تطمينات سعوديّة لبنانيّة: هل تحتوي الهواجس من التصعيد؟

في الوقت الذي يعيش فيه لبنان هدنة هشة فرضها إيقاع تأجيل البحث في الاستحقاقات الداخلية، إن في شأن الحوار الوطني أو انتخاب رئيس للجمهورية، خرقت اشتباكات مخيم عين الحلوة حال الجمود على المشهد الأمني، ليس من باب أسبابها وحيثياتها وأبطالها فحسب، بل أيضاً من باب التحذيرات الخليجية المفاجئة التي صدرت محذرة رعايا دول الخليج من المجيء الى لبنان، كما الابتعاد عن مناطق الاشتباكات. وقد أخذت هذه التحذيرات أبعاداً جدية أربكت المشهد الداخلي في محاولة تقصٍّ لخلفياتها وأهدافها، خصوصاً أن توقيتها لا يمكن فصله عن مرحلة الهدوء التي تسبق عاصفة استحقاقات شهر أيلول المقبل.

لم يتوقع الوسط السياسي أبداً أن تتجه دول الخليج بقيادة المملكة العربية السعودية في هذه المرحلة بالذات نحو تصعيد موقفها تجاه لبنان، وهو على مسافة أسابيع قليلة من حلول أيلول، موعد استئناف تحرك الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان تنفيذاً لمقررات اجتماع الدول الخمس في الدوحة قبل أقل من شهر.

تباينت القراءات والتحليلات في الوسط السياسي المحلي لتلك المواقف وسط غياب لافت لأيّ فهم لحقيقتها وخلفياتها. وقد جاء كلام كل من رئيس المجلس نبيه بري والنائب السابق وليد جنبلاط بعد لقائهما أول من أمس ليعبّر عن حالة الضياع وعدم الفهم هذه، إذ حرص الرجلان على الإعراب عن استغرابهما للتحذيرات الخليجية في الوقت الذي بدأ يعود فيه الهدوء الى المخيم.

تفاوتت القراءات بين من يرى في تلك التحذيرات ضغطاً خليجياً على لبنان بهدف تضييق الخناق على “حزب الله”، المتورّط في أحداث المخيم، وبين من يضعها في خانة المخاوف من تفلت الوضع الأمني ما يستدعي تحذير الرعايا. ولكن مهما تكن القراءة الأصح للواقع، فالأكيد أن تلك التحذيرات لا تأتي في سياق تحذيرات روتينية تتصل بتطورات أمنية، ولا هي تقف عند استحقاق محلي يتصل بالرئاسة اللبنانية، بل هي تذهب أبعد لتشكل عنصراً ضاغطاً في الصراع الإقليمي، وتوجّه رسالة واضحة حيال عملية خلط الأوراق التي تجريها السعودية حيال اتفاقها مع إيران، بعدما بيّنت التطورات الإقليمية الأخيرة تراجع هذا الاتفاق وعودة العلاقات الى المربع الأول. وهذا سيرتب على لبنان العودة بدوره الى مربّع الأزمة الأول، مع تراجع احتمالات نجاح حراك الموفد الرئاسي الفرنسي، قبل اتضاح الأرضية الجديدة للعلاقة السعودية الإيرانية من جهة والأميركية الإيرانية من جهة أخرى.

في الانتظار، سيدخل لبنان في الأسابيع القليلة المقبلة مرحلة حساسة ودقيقة جداً سياسياً وأمنياً رغم المساعي الرسمية لاحتواء مفاعيل تداعيات أحداث عين الحلوة. وقد جاء الاحتواء على خطين الأول لبناني حيث حرص رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي خلال جلسة مجلس الوزراء أمس على التقليل من أهمية تلك التداعيات بهدف التخفيف من حدة التحذيرات الخليجية، إذ طمأن دول الخليج الى أن معطيات الأجهزة الأمنية لا تدل على أي وضع أمني استثنائي، واصفاً ما يحصل في المخيّم بالاضطراب الأمني، كاشفاً عن أن اجتماعه بالقيادة الفلسطينية ومسؤولين أمنيين لبنانيين أول من أمس خلص الى الاتفاق على آليّة معيّنة التزم بها الفلسطينيون، وأصدروا بياناً في شأنها. وجاء كلام ميقاتي متزامناً مع تطمينات مماثلة لوزير الداخلية والبلديات بعد اجتماع مجلس الأمن المركزي حيث أكد رفض جعل لبنان منصّة للرسائل الإقليمية، مؤكداً عدم وجود معطيات أمنية مقلقة.

كذلك ترافق كلام ميقاتي مع معلومات عن زيارة سيقوم بها عضو اللجنة المركزية لحركة “فتح” عزام الأحمد موفداً من الرئيس الفلسطيني محمود عباس مكلفاً بالملف اللبناني الى عين التينة حيث سيلتقي الرئيس بري، وهو التقى أول من أمس ميقاتي. وبحسب مصادر حكومية، فإن المصلحة اللبنانية تقتضي اليوم الدفع نحو التهدئة، على نحو يسحب الذريعة الأمنية من يد الخليج، ويدفع نحو تبيان حقيقة الخلفيات التصعيدية، خصوصاً أن لا مصلحة على الإطلاق للبنان في أن يُستدرج نحو إثارة الشكوك والارتكابات والشبهات، على نحو يقع فيه ضحيّة للصراع الإقليمي الحاصل من البوابة الفلسطينية على الأراضي اللبنانية. ذلك أن البيانات الخليجية لا تقف عند حدود المخيمات بل تذهب أبعد في اتجاه من يقبع ويحرّك المشهد الخلفي لعين الحلوة.

المحور الآخر سعودي، عبّر عنه السفير السعودي وليد البخاري مخففاً من حدّة البيانات التحذيرية، مطمئناً الى الموقف الثابت للمملكة تجاه لبنان. وهو حرص على توجيه رسالته بعد الارتباك الذي أثاره بيان المملكة، وهو الأكثر حدة مقارنة مع البيانات الخليجية الأخرى، إذ قال أمس أمام وفد زاره إن المملكة حريصة على الموسم السياحي في لبنان وإن التحذيرات جاءت على خلفية أحداث عين الحلوة، انطلاقاً من الحرص على الرعايا السعوديين أينما وجدوا، ولا يمكن أن تفرّط بهذا الموضوع، مشيراً الى أن المملكة كانت وستكون من أهم المشجّعين للسياحة في لبنان، وأن الفترة المقبلة ستثبت ذلك، إن توصّل اللبنانيون الى حلّ أزمتهم.

سابين عويس – النهار

Leave A Reply