الراعي: أصبحنا في ذروة الفساد السياسيِّ الأكثر شرًّا من الفسادِ الماليّ

اشار البطريرك الماروني الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي، في عظة الاحد من بكركي، الى ان “السلطة السياسيّة مؤتمنة على موهبة تأمين الخير العام، بحيث تمكّن المواطنين والعائلات والمجموعات من تحقيق ذواتهم تحقيقًا أكمل، وتوفّر مجمل أوضاع الحياة الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة والثقافيّة والفنيّة التي تؤمّن لهم الخير العام. وعلى هذا الأساس، “السلطة السياسيّة مدعوّة للعمل بتجرّد بحثًا عن خير الجميع وخير كلّ مواطن، ولا سيّما من هم أكثر حاجة، لا عن المصلحة الخاصّة أو الفئويّة، فيما هي تحكم الدولة وتسنّ الشرائع وتدير الشؤون العامّة”.

واضاف الراعي “من مقتضيات العمل السياسيّ فضيلتان إجتماعيّتان هما العدالة والتضامن. العدالة هي السعي إلى خلق أوضاع مساواة وتكافؤ فرص بين المواطنين، فتعطي كلّ ذي حقّ حقّه، وتعمل على ألّا يصبح الأغنياء أكثر غنى، والفقراء أكثر فقرًا. والتضامن هو الشعور بأنّنا كلّنا مسؤولون عن كلّنا، والضمانة للانتصار على الأنانيّة، وللانفتاح على الخير العامّ، سواء على مستوى الأشخاص أم على مستوى الدول”.

واعتبر أن “مجلس النوّاب من جهته مؤتمن على أميز الوزنات، بموجب المادّة 49 من الدستور، وهي إنتخاب “رئيس الجمهوريّة الذي هو رأس الدولة ورمز وحدة الوطن. يسهر على احترام الدستور، والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه”. ونظرًا لأهميّة موقع الرئيس الذي لا يقبل الشغور، اقتضت المادّة 73 انتخابه قبل موعد إنتهاء ولاية رئيس الجمهوريّة، بمدّة شهر على الأقلّ أو شهرين على الأكثر”.

وقال الراعي: “فيا أيّها النوّاب والكتل النيابيّة الذين تتكلّمون وتعملون من أجل الشغور أو الفراغ في سدّة الرئاسة، قولوا لنا من أين تستنبطون هذا الحقّ، وتبرّرون مخالفتكم الخطيرة والسافرة للدستور؟ هل نيابتكم وكتلكم وُجدت للتعطيل؟”.

ولفت الى ان “من يدقّق في تحرّكات عددٍ من النواب أثناء الجلساتِ النيابيّةِ الأخيرة، يكتشف فورًا أنّهم في مسرحيّة لا تَخلو من المزاجيّةِ عوضَ أن يكونوا في احتفالٍ سعيدٍ يُقدّمون من خلاله للبنان رئيسًا مقبولًا من اللبنانيّين بعد طول أحزان وأزمات. قلت رئيسًا مقبولًا يكون رجل دولة، لا رجل سياسة لا تعنيه إلّا مصالحه الخاصّة على حساب الخير العام”.

وتابع الراعي: “لقد كانت جلسةُ مجلسِكم التي عقدت الخميس الماضي جلستين: جلسةُ انتخابِ الرئيسِ داخلَ القاعةِ العامّة، وجلسةُ تعطيلِ النصابِ في الرُدُهات المحيطةِ. كأنَّ سوقَ التسوياتِ والمساوماتِ يَنشُط بين أعيانِ النوّابِ لمعرفةِ ما إذا كانوا يَدخُلون القاعةَ ويُصوِّتون أم يَبقَوْن في الرُدُهات ويعطّلون. لقد أصبحنا في ذروة الفساد السياسيِّ الأكثر شرًّا من الفسادِ الماليّ. وصرنا في واحةِ الخيانةِ الوطنيّةِ. فهل من خيانةٍ تجاه الوطن أكثر تعطيلًا من تعطيل انتخاب رئيس للجمهوريّةِ؟ وهل من طريقٍ مصوّب نحو انقسامِ الوطن أكثر من الشغورِ الرئاسيّ؟ أهكذا تتجاوبون مع البيان الصادر عن مجموعة الدعم الدوليّة من أجل لبنان الصادر في الخامس من تشرين الأوّل الجاري، والداعي لإنتخاب الرئيس ضمن المهلة الدستوريّة، والكاشف أهميّته ودوره في الداخل والخارج في الظروف الراهنة؟”.

وسأل: “فكيف وبأيّ حقّ، أيّها السادة النوّاب والكتل النيابيّة، تبدّدون الوزنات التي ائتمنكم عليها الشعب اللبنانيّ بموجب مقدّمة الدستور (بند د)؟ أتدركون أنّ السير نحو الشغورِ الرئاسي يتم فيما تَسعى بعضُ الدول إلى تغيير وجه لبنان ودوره، وصيغته وهويته من دون الرجوع إلى الشعب اللبناني ولا إلى مرجِعيّاتِه. إن المؤتمر الدولي الخاص بلبنان الذي دعونا إليه يختلف كليًّا عن مشاريع المؤتمرات والندوات التي تبتدعها هذه الدولِ لا لخِدمةِ لبنان، بل لتجميلِ علاقاتِها ببعض دول المنطقة. إن مصيرَ لبنان يقرّره اللبنانيّون بمساعدةِ الأمم المتحدة. نحن دعونا إلى مؤتمر من أجل تطبيق اتفاق الطائف نصًّا وروحًا، وسدّ الثغرات الناتجة في الدستور، وتصحيح اختلال النظام الديمقراطيّ في ممارسة الحكم، وإعلان المحافظة على حياد لبنان وتحييده، وإعادةِ النازحين السوريّين إلى بلادهم، وحلّ قضيّة اللاجئين الفِلسطينيّين”.

Leave A Reply