هل يجرؤ منصوري على إنهاء “دولة المطار”؟

يبدو أن “دولة” رياض سلامة لم تسقط. ربما لأنه ما زال طليقاً بقرار سياسي، يدير “الدولة” من مكان إقامته الذي يتردّد أنه في قصره في فقرا، لكن مع ذلك ما زال بالنسبة للدولة والقضاء والأجهزة الأمنية “مجهول محل الإقامة”!

في الواقع، إن “تلاميذ” رياض سلامة أصبحوا “راشدين”، بل و”أساتذة”، على قاعدة “رب تلميذ فاق أستاذه”، وهم يتصرفون وفقاً لما تعلّموه منه، سواء في البنك المركزي، أو بـ”الدراسة عن بُعد”، أو بالتدريب المكثّف، أو بالتمثّل به باعتباره “نموذجاً يحتذى”، أو تعلّموا منه “تحت الشجرة”!

ما زال طيف رياض سلامة يدير “الدولة” التي أنشأها داخل الدولة بتمويل ورعاية وحماية من المصرف المركزي.

وإذا كان من الطبيعي أن يقاوم “جنود سلامة” في خنادقهم النتنة حتى آخر رمق، فإن ذلك يرمي على كاهل الذين يتولون المسؤولية ويعلنون ليل نهار أنهم ضد الفساد، أن يبدأوا بتنظيف العفن وإزالة العسس المنتشر في كل تفصيل، خصوصاً تلك المواقع التي كانت تحت إشراف رياض سلامة، لأنه من دون التخلّص من هذه الأوكار، فإنه لا يمكن الرهان على إصلاح البلد، ويصبح كل مسؤول إما شريكاً في الفساد، أو “جندياً” عند رياض سلامة، أو شاهد زور يسكت عن الحق.

وهنا يصبح دور حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري مركزياً في إزالة كل التباس في مصرف لبنان، وعن كل مؤسسة تابعة لمصرف لبنان، وعن كل مصرف أو شركة أو عمل أو شخص يرتبط بمصرف لبنان، وهو يمتلك الصلاحية الكاملة، حتى لا تُرمى على أكتافه مسؤولية كل الموبقات المرتكبة قبل توليه منصب الحاكم بالإنابة، فيعطي بذلك صك براءة لرياض سلامة ويحمل عنه وزر كل الإرتكابات، وبالتالي يصبح متستّراً على استمرار الموبقات التي ترتكب وهذه المرة ستكون تحت أنظاره.

هل يستطيع، وسيم منصوري، أو يجرؤ، مثلاً، على فتح ملف شركة طيران الشرق الأوسط “ميدل إيست” التي يملك مصرف لبنان غالبية أسهمها؟

في الأيام الماضية، انكشف جانب من الوقائع التي لطالما كانت تتردّد همساً عن ما يحصل في مطار رفيق الحريري الدولي.

هذه الوقائع تقود إلى استنتاج غريب ومفجع. المطار في الشكل هو لـ”دولة لبنان”، لكنه في الواقع هو “دويلة ميدل إيست”، وربما الفاجعة الأكبر أن مطار لبنان عبارة عن “دويلة يحكمها محمد الحوت”، ومعزولة عن الدولة وعن كل البلد.. وكذلك عن محيطها الجغرافي الذي لا يحصل من هذه “الدويلة” إلا على “الفُتات” في أعمال الحمالين والتاكسي!

على مدى سنوات وجوده على رأس شركة طيران الشرق الأوسط، وتحت رعاية حاكم مصرف لبنان آنذاك رياض سلامة، وعبر اعتماد الأسلوب نفسه الذي كان يعتمده سلامة في مصرف لبنان، ومن خلال التحصّن مرة بـ”الإستقلالية”، والهروب مرة إلى “الحماية الطائفية”، وتوسيع مروحة المستفيدين من “الخدمات” لتشمل سياسيين ورجال دين ومسؤولين عسكريين وأمنيين وصحافيين ومؤسسات إعلامية كبيرة، ألقى القبض على المطار، وطوّقه بسور مرتفع من السرية التي خبأت الصفقات والسمسرات خلف جدار سميك من الحمايات التي استطاع تأمينها.

كل شيء في المطار هو بقبضة الـ”ميدل إيست” شكلاً، وهو من “رعايا” محمد الحوت و”الدولة” التي أنشأها في مطار رفيق الحريري.

صفقات طائرات تشترى وتباع، وطائرات تُستأجر، وشركات متعددة لصيانة المطار والطائرات ولتقديم الخدمات والتاكسي والمطاعم والمقاهي وطعام الطائرات…

لا أحد يسأل كيف خسرت الدولة اللبنانية مطار رفيق الحريري!

كان هناك رياض سلامة يدير البلد من خلف مكتبه في المصرف المركزي، ويبدو أنه يديره اليوم، مباشرة من إقامته في فقرا، وبالواسطة عبر “أفضل تلامذته” في الـ”ميدل إيست” وفي غيرها من المؤسسات التابعة للمصرف المركزي.

لكن… هل يمكن الاستمرار بـ”سياسة النعامة” ودفن الرأس بالرمال؟

إذا كان حاكم المصرف المركزي بالإنابة وسيم منصوري يريد الإصلاح فعلاً، فإن عليه وضع يده فوراً على ما يحصل في الـ”ميدل إيست”، وأن يبدأ التدقيق الجنائي فيها، واكتشاف ماذا يقدّم من “عطايا” شهرية لسياسيين وإعلاميين ووسائل إعلامية، وهو يدرك أن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لا يستطيع في هذه المرحلة تأمين الحماية لأي ملف فساد، لأن العين على البلد مفتوحة جداً، وقد وصلت تقارير كثيرة عن وضع مطار رفيق الحريري إلى العديد من المؤسسات الدولية، فضلاً عن التقارير المرفوعة من أجهزة أمنية دولية وسفارات.

ربما تكون هذه لحظة مناسبة لأن يكون وسيم منصوري استثنائياً في مصرف لبنان، بدل أن يكون “تصريف أعمال” مرحلة عابرة فلا يترك أثراً بعد حين، أو حتى يصبح مسؤولاً عن كامل الارتكابات السابقة واللاحقة، مع أنه لا علاقة له بها!

هو يستطيع بما لديه من صفات وقدرات ومؤهلات… لكن.. هل يجرؤ؟

 زينة أرزوني

Leave A Reply