نصرالله لن يمنح ضمانات لأحد… وواشنطن تبحث عن “خطوطه الحمراء”

خطاب يوم الجمعة لم يُكتب بعد ومضمونه يُحدّده

الميدان وصمود حماس وأولويّات محور المقاومة

تمر الساعات ثقيلة وبطيئة قبل الاطلالة الاولى للامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله منذ بدء عملية “طوفان الاقصى”، وما تلاها من حرب بربرية من قبل دولة الاحتلال على الفلسطينيين في غزة، الكل في الداخل والخارج ينتظر، ولا احد يعرف ما هو سقف الموقف وحدوده في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ الصراع في المنطقة.

توقيت الخروج عن “الصمت” بدا مفاجئا للكثيرين، بعد ان كانت التوقعات تشير الى انها ستكون حتمية في الـ11 من الجاري خلال الاحياء السنوي لـ”يوم شهيد حزب الله”. ولهذا تبقى الكثير من الاسئلة دون اجوبة، وتتحول يوما بعد يوم الى “أحجية”، دفعت البيت الابيض الى الاقرار بان ثمة انتظارا لمضمون ما سيقوله نصرالله “ليبنى على الشيء مقتضاه”، فيما التطورات الميدانية تتدحرج على نحو متسارع في منطقة تقف على “حافة هاوية”، قد يندفع نحوها الجميع دون قرار مسبق بذلك.

واذا كانت “اسرائيل” تقف عاجزة استخباراتيا عن تحديد التوجهات المقبلة لحزب الله، فقد اوكلت المهمة للاميركيين الذين يجهدون لمحاولة فهم ما يدور في رأس السيد نصرالله، ويوظفون قدراتهم الديبلوماسية والامنية والعسكرية لدفع حزب الله الى الابقاء على وتيرة التصعيد الحالية على الحدود الجنوبية. ووفقا لمصادر مطلعة فأن الاميركيين يعيشون في هذه المرحلة حالة “هذيان” شديد قد يصل الى حدود “الانفصام”، فقد توصلوا الى قناعة ان “الخط الاحمر” لدى الحزب هو منع تدمير حركة حماس في غزة، وإنهم سيدخلون الحرب اذا نجحت “اسرائيل” بالاقتراب من ضرب البنى العسكرية والقيادية للحركة. وهم يقولون “اذا كان هدف “إسرائيل” المعلن هو تدمير حماس، فهذا يعني ان حزب الله سيدخل الى المواجهة حتما، لكن يبقى متى؟ وكيف؟ دون اجوبة حاسمة. وعندما سأل الاميركيون جهات عربية وازنة حول التوقيت، جاءت الاجابة على نحو صادم: لا نعرف، لكن حزب الله يخبر القلقين من حلفائه أن وضع حركة حماس في الميدان لا يزال جيدا وتمتلك الكثير من المفاجآت، وليست بحاجة للمساعدة في الوقت الحالي!.

وقد جاء الاعلان الرسمي من قبل “انصار الله” في اليمن عن الدخول في معركة “طوفان الاقصى”، ليزيد من بواعث القلق الاميركي الذي باتت تعتقد استخباراته ان ثمة تدخل تدريجي مبرمج لدى المحور الآخر، الذي يعمل على ما يبدو وفق خطة واضحة متدرجة غير محدودة السقوف، بدأت باستهداف واسع للقواعد الاميركية في العراق وسوريا، ومواجهة مضبوطة حتى الآن على الحدود اللبنانية، وكذلك مقننة من اليمن حيث تبقى الخشية من تحول التدخل الرمزي الى تدخل واسع يشمل اطلاق مئات الصواريخ والمسيرات، التي لا يمكن التعامل معها جميعا واسقاطها قبل الوصول الى “اسرائيل”. فيما يبقى الخطر الاكبر موضوع الملاحة في البحر الاحمر، حيث يملك الحوثيون القدرة على استهداف كل ما يعبر من باب المندب. لكن وعلى الرغم من ذلك يبقى التهديد الاستراتيجي، برأي الاميركيين، انفجار الجبهة الشمالية “لاسرائيل”، لاسباب تتعلق بالجغرافيا والخبرة القتالية، والاسلحة المتطورة والدقيقة، وقد عبّر احد المسؤولين الاميركيين عن هذا الامر لصحيفة “نيويورك تايمز” بالقول ان حزب الله اليوم في وضع يستطيع فيه التسبب بألم “لإسرائيل” لو اختار دخول الحرب، لكن ساحة الحرب التي يختارها الحزب قد تكون متنوعة، وليس بالضرورة لبنان”.

ماذا يعني هذا الكلام؟ برأي اوساط معنية بهذا الملف، واشنطن لم تعد قادرة على ضمان ان تخرج “اسرائيل” منتصرة من حرب متعددة الجبهات، بعد الاخفاق في السابع من تشرين الاول، وهي تخشى ان تكون حساباتها خاطئة مرة جديدة، لجهة الاعتقاد ان اساطيلها وتدخلها المباشر في الحرب، كاف لردع القوى المناهضة “لاسرائيل”، ولهذا فهي تحاول منع توسع حرب قد تتتورط فيها وهي لا تخدم اجندة الرئيس الاميركي جو بايدن الانتخابية، ولهذا تتواصل على نحو غير مباشر مع طهران للحد من التوتر في المنطقة، دون ان تحصل على اي ضمانة بعدم خروج الامورعن السيطرة، لانها لم تقدم اي شيء بالمقابل.

ولهذا لن تحصل اميركا على ضمانات يوم الجمعة المقبل من السيد نصرالله، وكل ما تريده الآن المزيد من الوقت، لكي تتبلور صيغة مخرج ما “للاسرائيليين” وليس لاي طرف آخر. ووفقا لديبلوماسي غربي فقد ابلغ الاميركيون الوسطاء القطريين كلاما واضحا مفاده انهم لا يمكلون ما يمنحوه “للاسرائيليين” لوقف الحرب، او الحصول على هدنة، وكانت الجملة الاغرب تقول “نحتاج الى انجاز ما على الارض كي نقول لنتانياهو كفى لقد حان الوقت للنزول عن الشجرة”.

وفي الخلاصة، لن تحصل مساعدة وزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الاوسط باربارا ليف على اي اجوبة في بيروت، وحضور وزير الخارجية انتوني بلينكن الى دولة الاحتلال يوم الجمعة المقبل، لن يغير في المشهد شيئا، اذا استمرت قوات الاحتلال في قتل الفلسطينيين دون هوادة بدعم اميركي مفتوح. لن يحصل احد على تطمينات، لا قبل يوم الجمعة ولا بعده، “السباق” مع الوقت مستمر واحتمالات الانفجار الكبير او التسوية لا تزال متساوية.

الدوحة لا تزال على تواصل مع كافة الاطراف لايجاد صيغة تخرج الجميع من “المأزق” الحالي، لكن دون نتائج واضحة حتى الأن، الدعوة الايرانية – التركية لمؤتمر هدفه عدم اتساع نطاق الحرب مضيعة للوقت، اذا استمر مخطط الابادة الجماعية ومحاولة تصفية القضية الفلسطينية من “بوابة” غزة، ولهذا كل ما تطمح اليه واشنطن ان تسمعه من السيد نصرالله علنا ماهية “خطوطه الحمراء”، كي لا تتفاجىء مع اسرائيل بتوقيت تدخل حزب الله الذي يسخر من التهديدات الاميركية، وكذلك التطمينات بمنع “اسرائيل” من الاعتداء على لبنان.!

ما يملكه السيد نصرالله من معطيات لا يملكه الكثيرون، غرفة العمليات المشتركة حددت الاهداف ولديها وضوح كامل في “الصورة”، خطاب يوم الجمعة لم يُكتب بعد، ما يدور في “كواليس” الديبلوماسية سيكون مؤثرا في مضمونه، ولن يسمح “لاسرائيل” بمحو هزيمة السابع من تشرين سياسيا، لكن يبقى التأثير الاكبر للميدان ولاولويات محور المقاومة.

ابراهيم ناصرالدين – الديار

Leave A Reply