التسوية القادمة والفرص الضائعة / غسان همداني

“في السياسة ليس هناك عدو دائم أو صداقة دائمة، هناك مصلحة دائمة” شعار أطلقه رئيس وزراء بريطانيا عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، ليختصر بهذا الشعار أصول اللعبة السياسية، لا بل أصول تعاطي الناس فيما بينهم، وعليه فإن السياسة في الأساس صراع من أجل المصالح، والمصالح فحسب.
وفي صراع المصالح تتبدل التحالفات والخصومات، فصديق اليوم قد يصبح عدوا غدا، وخصم الأمس قد يتحول الى صديق اليوم.
السياسي الناجح من يقرأ الوقائع جيدا، ويحاول التأقلم مع التغيرات، والانحناء أمام العاصفة، أو التخفيف من الحدة في الخطاب والمواقف، فالمثل الشائع يقول: ” عند تغير الدول احفظ رأسك”، وربما يكون الوزير وليد جنبلاط الأكثر قدرة على التقاط هذه التغيرات والتماهي معها.
أما من يركب رأسه، ويحاول أن يواجه رياح التسوية فستقتلعه أعاصيرها، وترمي به الى الهاوية.
وحتى لا يفهم كلامنا انبطاحا، أو نفاقا، او تخلي عن المبادئ، نقول ان الشجاعة تختلف عن التهور، والانتحار ليس بطولة بل غباء.
القوى المسيحية في لبنان لم تتعلم من دروس الماضي، خاصة الماضي القريب، فمع بوادر التوافق العربي والدولي على انهاء الحرب الأهلية في لبنان، واجتماع النواب اللبنانيين في الطائف برعاية المملكة العربية السعودية، وبغطاء عربي وغربي، والعمل على صياغة اتفاق ينهي الحرب، برزت في الساحة المسيحية مواقف رافضة لهذا الاتفاق، وخاض البعض حروبا في الساحتين المسيحية والإسلامية، بينما انكفأت باقي القوى المسيحية عن المشاركة في الحياة السياسية ، خاصة في الانتخابات النيابية التي أجريت بعض الاتفاق، ترشيحا واقتراعا، فيما سمي بالإحباط المسيحي، ما انعكس سلبا على المسيحيين لفترة من الزمن.
اليوم، بدأت تتغير الظروف السياسية في المنطقة وتتبدل التحالفات والخصومات، فبعد التسوية التي حصلت بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية في إيران، وبعد الانفتاح العربي على سوريا، والعمل على انهاء الخلاف بين سوريا وتركيا، سيتغير المشهد السياسي في لبنان، والبحث عن حل للازمة السياسية والاقتصادية التي يعاني منها، وذلك بالاتفاق بين الدول الإقليمية والغربية التي لها ثقل سياسي في لبنان.
بوادر هذا التغير ظهرت في تلطيف الموقف السعودي من انتخاب رئيس للجمهورية، وتحديدا من الوزير سليمان فرنجية، اذ أعلن السفير السعودي في لبنان ان لا فيتو على الوزير فرنجية، ما يعني فتح الباب أمام تسوية قد تكون هي نفسها المبادرة الفرنسية.
الدول ليست جمعيات خيرية، ولا تعطي بالمجان، وعليه فإن السعودية أو إيران أو سوريا أو الدول الغربية إن أعطت باليمين فلتأخذ بالشمال، من هنا تتمهل السعودية عن الدخول في التسوية بانتظار تبلور عودة سوريا الى الجامعة العربية بدعم منها، وزيارة الرئيس بشار الأسد الى السعودية لحضور القمة العربية، للتباحث معه على انجاز التسوية في لبنان، وضمان مصالح الطرفين من هذه التسوية، والتي إن حصلت فسيكون من نتائجها وصول الوزير سليمان الى سدة الرئاسة.
ان مواقف رئيس القوات اللبنانية المتشنجة تبدو نابعة من قراءة واضحة لمعالم التسوية، او نتيجة تلقي معلومات واضحة عن هذه التسوية، ما ولَد “نقزة” لديه، جعلته يرفع الصوت اعتراضا، إما اقتناعا منه بقدرته على تعطيل هذه التسوية، أو رفع سقف الخطاب المعارض عله يحصل على جوائز ترضية أكثر من غيره.
ان التسوية قادمة لا محالة، قد تتأخر قليلا بانتظار نضوج “الطبخة”، فمن يلتحق بها ينجو ومن يتخلف عنها سيدفع الثمن، ومن لم يتعظ من الذي حصل بعد اتفاق الطائف، ان كان على مستوى القيادات المسيحية المعارضة للاتفاق، او على مستوى الإحباط المسيحي، يكون قد ضيع على نفسه وعلى المسيحيين فرصة قد لا تعوض.

Leave A Reply