الغبار المسرطن من الشمال إلى كلّ لبنان؟

يشكل «الغبار المنقول جواً» القلق الأكبر للوكالات الطبيّة المتخصّصة بأمراض السرطان. وتصف الوكالة الدولية لبحوث السّرطان الغبار الناتج عن الصناعات الثقيلة بـ«المسرطن للإنسان». في لبنان، تعتبر المنطقة الصناعية في الشمال، شكا تحديداً، «مساهماً أساسياً في تلوّث الهواء بالغبار». في هذا السّياق، سجّلت منظمة «غرينبيس الدولية»، في تقريرها حول جودة الهواء الصادر في تشرين الأول 2022، نحو 162 يوماً يتجاوز خلالها التلوث بـ«الجسيمات الدقيقة» الحدّ المسموح به في كفرحزير، قرب معمل «هولسيم»، ما يعني أن هواء المنطقة يكون ملوثاً في 62% من أيام السنة. وفي الفيع، قرب معمل «ترابة السبع»، وبعد رصد لـ107 أيام، تبين أن 85 يوماً تجاوزت فيها الملوثات الحد المسموح به، أي أنه في 79% من وقت الرصد، كان الهواء ملوثاً.

على أرض الواقع، سجّل جهاز الرصد في كفرحزير حداً أقصى بلغ 69 ميكروغراماً من «الجسيمات الدقيقة» متجاوزاً بأشواط الحد المسموح به عالمياً. والأمر لا يختلف في الفيع، إذ سجّلت أرقام وصلت إلى 56 ميكروغراماً. وبلغ متوسط تركيز المواد المسرطنة خلال فترة الرصد في النقطتين 22 ميكروغراماً متجاوزاً بشكل دائم الحد المقبول به عالمياً والبالغ 5 ميكروغرام من «الجسيمات الدقيقة» لكلّ متر مكعّب من الهواء. وهنا، تحذّر الـ«غرينبيس» من «التلوث بالجسيمات الدقيقة» أو ما يعرف بـ«الغبار المجهري»، إذ يعتبر أخطر بأشواط من الملوثات الكيميائية، أو الانبعاثات الصادرة عن مداخن المصانع والمولدات.

فبحسب توصيات منظمة الصحة العالمية، والقانون 78/2018 اللبناني المتعلق بـ«حماية نوعية الهواء»، لا يجب أن يزيد تركيز «الجسيمات الدقيقة» التي يقل قطرها عن 2.5 ميكرومتر، عن 5 ميكروغرامات في كل متر مكعب من الهواء، وذلك على مدى سنة كاملة. وفي حال الزيادة، لا يجب أن تتجاوز الـ «15 ميكروغراما للمتر المكعب من الهواء، لمدة 4 ساعات فقط». «الجسيمات الدقيقة» التي يقل قطرها عن الـ 2.5 ميكرومتر تشكل خطراً كبيراً على الصحة لقدرتها على الدخول إلى الشّعَب الهوائية داخل الرئتين، والتراكم داخلهما، يؤدي لأمراض مستعصية كسرطان الرئة.

لبنانياً، المسؤول الأساسي عن «الغبار المسرطن» هي الصناعات الثقيلة التي تستلزم تكسير وطحن وحرق الصخور. وأبرز المصانع الموضوعة تحت مجهر المراقبة، مقالع ومعامل إنتاج الإسمنت التي تقوم آلاتها بـ«إنتاج مواد شديدة الخطورة على الصحة العامة لسكان القرى المحيطة والعاملين فيها». وتتركز هذه المصانع في لبنان في 3 مناطق بشكل أساسي: سبلين، شكا وكفرحزير.

كما بيّنت قراءات أجهزة الرّصد أنّ الانبعاثات في المنطقة لا تقتصر على «الجسيمات الدقيقة»، بل تشمل أيضاً «الغازات الناتجة عن عمليات حرق النفايات، والعمليات الكيميائية المستخدمة في مصانع الإسمنت». هذه الملوثات، بحسب التقرير، ستؤدي في القادم من الأيام لمشاكل صحية على مستوى المنطقة، لقربهما من مدينة طرابلس، والانفتاح الطبيعي على سلسلة الجبال الغربيّة. ولن يقف الخطر عند الحدود اللبنانية، بل يتعداه للإقليم، فـ«الأجسام الدقيقة ستتحرك وفقاً لحركة الهواء، ما يمكنها من الانتقال نحو أماكن أبعد لتوسّع دائرة الخطر».

فؤاد بزي – الأخبار

Follow Us: 

Leave A Reply