الأحد, مايو 19
Banner

الدولار المنطلق .. متى يعكس الاتجاه وكيف؟

شهد الدولار حركة مذهلة. ارتفع أكثر من 10 في المائة مقابل العملات الرئيسة الأخرى منذ بداية العام.

في الواقع، ليست قليلة هي الحكومات والبنوك المركزية التي تحبذ صفة ارتفاع “كارثي” على “مذهل”. بالنسبة للدول النامية، من سريلانكا إلى الأرجنتين، ارتفاع العملة الأمريكية جعل خدمة الديون المقومة بالدولار، وهي مهمة صعبة بالفعل، مستحيلة إلى حد بعيد.

بالنسبة للأسواق الناشئة، مثل تشيلي غير المثقلة بالديون، الدولار القوي رفع التضخم عن طريق زيادة أسعار المواد الغذائية والطاقة المقومة بالدولار. وقد أجبر التضخم وانخفاض العملة التشيلية البنك المركزي في البلاد على رفع سعر الفائدة بشكل غير عادي تسع مرات خلال العام الماضي، والآن يستخدم احتياطياته لدعم سعر صرف البيزو.

وبالنسبة للبنك المركزي الأوروبي، فقد شعر بالإحراج من رؤية سعر اليورو ينخفض إلى مستوى التكافؤ مقابل الدولار. وفيما يخص بنك اليابان، هناك حقيقة مفادها أن الين كان أسوأ عملات الدول المتقدمة من حيث الأداء على الكوكب هذا العام.

الأمر الذي جعل قيمة الدولار تتعزز ليس لغزا. نظرا إلى ارتفاع معدلات التضخم والنمو القوي، كان الاحتياطي الفيدرالي يرفع أسعار الفائدة بوتيرة أسرع من البنوك المركزية الكبرى الأخرى، ما أدى إلى جذب تدفقات رأس المال إلى الولايات المتحدة.

وعلى الرغم من أن البنك المركزي الأوروبي بدأ دورة التشديد الأسبوع الماضي بحذر، إلا أنه يتحرك ببطء ملحوظ. وفي الوقت الذي يلقي فيه تقليص إمدادات الطاقة الروسية بثقله على النمو الأوروبي، سيؤدي ارتفاع أسعار الفائدة إلى ترنح سوق الديون الإيطالية الهشة، نظرا إلى زيادة عدم اليقين السياسي في هذا البلد في وقت غير مناسب.

لا يوجد لدى بنك اليابان سبب مباشر للاعتقاد بأن مشكلة “التضخم المنخفض” في البلاد قد تم حلها، بالتالي لا يميل البنك إلى التخلي عن سياسة “التحكم في العائد” للإبقاء على أسعار الفائدة منخفضة. ولن يقوم بنك اليابان ولا البنك المركزي الأوروبي بالتماهي مع بنك الاحتياطي الفيدرالي عن طريق رفع أسعار الفائدة 75 أو 100 نقطة أساس.

بعضهم سيستحضر المخاطر الجيوسياسية الناجمة عن الحرب الروسية – الأوكرانية التي لا نهاية لها، ويستحضر معها وضع الدولار بوصفه ملاذا آمنا. قد يكون هناك مزيد من التدفقات إلى الملاذ الآمن نتيجة للتوترات حول مضيق تايوان وكذلك إيران. لكن في نهاية الأمر، كانت تحركات العملات الأخيرة مدفوعة من قبل البنوك المركزية. وسيستمر ذلك في المستقبل.

الأمر الذي لا يعد من الأخبار الجديدة، هو أن بنك الاحتياطي الفيدرالي بعد تخلفه عن المنحنى يسعى الآن إلى اللحاق بالركب. بالتالي، توقع زيادات أخرى في أسعار الفائدة من قبل رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جاي باول، وآخرين هو أمر تحتسبه السوق بالفعل. بعبارة أخرى، لا يوجد سبب يجعل هذه الزيادات الإضافية في أسعار الفائدة تدفع الدولار إلى الأعلى.

لكن تطورا حصل في أمرين إضافيين هو ما سيعقد آفاق سوق الصرف. أولا، البنوك المركزية الأخرى – باستثناء البنك المركزي الأوروبي وبنك اليابان – تظهر استعدادا متزايدا لمضاهاة الاحتياطي الفيدرالي في رفع أسعار الفائدة من أجل معالجة مشكلات التضخم المتصاعدة. وهذه البنوك المركزية موجودة في كندا والفلبين وسنغافورة ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية، ودول أخرى. والقائمة تطول.

الأوضاع المالية في هذه البلدان قوية بما يكفي كي تتحمل زيادات أسعار الفائدة، والتضخم مسألة ذات اهتمام مشترك بينها. لذلك، بنوكها المركزية تواكب الاحتياطي الفيدرالي على الأقل. ولهذا أظهر الدولار قوة أقل مقابل سلة واسعة من العملات، من ضمنها عملات هذه الدول. الشيء نفسه سينطبق في الأسابيع والأشهر المقبلة.

الأمر الثاني، والأكثر خطورة، أن هناك مخاطر ركود في الولايات المتحدة. من المرتقب أن يتكرر التسعير الحالي للدولار مع توقع استمرار الاحتياطي الفيدرالي في رفع أسعار الفائدة. بدوره، يستند هذا التوقع على افتراض متفائل بأن الاقتصاد الأمريكي سيستمر في التوسع.

وإذا انتشر التباطؤ الذي رتب له بنك الاحتياطي الفيدرالي من سوق الإسكان إلى مبيعات التجزئة والاستثمار التجاري، فإن التأثير المشترك لن يخفض الإنفاق الأمريكي فقط، بل التضخم أيضا.

الفكرة القائلة إن التضخم، في ظل ظروف الركود هذه، سيظل في خانة الآحاد العالية، ولهذا السبب سيضطر الاحتياطي الفيدرالي إلى مواصلة دورة التشديد، هي فكرة سخيفة للغاية.

لقد استمر بول فولكر، الرئيس الأسبق لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، في رفع أسعار الفائدة في مواجهة الركود – وبالتالي استمر ارتفاع الدولار – لأن التضخم ظل مرتفعا بعناد لعدة أعوام. وهناك قليل من الدلائل على جمود التضخم اليوم.

لذلك إذا ضعف الاقتصاد والتضخم، سيتوقف الاحتياطي الفيدرالي مؤقتا، وسيعكس الدولار اتجاهه.

*أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا في بيركلي

Follow Us: 

الاقتصادية

Leave A Reply