الاستحقاق على طاولة “الخماسية” واللبنانيون يفقدون كلمة القرار

أكثر الخلاصات التي خرجت بها الجولة الثالثة للممثل الشخصي للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، الوزير السابق جان – إيف لودريان، ولقاءاته اللبنانية، أنها عرّت الطبقة السياسية المتلطية وراء حسابات خاصة لا ترقى الى مستوى الاخطار التي لا تتهدد البلاد في أمنها واستقرارها فحسب وانما في كيانها ووجودها، الامر الذي عبّر عنه في شكل واضح وبليغ جداً قائد الجيش العماد جوزف عون على طاولة مجلس الوزراء، عندما حذّر من مخاطر تفلّت النزوح السوري الكثيف. وقد جاءت قبرص بالأمس لتعزز هذا الانطباع وتفاقم من حجم الاخطار، بتحذيرها دول الاتحاد الأوروبي من أن السدّ المنيع الذي شكّله لبنان في وجه الهجرة السورية في اتجاه دول أوروبا بدأ يتداعى.

كل هذا الكلام في مكان والقوى السياسية في مكان آخر، تحتسب مكاسبها وحصصها من أي تسوية رئاسية مقبلة من الخارج بعدما بات واضحاً ان الاستحقاق الرئاسي خرج من أيدي اللبنانيين، وأصبح رهينة التفاهمات الإقليمية والدولية.

من هنا، تكتسب لقاءات نيويورك على هامش الاجتماعات السنوية للجمعية العمومية للأمم المتحدة أهمية استثنائية، حيث سيكون للدول الخمس المعنية بالملف اللبناني مشاورات على ضوء التقرير الذي سيرفعه لودريان اليها بنتيجة مشاوراته اللبنانية.

اذاً، سيكون يوم غد الثلثاء يوماً مهماً لجهة تبيّن ما ستخلص اليه اللجنة الخماسية من توصيات تتصل بالاستحقاق اللبناني. وقد بات من المؤكد ان خريطة طريق المرحلة المقبلة سيرسمها بيان الخماسية بعد عجز القوى الداخلية عن التوصل الى تفاهمات تعبّد الطريق امام انتخاب رئيس للجمهورية، يؤدي في ما يؤدي اليه، الى انتظام عمل المؤسسات الدستورية بعد إعادة تكوينها، باعتبار ان لا سلطة تنفيذية أو تشريعية قادرة على العمل بانتظام في ظل الشغور الرئاسي، ويطلق في جانب آخر الورشة التشريعية الإصلاحية المطلوبة لوقف النزف الاقتصادي والانهيار المالي – المؤسساتي، والذي اعادت بعثة صندوق النقد الدولي التي زارت لبنان اخيراً التذكير به والمطالبة بلجمه.

وتكمن أهمية البيان المنتظر عن “الخماسية” لتبيان المسار الذي سيسلكه رئيس المجلس نبيه بري، من موقعه على رأس البرلمان والهيئة الناخبة. هو الذي يحمل مفاتيح أبواب المجلس، كما مفاتيح غرفة الانتظار التي تسبق وفي وسطها طاولة حوار لم تتبلور معالمها بعد. في أوساط عين التينة، ترقّب لما سينتج عن اجتماع نيويورك ليبنى على الشيء مقتضاه. فإذا تبنّى الاجتماع دعوة بري الى الحوار، فهو سيسارع فوراً الى تحديد موعدها، على ان تكون محددة بالزمان والمكان وتعقبها فوراً جلسة انتخاب الرئيس بدورات متتالية، وإلا، فإن البلاد تعود الى غرفة الانتظار، بحيث يطير الحوار وتطير الجلسات وتغرق الدولة في تحللها وعجزها عن مواجهة استحقاقات داهمة وخطيرة جداً تزعزع كيانها ووجودها.

في أوساط عين التينة، ارتياح كذلك للكلام “المدوزن” امس لرئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل الذي لاقى بري بموضوع الحوار لجهة موافقته على العناصر التي وضعها بري. وقد رأت تلك الأوساط في مواقف باسيل شيئا من القبول وليس الرفض، ما يمكن ان يؤسس للمرحلة المقبلة.

وعليه، تبقى الأنظار شاخصة الى نيويورك حيث تخرج كلمة السر سلباً او ايجاباً، علماً ان أوساطا سياسية مطلعة تؤكد ان الخارج يبدي حرصاً واهتماماً بالوضع اللبناني اكبر من الحرص والاهتمام الداخلي، المفقود اساساً لدى غالبية القوى، إما بفعل التشبث بسقوف عالية، واما بفعل قراءات ورهانات خاطئة، واما بسبب حالة انكار تامة لحجم الاخطار الوجودية. ولعل هذا ما يقف وراء تحرك ديبلوماسية الفاتيكان لمواكبة الحراك الفرنسي من جهة وحراك “الخماسية” من جهة أخرى.

 سابين عويس – النهار

Leave A Reply