قطر بعد فرنسا، ضياع المبادرات الرئاسية؟

بانقضاء هذا اليوم، يكتمل عقد عام كامل من الشغور في موقع رئاسة الجمهورية، مع كل ما رتبه من أضرار على البلاد، لتبدأ مرحلة جديدة تتجاوز بأخطارها ومحاذيرها وتداعياتها، كل ما شهده لبنان واللبنانيون على مدى الأعوام الاثني عشر المنصرمة. ذلك أن الهاجس الأمني المستجد بسبب حرب غزة ومخاطر تمدّدها الى لبنان طغى على كل اهتمام آخر وتقدّم على أولوية الوضع الداخلي المأزوم على خلفية الانهيار الاقتصادي والفراغ السياسي وتعطل المؤسسات الدستورية وتحلل إدارات الدولة وأجهزتها.

رغم الحركة الديبلوماسية التي شهدها لبنان منذ اندلاع حرب غزة، صبّت كل الزيارات الخارجية في سياق التحذيرات والضغوط من أجل عدم الانزلاق الى الحرب. وبلغت تلك التحذيرات مستوى عالياً من الحدّة والنبرة القاسية التي تعكس جدّيتها وأخطارها، وأهميتها أنها تركز على أن لبنان ليس أولوية ولن يحظى بأي دعم أو مساعدة إذا تعرّض للاعتداء، وأن من الضروري أخذ هذا المعطى في الحسبان على قاعدة أن أي عدوان اليوم لن يكون شبيهاً بعدوان تموز ٢٠٠٦.

ووسط هذا المناخ، تستمر الحركة الديبلوماسية في اتجاه البلاد التي تزورها مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى باربارا ليف، وأيضاً وزير الجيوش الفرنسية سيباستيان لوكورنو. ولزيارة ليف دلالاتها إذ تهدف الى دعوة المسؤولين اللبنانيين الى مواكبة الوضع المتطوّر أمنياً وعسكرياً بإنجاز الاستحقاقات الداخلية الرئاسية منها والعسكرية المتصلة بإنجاز التعيينات في قيادة الجيش.

ومع إعادة تحريك الجمود في المشهد الداخلي على خلفية هذين الاستحقاقين، جاء تحرّك رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في اتجاه قطر. ورغم أن الزيارة مقررة منذ نحو ثلاثة أسابيع أي قبل بدءحرب غزة، جاء توقيتها أول من أمس أكثر ملاءمةً ولا سيما أنه كان للدوحة دور وساطة أو مبادرة في اتجاه حلحلة العقبات من أمام إنجاز انتخاب رئيس للجمهورية. وفي هذا السياق، تنفي مصادر سياسية أن تكون تلك الوساطة توقفت بسبب حرب غزة، بل إنها عُلقت حتى تتسنّى الظروف لاستكمالها عبر زيارة وزير الشؤون الخارجية القطري كما كان مقرراً سابقاً. ولكن المشكلة تكمن في التوقيت. لكن مصادر أخرى تستبعد أن يكون للدوحة دور قريب في لبنان، كاشفة أن زيارة ميقاتي جاءت في إطار تحرك ديبلوماسي يعتزم القيام به في جولة على عدد من الدول العربية بهدف استطلاع الموقف من التطورات الأخيرة. ومحادثاته في الدوحة اقتصرت على البحث في السبل الآيلة الى حماية لبنان قدر الإمكان من تداعيات تلك الحرب وتحصينه أمام امتداد نيرانها الداخلية، من خلال الضغط على إسرائيل لوقف اعتداءاتها المتكررة داخل الأراضي اللبنانية. والمعلوم أن الدوحة تضطلع حالياً بدور في الاتصالات الجارية والوساطات من أجل العمل على استصدار قرار بوقف إطلاق النار في غزة، ونفت تلك المصادر أن يكون البحث تناول الاستحقاق الرئاسي، علماً بأن الدوحة واحدة من الدول المعنية بالملف اللبناني لكونها عضواً في مجموعة الخماسية، وكانت قد أطلقت تحركاً في اتجاه التوسط في الملف الرئاسي، لكن الأمور معلقة راهناً في انتظار اتضاح المشهد الغزاوي. ولدى القطريين انطباع بأن اللبنانيين كما ضيّعوا الفرنسيين، يضيّعونهم، وكما ضيّعوا أنفسهم، وبهذا المعنى فهم ميقاتي ربما أن لا حماسة قطرية للتحرك اليوم في ظل أولوية وقف حرب غزة.

سابين عويس – النهار

Leave A Reply