John Wick: Chapter 4.. عندما تكون حياة الكلب أغلى من البشر!

هذا الفيلم عيد لمحبي أفلام الأكشن والقتال. ساعتان و45 دقيقة من المعارك التي لا تتوقف، إلا قليلاً، كأنك تشاهد نهائي كأس العالم في أفلام الأكشن.

“John Wick: Chapter 4″، هذا هو اسم الفيلم، ببساطة، من دون أن يحتاج إلى عناوين براقة، فجمهوره لا يحتاج إلا لمعرفة أن جون ويك، أو كيانو ريفز، عاد للعمل مرة أخرى، وذلك بعد 4 أعوام من الانتظار.

كان يفترض أن يعرض الفيلم (أو الفصل) الرابع منذ عامين، لكن تأجل تصويره وتاريخ عرضه لعدة أسباب منها عرض الفصل (أو الفيلم الرابع) من سلسلة “The Matrix”، والتي يلعب بطولتها كيانو ريفز أيضاً، ثم حلول جائحة “كوفيد 19″، وما تتبعها من توقف صناعة السينما.

الأكشن من “Matrix” إلى “John Wick”

قد شكلت ثلاثية “The Matrix” (من 1999 إلى 2003) ظاهرة غيرت تاريخ سينما الأكشن، ونقلت النوع إلى مستويات جديدة، وكان أحد أسباب نجاحه المضمون الفلسفي والأسطوري للثلاثية التي تنبأت بمصير البشرية مع حلول عصر الذكاء الاصطناعي (وهي نبؤة نراها تتحقق بالتدريج كل يوم).

لا تشغل سلسة “John Wick” نفسها بالأسئلة عن الفارق بين الواقع والواقع الافتراضي، ولا بقدرة الإنسان على تحدي قوانين الطبيعة، أو بهيمنة الآلة على البشر، لكنها تستبدل هذه الأسئلة بصور يتجسد فيها ذوبان الحدود بين الواقعي والسريالي والمنطقي والخيالي والطبيعي والخارق للطبيعة.

مثل “The Matrix”، تشكل سلسلة أفلام “John Wick” ظاهرة سينمائية، وإن كانت أكثر استعصاء على الفهم والتفسير.

وأول عناصر هذه الظاهرة كيانو ريفز، الذي أصبح واحداً من أنجح وأشهر نجوم الأكشن، بالرغم من أن مقوماته الجسدية وملامحه لا تشبه أبطال الأكشن التقليديين، ولكن أهم ما يملكه ريفز هو ملامحه الفريدة بين نجوم السينما، والتي تؤهله للعب أي جنسية، إذ ينحدر من أصول مخلطة: كندا، بريطانيا، هاواي، البرتغال والصين، بجانب كونه مولود في لبنان ويحمل الجنسية الأمريكية، هذه الملامح يدعمها أيضا وسامة وبراءة ومعاناة تبوح بها عيناه، تضمن تعاطف الجمهور معه في شتى المواقف.

بدأ ريفز حياته المهنية في هوليوود بلعب العديد من الأدوار المختلفة، من المحامي البريطاني جوناثان هاركر في “Bram Stoker’s Dracula” إلى النبي الهندوسي بوذا في “Little Buddha”، ولكن شهرته الكبيرة جاءت من خلال فيلم “Speed”، حيث لعب دور أخصائي متفجرات عليه أن يعثر على قنبلة موقوتة ويقوم بإبطال مفعولها داخل أتوبيس يتحرك بسرعة هائلة.

حقق الفيلم الذي تكلف 30 مليون دولار ما يزيد عن 350 مليوناً، ودشن ريفز كواحد من كبار نجوم الأكشن، ووصل ريفز إلى قمة نجاحه بثلاثية “The Matrix”، ولكن بسبب خلافه مع شركة “فوكس” لرفضه المشاركة في جزء ثان من “Speed” تعثرت مسيرته لسنوات قبل أن تنطلق مجددا مع “John Wick” عام 2014 وهو في عمر الخمسين، ومن الطريف أنه لم يزل يلعب أدوار البطل الخارق وهو على أعتاب الستين.

السر وراء ريفز

يكمن سر تفوق ريفز في الأكشن في اسم تشاد ستاهلسكي، الذي كان بديلا (دوبليراً) لكيانو ريفز في الحركات الخطرة في ثلاثية “The Matrix”، وقد أسس ستاهلسكي شركة متخصصة في توفير ممثلي الحركات الخطرة، الذين يطلق عليهم “Stunts”، ثم أسس شركة إنتاج سينمائية واتجه إلى الإخراج، وهو منتج فيلم الأكشن “The Man of Tai Chi” الذي قام ريفز بإخراجه (2013)، كما أنه مخرج الأفلام الأربعة من سلسلة “John Wick”.

ستاهلسكي بحكم تخصصه لا يعنيه موضوعات الأفلام أو القصة والسيناريو، بقدر ما يعنيه الإبداع في مشاهد الأكشن، والإتيان بما لم يأت به الأوائل في هذا المجال، وهذا بالتحديد مضمون وهدف ورسالة الأفلام الأربعة من سلسلة “John Wick” التي تبدو وكأنها مشهد أكشن طويل.

ومثلما هو الحال في الأجزاء الثلاثة السابقة، وأكثر، يتكون “John Wick 4” من خط سردي بسيط، يتمحور حول الانتقام، ولكن هنا يصبح “ويك” الضحية التي تطاردها عصابة “الطاولة العليا” العالمية للانتقام منه، وهذه العصابة تفوق الأمم المتحدة وعصبة الأمم وأقوى حكومات العالم بمخابراتها وجيوشها في القوة والثروة والهيمنة.

يبدأ الفصل الرابع، مثلما بدأ الجزء الثالث، بـ”جون ويك” طريداً، يسعى إلى الحصول على عفو من عصابة “الطاولة العليا”، فيهرب إلى الصحراء المغربية حيث يقطن “كبير” الطاولة، وهو شيخ عربي يتخذ من الصحراء القاحلة مسكناً، وعندما يرفض أن يمنح “ويك” العفو، يقتله، ويبحث عن وسيلة أخرى لنيل العفو.

في الوقت نفسه يقوم الماركيز الذي يترأس العصابة الدولية برفع قيمة الجائزة المخصصة لمن يقتل “ويك”، ويبتز أحد زملاء “ويك” القدامى بابنته ليشارك في مطاردة “ويك”، ومن العجيب أن هذا القاتل أعمى، لكنه يجيد القتال وإطلاق النار أكثر من كل البشر (يلعب الدور الكوري دوني ين، وهو نفسه لاعب قتال يدوي ومتخصص حركات خطرة، تحول إلى واحد من أشهر مخرجي أفلام الأكشن في كوريا)!

بطلا الفيلم، إذن، هما قاتل متقاعد مسن، وقاتل سابق، أعمى حالياً، ولكنهما قادران على تحدي وقتل جيوش كاملة من البشر.

منذ اللحظة الأولى للفيلم، وعلى مدار 160 دقيقة، أو يزيد، يتعرض “جون ويك” لمطاردة مئات، إن لم يكن آلاف القتلة، في كل أنحاء العالم، من نيويورك لمراكش لطوكيو لألمانيا لباريس.

إنه يسير في شوارع كل هذه المدن، كاشف الوجه، بلحيته الخفيفة وسترته السوداء المميزة، وكل الناس يعرفون هويته (يبدو أنهم شاهدوا الأجزاء الثلاثة السابقة!)، وكل طامع في قيمة الجائزة التي تتجاوز 20 مليون دولار، يحمل سلاحه ويطارده.

و”جون ويك” يقاتل كل هؤلاء المدججين بالسلاح بمسدسه وحركات المصارعة والكونج فو وينتصر عليهم. ورغم أن “الطاولة العليا” تملك العالم كله حرفياً، إلا أن أحداً لم يفكر في استخدام مدفع ضخم أو قنبلة كبيرة أو دبابة ليدهس بها هذا المطارد الوحيد الذي يسير على قدميه.

من أجل كلب!

تقوم حبكة سلسلة أفلام “John Wick” على الانتقام لمقتل كلب تركته أرملة البطل له قبل موتها، وهو ما يدفعه إلى قتل عشرات الأشخاص وتدمير مخزن تقدر محتوياته بعشرات الملايين، ما يؤدي بالضرورة إلى مزيد من العنف الذي يؤدي إلى موت المئات.

في الأفلام الأربعة تتكرر فكرة أن الكلاب أهم من البشر، في الفيلم الثالث تقرر عضوة العصابة المغربية صوفيا الأزور أن تنقلب على العصابة وتساعد “ويك” عندما يقوم أحد قادة العصابة بقتل كلبها.

وفي أحد المشاهد تسأل إحدى الشخصيات “جون ويك” هل فعلت كل هذا الدمار من أجل كلب، فيجيبها بأنه لم يكن كلباً عادياً.

الطريف أن الأفلام الأربعة تتعاطف جداً مع الكلاب، حتى المدرب منها على القتل، بينما تتعامل مع مقتل البشر كشئ عادي.

والغالبية الساحقة من الضحايا الذين يتساقطون في الأفلام الأربعة يبدون أشبه بشخصيات الـ”بلاي ستيشن”، التي ليس لها روح أو وجه، فقط هناك القليل من الحزن على أصدقاء وحلفاء البطل، والكثير من الشماتة والشعور بالارتياح لمقتل أعداءه.

وأطرف وأغرب ما في “John Wick 4” هو أن القاتل المحترف “مستر نوبادي” الذي يطارد “ويك” طوال الفيلم، يبكي ويقرر أن ينضم إلى “ويك” عندما يقوم الأخير باطلاق النار على أحد “المجرمين” ليمنعه من قتل كلب “مستر نوبادي”.

فيما بعد يقتل هذا “المجرم” ويقوم الكلب بالتبول على رأسه، مشهد يستهدف إثارة ضحك المشاهدين، لكنه محزن ومؤسف إذا نظرنا إلى كيفية تعامل الفيلم مع الحياة البشرية.

وداعا للمنطق

..ولكن لا تسأل عن المنطق أو المصداقية أو الإنسانية في “John Wick” حتى لا تُتعب نفسك، اعتبر نفسك داخل لعبة “بلاي ستيشن”، لها قواعدها، وأهم هذه القواعد أن قوانين الفيزياء والبيولوجي ليس لها وجود.

في “The Matrix” كان هذا مبرراً درامياً وذهنياً (إذ تعيش الشخصيات داخل واقع افتراضي غير حقيقي)، ولكن هنا لا يشغل الفيلم نفسه بتبرير أي شئ، بل يبتهج، ويسعى إلى إبهاج جمهوره، من خلال كسر المنطق، والتركيز على الكيفية التي يصنع بها معارك ممتعة أشبه برقصات الباليه.

وبالفعل يستخدم الفيلم الموسيقى الكلاسيكية والحديثة ورقص الباليه والرقص الحديث، وسط دوران المعارك، ليؤكد فكرة أن على المتفرج مشاهدة الفيلم ومعاركه كما يشاهد استعراضاً راقصاً.

من هذه الزاوية ينجح “John Wick 4” في نقل سينما الأكشن إلى مستويات جديدة من الصعب على أي صانع فيلم قادم أن يتجاوزها، وهناك بعض المعارك ستدخل تاريخ سينما الأكشن، مثل المعركة قبل الأخيرة، التي تحدث على سلالم كنيسة “الساكر كير” في باريس، والتي صنعت على ما يبدو كمحاكاة لمعركة سلالم الأوديسا الشهيرة في فيلم “Battleship Potemkin” لسيرجي أينشتين (1925).

في بناءه للمعارك المتجاوزة للواقع يركز الفصل الرابع من “John Wick” على استخدام بعض العناصر السينمائية التي تؤكد الصورة والمعنى، وعلى رأسها الأماكن التي تدور فيها هذه المعارك، فعلى الرغم من أنها مواقع معروفة، وسياحية، إلا أنها تستخدم كخلفية تاريخية غرائبية، يتم تفريغها من واقعيتها، وتتحول إلى ما يشبه الحلم، ويساعد عنصر التصوير على ابراز الفكرة من خلال إضاءة وألوان وزوايا تحول المكان إلى لوحة سيريالية شبيهة بالأحلام.

يحمل “John Wick” الرابع كل تراث سينما الأكشن، من الكونغ فو والمصارعة وقتال الشوارع والبنادق والسيارات وحتى المبارزة وجها لوجه على طريقة العصور الوسطى وأفلام الكاوبوي، ولكنه يحمل أيضا صورة عما يمكن أن تصبح عليه أفلام الأكشن مستقبلاً.

وإذا كان لهذا الفيلم هدف، فمن المؤكد أنه سيمثل دعماً كبيراً لأصوات المطالبين بادراج جوائز فنية لممثلي الحركات الخطرة (stunts)، الذين، بالفعل، يحملون بعض الأفلام على أكتافهم.

Follow Us: 

Leave A Reply