الإبعاد القسري ينتهك حق العودة ويتعارض مع القانون الدولي

كتب د. خضر ياسين –

في ضوء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في فلسطين المحتلة برز مجددا مخطط العدو بإبعاد المواطنين الفلسطينيين الذين يسكنون في القطاع نحو مناطق أخرى، مما يطرح قضية هامة في القانون الدولي الإنساني تتعلق بالتهجير القسري للسكان وكذلك موضوع حق العودة، حيث تمثل فلسطين المحتلة واقعاً مؤلما على المستوى العالمي فيما يتعلق بعمليات إبعاد ممنهجة وواسعة النطاق للسكان المدنيين انعكست على الطبيعة الديمغرافية في فلسطين المحتلة.

يشكل حق العودة إلى الوطن أحد الحقوق الإنسانية الأساسية، وهو ثابت ومستقر ولا ينتهي أو يسقط مهما مرّ من الزمن، وقد تم تكريسه في العديد من المواثيق والاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، فوفقاً للمادة 9 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، لا يجوز طرد المدنيين سواء كان هذا الطرد على المستوى الفردي أم الجماعي. كذلك نص الإعلان المذكور في المادة 13 منه على حق عودة المواطنين إلى دولهم. من جهة ثانية ورد حق العودة في الاتفاقية الدولية المتعلقة بإلغاء جميع أشكال التمييز العنصري لعام 1965، أيضاً نصت المادة (12/4) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 على عدم جواز حرمان الشخص تعسفاً من الدخول إلى بلاده.

تشكل إتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 مع البروتوكولين الإضافيين لعام 1977، البنيان الأساسي للقانون الدولي الإنساني المعني بمعالجة الآثار الناجمة عن النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية، ومن هذه الآثار مسألة عدم إبعاد السكان المدنيين، فهذه المسألة من خلال تكريسها وتعزيز قيمتها القانونية تشكل حماية لحق العودة، حيث اعتبرت إتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 (وهي الإتفاقية الرئيسية والخاصة فيما يخص حماية المدنيين زمن النزاعات المسلحة) أن إبعاد (دولة الإحتلال) للسكان المدنيين للإقليم المحتل أو نقلهم انتهاكاً جسيماً يوجب المساءلة والمحاسبة، حيث حظّرت المادة (49) من الاتفاقية الإبعاد أو النقل القسري للسكان سواء كان نقلاً فردياً أم جماعياً، وسواء كان نقلاً إلى دولة الاحتلال أم إلى أي دولة أخرى محتلة كانت أو غير محتلة.

ونود أن نشير هنا إلى أن نصوص الاتفاقية سمحت بالإخلاء الكلي أو الجزئي للمناطق المحتلة في حال الخوف على أمن السكان أنفسهم أو في حال الضرورة العسكرية، إلا أنها ألزمت دولة الاحتلال بإعادة السكان حال زوال الخطر الذي هددهم أو بعد انتهاء العمليات العدائية، ففي هذا الإطار أعاد البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 التأكيد بأن الإبعاد يشكل انتهاكاً جسيماً، وبالتالي يتضح من خلال هذه النصوص التي يتضمنها القانون الدولي الإنساني، ان هذا القانون لا يسمح ولا يجيز إبعاد السكان المدنيين للإقليم المحتل سواء كان هذا الإبعاد نتيجة إجراء منفرد من جانب دولة الاحتلال أم إذا حصل نتيجة إتفاق بين مجموعة من الدول طالما أن هذا الاتفاق ينتهك الحماية المقررة لهؤلاء الأشخاص(السكان المدنيين) المحميين ويؤثر في وضعهم بشكل سلبي وخطير.

إن التهجير أو الإبعاد أو النقل القسري للسكان المدنيين هي مفردات متعددة ذات مفهوم قانوني واحد، وإن هذا العمل يشكل جريمة دولية خطيرة تستوجب تحقيق العدالة الجنائية الدولية، فالمادة السابعة من نظام روما الأساسي لعام 1998 المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة في لاهاي، تعتبر ان الإبعاد او النقل القسري للسكان المدنيين جريمة ضد الإنسانية، كما اعتبرتها المادة الثامنة منه بأنها جريمة حرب، ولذلك يدخل هذا الفعل(أي الإبعاد أو النقل القسري للسكان) ضمن الإختصاص الموضوعي للمحكمة التي تختص بالنظر في الجرائم التالية: جرائم الحرب- الجرائم ضد الإنسانية- جريمة الإبادة الجماعية- جريمة العدوان. وعلى الرغم من أنه حاليا هناك استحالة وعدم إمكانية ملاحقة ومساءلة المجرمين الإسرائيليين بسبب جرائم النقل او الإبعاد القسري للفلسطينيين وعدم السماح لهم بالعودة إلى ديارهم، إلاّ أنه تبقى هذه الجرائم خاضعة للملاحقة والمساءلة باعتبارها من الجرائم الدولية التي لا تسقط بمرور الزمن.

Leave A Reply