حرائق النفايات تخنق اللبنانيين ولا أمل بحل قريب

مرت عقود من الزمن على أزمة النفايات في لبنان، ولم تنجح الحكومات المتعاقبة في وضع المشكلة على سكة الحل، ولكن ما يثير الاستغراب حاضراً، تلك الحالة من التكيف مع مشهد حرائق النفايات.

مع بلوغ مرحلة اليأس من الحلول المستدامة، انتقلت البلدات إلى الحلول السريعة، حيث تنتشر حرائق النفايات في كل مكان، وعلى سبيل المثال، تشير عملية الرصد والمعاينة التي حصلت خلال الأسبوع الأخير من أغسطس (آب) الفائت، أن الطريق بين قضائي زغرتا وطرابلس في شمال لبنان، شهد عمليات حرق منظمة للنفايات المكدسة على قارعة الطرقات، ويشكو المواطنون والمارة من رائحة البلاستيك والنايلون في الأرجاء. والأمر نفسه تكرر في المناطق الجبلية في الضنية، حيث تقع خزانات المياه الجوفية، كذلك أفاد مواطنون في عكار ومشيت عن عمليات حرق متكررة.

بحسب المديرية العامة للدفاع المدني، حرق النفايات بات يشكل ما نسبته 12 في المئة من مجموع الحرائق التي تعمل فرق الإطفاء على معالجتها بصورة يومية، وتوضح “تترافق هذه الحرائق مع ارتفاع كبير بالمكبات العشوائية التي أنشأتها البلديات لرمي النفايات من دون معالجة”. وترجح مديرية الدفاع المدني أن أكثرية الحرائق التي تقع في مكبات النفايات متعمدة، لأن عملية الاختمار تحتاج إلى مدة طويلة، وأحياناً سنوات لتصبح عرضة للاشتعال. وتنبه المديرية في مناطق الشمال مثلاً، من نفايات الحرب السورية التي قد تتضمن بقايا عتاد حربي، أو مواد خطرة تحتاج إلى معالجة، وتذكر بانفجار قنبلة في أحد المكبات العشوائية قبل فترة.

المديرية العامة للدفاع المدني تعمل في ظروف صعبة “مراكزنا تقاتل باللحم الحي، ولا نمتلك العتاد الكافي، ولا تتوافر الأقنعة الواقية بأعداد كافية، ولا مادة “الفووم” Foam التي يفترض استخدامها لمواجهة تلك الحرائق. نحن نعتمد على الهبات التي تصلنا من الخارج، والتي يمكن لحريق واحد استنزافها”.

الفاتورة كبيرة صحياً وبيئياً

تتكرر الشكوى لدى البلديات واتحاداتها التي أصبحت مداخيلها من الصندوق البلدي المستقل غير كافية لتسديد أجور موظفيها، فهي تحاول أن ترفع عن نفسها مسؤولية الحرائق، لتضعها في خانة المواطنين الذين يحاولون التخلص من الأكوام التي تشكل حاضنة للقوارض، وينظر خبراء البيئة والصحة بقلق كبير لما يحدث في لبنان لأن آثار حرق النفايات طويلة الأجل ولا يمكن التعافي منها بسهولة.

يجزم الخبير البيئي جلال حلواني أن حرق النفايات دونه أخطار كبيرة “لا يمكن المعرفة المسبقة لتركيبة تلك النفايات في المكبات العشوائية، ويمكن توقع وجود نفايات خطرة”، لافتاً إلى أن ” حرق النفايات المنزلية، التي تتضمن البلاستيك سيؤدي إلى انتشار مواد مسرطنة، وتحديداً غازات الديوكسين، والفوران، كما يمكن أن تضم النفايات مواد كيماوية خطيرة كالطلاء والأدوية، والزيوت، لذا فإن حرقها يتسبب بانبعاثات غازية تضرب مباشرة جسم الإنسان الذي يتنشقها”.

يشير حلواني إلى أثر عمليات الإحراق في جودة المياه، “تعود الغازات المنبعثة والحبيبات المتناثرة من الحريق إلى الأرض مع الأمطار المتساقطة، وهي ستلوث المياه السطحية، كما تترسب العصارة السائلة، وتختلط بالمياه الجوفية وتلوثها”.

يصنف حلواني حرق النفايات ضمن خانة “الكوارث الكبرى التي ابتلي فيها مجتمعنا، فهم يحرقون النفايات ظناً منهم أنهم يتخلصون منها”، مشدداً “لا حل للنفايات إلا من خلال فرزها، ومعالجتها، وتحويل النفايات العضوية مواد مخصبة للتربة، والمواد غير العضوية يعاد تصنيعها واستعمالها”.

خطة متكاملة

ترخي أزمة النفايات بظلالها، ولجأت الحكومات المتعاقبة إلى أسلوب تأجيل الحل، والتمديد للمكبات القائمة، وأخيراً، أعلن وزير البيئة ناصر ياسين عن إطلاق مشروع جديد لـوقف المكبات العشوائية للنفايات والحد من الانبعاثات والملوثات السامة الناتجة من الحرق العشوائي في مناطق عكار والجنوب، وأشار ياسين عبر حسابه الرسمي على منصة “إكس” إلى العمل على تحسين إدارة النفايات الصلبة في المناطق التي تعاني منذ سنوات طويلة، بعد حصول لبنان على مبلغ 8.8 مليون دولار، على شكل هبة من مرفق البيئة العالمي عبر البنك الدولي.

من جهة أخرى، يتمسك وزير البيئة ناصر ياسين بـ “خريطة طريق إدارة النفايات الصلبة في لبنان للسنوات 2023-2026″، التي تهدف إلى “إرساء إدارة متكاملة للنفايات الصلبة”. وبحسب المذكرة التقنية، تقوم خريطة الطريق على ثلاث ركائز أساسية، حوكمة القطاع، وتعزيز فرز وتحويل النفايات، والاستثمارات الأساسية في منظومات النفايات الصلبة.

وجاء في المذكرة التي حصلت عليها “اندبندنت عربية” أن قطاع النفايات المنزلية الصلبة تاريخياً، “من بين قطاعات الخدمات العامة التي تعاني نقصاً على مستوى الشفافية والفعالية، والاستدامة. ففي عام 2018، قدرت الكلفة الإجمالية للقطاع بنحو 180 مليون دولار أميركي سنوياً، كما بلغت كلفة التدهور البيئي الناتج منه حوالى 300 مليون دولار أميركي في عام 2018”.

تعِد خريطة الطريق التي أطلقتها وزارة البيئة، بتحقيق الحوكمة من خلال تطوير وتنفيذ المراسيم والمقررات ذات الأولوية لتنفيذ قانون الإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة رقم 80 الصادر في 2018، واستحداث الهيئة الوطنية لإدارة النفايات الصلبة، إضافة إلى تطوير نظام معلومات وطني لإدارة النفايات والبناء على المبادرات الحالية، وإعداد خطط محلية، كما تسعى الخريطة إلى تعزيز الفرز وتحويل النفايات، وزيادة عمليات الفرز من المصدر إلى أقصى حد على مستوى المنازل، وتحويل النفايات التجارية وتوقيع اتفاقيات بين المؤسسات وجامعي النفايات، ناهيك عن مضاعفة عدد مراكز جمع وفرز النفايات، كما تؤكد الخريطة على تحسين جمع ونقل النفايات، وإنشاء وإعادة تأهيل البنية التحتية اللازمة لمعالجة النفايات والتخلص منها.

بشير مصطفى – اندبندنت

Leave A Reply