السبت, مايو 18
Banner

“يستضيفون الصرافين ويذلون الناس على الأبواب”.. نائب لبناني يقتحم مصرفا

أقدم نائب في البرلمان اللبناني على اقتحام مصرف في مدينة صيدا جنوبي البلاد، للمطالبة بتحرير وديعة مالية محتجزة في إطار القيود المشددة التي تفرضها المصارف اللبنانية، منذ عام 2019، على عمليات السحب من الودائع بعد وقوع لبنان في أسوأ أزمة اقتصادية عرفها تاريخه.

وفي التفاصيل، دخل النائب شربل مسعد، المحسوب على قوى التغيير في مجلس النواب اللبناني، إلى البنك اللبناني للتجارة في مدينة صيدا، للمطالبة بتحصيل وديعة شقيقه المالية المحتجزة في المصرف، حيث اعتصم بداخله إلى جانب شقيقه، مطلقا سلسلة من الانتقادات ضد المصارف ومصرف لبنان وطريقة إدارة الأزمة المالية على حساب المودعين.

وسرعان ما ضجت البلاد بخبر اقتحام النائب للمصرف، لما يحمله الأمر من مفارقة ودلالة على الواقع الذي بلغته الأمور في لبنان.

“يذلون المواطن ويستضيفون الصرافين”

بالنسبة إلى سعادة ما جرى “ليس اقتحاما” وفق ما يؤكد في حديثه لموقع “الحرة”، وإنما دخول سلمي إلى المصرف بعد انتظار دام لنحو ثلاث ساعات لم يسمح خلالها للنائب بالدخول. ويضيف مسعد “كنا قد توجهنا منذ البداية إلى المصرف بكل محبة لحل خلاف حول وديعة، فتفاجأنا بأنهم لم يفتحوا الباب لنائب عن الأمة يمثل الناس، فيما يفتحون أبوابهم للصرافين غير الشرعيين على الطرقات الذين يتاجرون بالدولار”.

ويتابع “وقفت ثلاث ساعات وأنا أرى الصرافين يدخلون ويخرجون بحقائب الأموال، ونحن نقف على قارعة الطريق العام ننتظر إذن الدخول، ولم يأت، فانتظرنا موعد خروج الموظفين ودخلنا إلى المصرف بشكل عادي جدا لا بالقوة ولا اقتحام ولا شيء من هذا القبيل”.

وأضاف “في الداخل كان الصرافون يجلسون وتُقدم لهم القهوة والضيافة، ولدي صور تثبت ذلك سأضعها بتصرف أي تحقيق يطلبها، وآخر همهم الناس في الخارج، فإذا كان التعامل مع نائب عن الأمة بهذا الشكل المذل، فما بال المواطن والشعب المسكين؟”.

وعلى الفور، حضر إلى المكان عناصر من مخابرات الجيش اللبناني وأمن الدولة وقوى الأمن الداخلي، فيما أصر مسعد على البقاء داخل المصرف وأجرى سلسلة اتصالات مع مسؤولين من داخله حيث اعتصم لنحو ثلاث ساعات.

“بعد جهد جهيد تواصل معي أحد من إدارة المصرف، ووعدنا أن يوم الإثنين سوف يحل الموضوع وستتخذ الإدارة قرارا بشأنه”، يؤكد مسعد، “ولأننا لسنا هواة مشاكل غادرنا وسنعود الإثنين قبل الظهر إلى أمام المصرف، على أمل أن تحل المشكلة سلميا، وإلا فإنني أدعو جميع المواطنين والمودعين إلى التحرك وعدم السكوت أو القبول بالفتات الذي تسمح المصارف بسحبها شهريا”.

طفح الكيل.. يكفي انتحاراً

ويرى النائب اللبناني أن للمودعين حقوقا على المصارف، “لا نتحدث عن شيء مخالف للقانون في هذا الجانب، ما نطلبه إعطاء الناس حقوقها، الناس تذل يوميا وتنتحب على أبواب المصارف ولا تملك ثمن دواء فيما أموالهم محتجزة في الداخل”.

ويشدد على أن الشعب “كفر وجاع وتبهدل”، معتبرا أن واجب النائب الوقوف إلى جانب هذا الشعب، “للأسف أوصلونا إلى مرحلة بات المواطن مجبورا أن يتسول حقه، فليضع أي شخص نفسه مكان المواطن اللبناني الذي يعجز عن تأمين أدويته أو أدوية أهله وقوت أولاده، فيما أمواله في المصرف مصادرة دون وجه حق، ماذا يفعل الإنسان في هذه الحالة؟”.

وحمّل مسعد المصارف ومصرف لبنان مسؤولية حالات الانتحار التي باتت تسجل يوميا في لبنان لأسباب تتعلق بصعوبة الأحوال المعيشية، ويتابع “طفح الكيل، كل يوم يحمل لنا حالة انتحار جديدة بسبب الوضع الاقتصادي، وكل ذلك بسبب المصارف ومصرف لبنان، الذين يتحكمون بالبلاد والعباد بدعم سياسي يغطيهم”.

وشهد لبنان على مدى الأسابيع الماضية ارتفاعا ملحوظا بحالات الانتحار المرتبطة بتردي الأحوال المعيشية، حيث باتت تُسجل بوتيرة شبه يومية، كما وثقت السنوات الثلاث الماضية ارتفاعا في معدلات الانتحار ترافق مع الانهيار المالي الذي ضرب البلاد وأفقد العملة اللبنانية أكثر من 95 في المئة من قيمتها الشرائية.

مسعد، الذي يزاول مهنة الطب إلى جانب النيابة، ينقل ما يراه يوميا في عيادته من معاناة للبنانيين نتيجة صعوبة الأوضاع المعيشية في البلاد، يقول: “أنا طبيب، كل يوم أقابل في عيادتي مواطنين غير قادرين على شراء الدواء، هناك مرضى أوقفوا دواء السكري وضغط الدم، ومهما جرى لهم لا يتوجهون إلى المستشفيات بسبب عدم قدرتهم على دفع التكاليف”.

لا ذنب للمواطن

ويدعو النائب اللبناني المصارف إلى القيام بواجباتها تجاه المودعين، كما حث جميع المودعين على المطالبة بحقوقهم، “ولزملائي النواب أن يدعموا الناس في مطالبهم. فإما أن يحصل الناس على حقوقهم ولتنهار المصارف، ليست مسؤولية الناس”.

وتحتجز المصارف اللبنانية أموال المودعين لديها، منذ خريف عام 2019، حيث تفرض قيودا مشددة على عمليات السحب، دون وجود مبررات قانونية لها، إثر الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالبلاد وما تبعها من تهريب أموال للخارج، وإقبال شعبي على سحب الودائع من المصارف التي أقفلت أبوابها، معلنة عجزها عن تسديد أموال الناس، متهمة مصرف لبنان بتبديد الأموال.

وفي هذا السياق يرى مسعد أن “المصارف تحمل المسؤولية لحاكم مصرف لبنان، وحاكم مصرف لبنان يضع المسؤولية على المصارف والدولة اللبنانية، وبات كل اللبنانيون على علم بدوامة الاتهامات هذه، فيما لا ذنب للمودع بكل ذلك، المودع ائتمن المصرف على مبلغ مالي، علاقته تكون مع المصرف ولا علاقة له كيف استثمر المصرف أمواله ولمن اقرضها، هذه مشكلتهم وليست مشكلة المودع.”

ومنذ بدء الأزمة، شهدت المصارف اللبنانية عمليات اقتحام متكررة نفذها مودعون، اتخذ بعضها طابعا عنيفا في حين اقتصر بعضها الآخر على تحركات سلمية للمطالبة بتحرير الأموال، ولم تتخذ الدولة اللبنانية حتى اليوم أي إجراءات قانونية أو مالية من أجل إدارة الأزمة أو قوننة عملية سحب الودائع، ما يضع المواطنين والمصارف وجها لوجه.

يذكر أن القضاء اللبناني أصدر سلسلة أحكام قضائية لصالح مودعين تلزم المصارف بدفع ودائعهم بالدولار الأميركي بكونها عملة الإيداع، ولا تقبل بالشيك المصرفي أو الليرة اللبنانية كطريقة إيفاء، وهو ما رفضته المصارف وأعلنت إضرابا اعتراضيا جاء بالتزامن مع انطلاق تحقيقات قضائية بشأن عمليات تبييض أموال وتهريبها إلى الخارج، ترى فيها المصارف استهدافا لها وتشويها لصورتها.

وشهد، الشهر الماضي، سلسلة احتجاجات قام خلالها لبنانيون بإضرام النيران في عدد من المصارف في العاصمة اللبنانية، بيروت، كما قاموا بقطع طرقات احتجاجا على الوضع المعيشي واعتراضا على إضراب المصارف، الذي اعتبروه انقلابا على القضاء وتهربا من الالتزام بأحكامه.

إضراب جديد

وعادت جمعية المصارف لتعلن، الخميس، قرارها بالعودة إلى الإضراب من جديد بدءا من الثلاثاء المقبل، على خلفية صدور حكم مشابه بحق أحد المصارف اللبنانية يلزمه بدفع وديعة بالدولار، الأمر الذي ترى المصارف أنه يهددها بالإفلاس بكونها تتقاضى ديونها بالليرة اللبنانية على أسعار صرف قديمة.

وأصدرت الجمعية، الخميس، بيانا فصلت فيه ما تراه من إجحاف بحقها في القرارات القضائية الصادرة، واعتبرت أن الوضع بلغ من الخطورة مرحلة “لم يعد يكفي معها لفت النظر والاعتراض والإنذار، بل أصبح من الضرورة الملحّة أن تتحمل السلطات الرسمية، من تنفيذية ونقدية وقضائية وتشريعية، مسؤوليتها بإيجاد حلّ شامل لأزمة نظامية عبر إصدار قواعد عامة ملزمة للجميع لا تقتصر على مصارف معيّنة ولا حتى على جميع المصارف، بل تطال كل القطاع المالي وتمسّ أيضا المودعين”.

وقالت إنها “تجد نفسها مكرهة إلى العودة إلى الإضراب”، مطالبة باتخاذ التدابير القانونية السريعة “لوضع حدّ لهذا الخلل في اعتماد معايير متناقضة في إصدار بعض الأحكام التي تستنزف ما بقي من أموال تعود لجميع المودعين وليس لبعضهم على حساب الآخرين، ولمعالجة هذه الأزمة بشكل عقلاني وعادل ونهائي، تتحمّل فيه الدولة بصورة خاصة مسؤوليتها في هذا المجال”.

وبعد سلسلة أحكام قضائية محلية ودولية تلزم المصارف بدفع أموال مودعين لديها، تسعى المصارف اللبنانية للضغط على مجلس النواب من أجل إقرار ما يسمى بقانون “الكابيتال كونترول” الذي من شأنه أن يبرر إجراءات المصارف ويضع سقوفا للسحوبات ويمنع تحويل الأموال إلى خارج لبنان، وهو مطلب جاء متأخرا ثلاث سنوات من عمر الأزمة.

ويرى النائب مسعد في هذا الشأن أن المصارف تريد إقرار هذا القانون “لحماية أنفسهم، بعد ثلاث سنوات من تهريب الأموال إلى الخارج، يطالبون بالكابيتال كونترول اليوم لتجنب الدعاوى القضائية التي ترفع في وجههم من ناحية المودعين في لبنان وخارجه، فهم لا يريدون هيكلة المصارف ولا الالتزام بسلة إصلاحية كاملة، فقط يريدون الكابيتال كونترول ليحميهم ويشرع ما فعلوه”،

يذكر أن مسعد ليس النائب اللبناني الأول الذي يقدم على دخول مصرف بهذه الطريقة للاستحصال على وديعة مالية، إذ سبق أن قامت النائبة اللبنانية، سينتيا زرازير، بالأمر ذاته، في أكتوبر الماضي، حيث اعتصمت في أحد المصارف إلى جانب محاميها مطالبة بمبلغ من المال لتسديد تكاليف عملية جراحية كان يُفترض أن تجريها في حينها.

وتمكنت زرازير حينها من الحصول على جزء من وديعتها بعد مفاوضات استمرت ساعات.

حسين طليس

Leave A Reply