عليه “المجموعة الخماسية” من الوجوه المطروحة، لانه من غير المنطق ان يحل في المنصب الاول في البلد اسم عادي. وذكر انه سمع في معراب انها ليست مع انتخاب المدير العام للامن العام اللواء الياس البيسري من دون الانتقاص من شخصه. واوصلت هذا الجواب نفسه الى الموفد القطري جاسم آل ثاني “ابو الفهد”.

– وكانت النقطة الثانية التي تفادى لودريان التطرق اليها هي موضوع طاولة حوار لجمع ممثلي الكتل النيابية، ولو انه لا يعارض حصول مشاورات بين الكتل. ووعد الموفد الفرنسي بأنه سيجمع من جديد مواقف كل الكتل والنواب المستقلين والتغييريين بغية بلورتها، على ان يعود الى بيروت في كانون الثاني المقبل. واحتل موضوع التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون صدارة اجندة لودريان، ولمس اشارات ايجابية حيال طرحه عند مختلف الكتل ما عدا رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل الذي خاض معه في حوار ساخن وحاول “حشر” الموفد الفرنسي عند قوله له وسؤاله اكثر من مرة : “كيف تقولون لنا وتدعوننا كل يوم الى احترام الدستور والقوانين وعدم القفز فوقها، وتطلبون منا خرقها اليوم عبر التمديد لقائد الجيش؟”.

ورد عليه لودريان بان “بلدكم يواجه اليوم حالة طارئة لتسيير عمل الجيش. ومن الافضل لكم عدم دخولكم في اي ازمة جديدة”. ووصل الامر بباسيل الى القول له ان ما يظهر هو ان الوكيل بالانابة يثبت انه افضل من الاصيل، في اشارة منه بطريقة مباشرة الى ان حاكم مصرف لبنان بالانابة وسيم منصوري يسجل اداء افضل من الحاكم السابق رياض سلامة. ولم يكتفِ بالقول للودريان: “لماذا تتمسكون بجوزف عون الذي تقترب نهاية ولايته ويحال على التقاعد، وثمة عشرات الضباط من اصحاب الكفاءات والتجارب وفي امكان واحد منهم تسلم قيادة الجيش وادارة المؤسسة، وانت تطلب منا خرق الدولة واساساتها؟”. وانتهى الحديث الساخن بين الرجلين من دون ان يتوصلا الى قاسم مشترك حيال المعضلة التي تنتظر الجيش. وثمة من يرى بالفعل حجم الصعوبات التي تعترض طرح التمديد لعون إذ تتجه الانظار هنا الى موقف “حزب الله” الذي لن يفرّط بحليفيه باسيل وفرنجية اللذين لا يريدان عون في الملعب الرئاسي حتى لو كان الثاني اكثر ليونة في حال اتجهت رياح الكتل نحو التمديد في البرلمان اذا لم ينضج في الحكومة جراء جملة من الحواجز التي تعترضها وعدم تمكنها من القفز فوق صلاحية وزير الدفاع موريس سليم في هذه المسألة. ولاقى توجه لودريان نحو التمديد لعون تجاوبا عند حزب الكتائب وكتلة “تجدد” التي مثّلها النائبان ميشال معوض وفؤاد مخزومي، وابلغته بتمرير التمديد في الحكومة او البرلمان حفاظا على دور الجيش في هذا الوقت. ويقول متابعون ان محاولة التمديد لعون من طرف الفرنسيين واعضاء آخرين في “المجموعة الخماسية” لا تقتصر على حفظ المؤسسة العسكرية فحسب بل تؤدي الى التمهيد لانتخاب الرجل في رئاسة الجمهورية.

واخذت اوضاع الجنوب والحرب الاسرائيلية في غزة على وقْع التهديدات المتواصلة لبنيامين نتنياهو مساحة لا بأس بها من لقاءات لودريان، مع تشديده على ضرورة الالتزام بتطبيق القرار 1701 على اساس انه يصب في مصلحة الجميع. ولم يأتِ على توجه باريس الى تعديله في مجلس الامن ونقل هذا القرار من الفصل السادس الى السابع. وردد هذا الموقف على مسمع كتل نيابية لا تلتقي مع سياسات “حزب الله” وزاد على ذلك: “لا تلعبوا (لبنان) بالنار لان بلدكم قابل للانكسار والتحطم بسرعة قياسية”. ولم يتناول ايضا في معرض حديثه عن غزة ومستقبل حربها توجه مجلس الامن والدول المعنية الى ولادة “1701 فلسطيني”، وهذا ما يؤكده الرئيس نبيه بري الذي يعتبر ان عملية “حماس” اعادت إحياء القضية الفلسطينية بعد نسيانها، تلك النقطة التي احتلت حيزا من اجتماعه مع الموفد الفرنسي. ويبقى ان لودريان ربط كل التطورات والتهديدات التي يواجهها لبنان بضرورة انتخاب رئيس للجمهورية، “وعليكم ان تنتبهوا وتحذروا جيدا لان المنطقة تغلي

على اساس انه بعد حرب غزة ووقف اطلاق النار تتجه الامور الى مفاوضات تخصّ الفلسطينيين والاسرائيليين وغيرهم في المنطقة، بحيث يجب ألّا تغيبوا عن هذه الطاولات”.

يعود لودريان الى باريس اليوم بعد حصيلة غير مشجعة له في بيروت. ولن يرفع في تقريره الى الرئيس ايمانويل ماكرون سوى كتابته المزيد من سطور تراكم الخلافات بين الكتل التي لم يكن ينقصها إلا ازمة قيادة الجيش المفتوحة على ملف الشغور في رئاسة الجمهورية. وسيصل مضمون هذا التقرير الى اعضاء “المجموعة الخماسية” ومنها السعودية حيث يقول احد المسؤولين في المملكة ان القوى السياسية في لبنان “أتعبت المجموعة والعالم وهي تتفرج على خراب بلدها وانهياره وقتل طموحات شعبها”.

 رضوان عقيل – النهار

Leave A Reply