الجمعة, أكتوبر 4

ماذا يجب أن يسمع هوكشتاين من لبنان؟

العميد د. أمين محمد حطيط – البناء

بعد أن أفشلت «إسرائيل» وبدعم أميركي المفاوضات غير المباشرة التي جرت عدة جولات منها في الناقورة لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة، وبعد أن وجد لبنان أنه من المستحيل قبول عرض آموس هوكشتاين «الإسرائيلي» ـ الأميركي الذي قدّمه الى لبنان بنتيجة المفاوضات المكوكيّة التي قادها بين لبنان و»إسرائيل» وأرادها بديلاً لمفاوضات الناقورة التي عجز فيها الوفد «الإسرائيلي» عن مقارعة الحجة اللبنانية بالعِلم والمنطق والقانون فلجأ الى التعطيل. بعد كلّ ذلك أقدمت «إسرائيل» على الانتقال الى الميدان العملي في الاستثمار واستقدمت باخرة يونانية لإنتاج الغاز من حقل كاريش الذي يقطعه الخط اللبناني المسمّى خط ٢٩ ويجعل قسماً منه واقعاً بين الخطين ٢٣ و٢٩ أيّ ضمن المنطقة التي طالب لبنان بها في مفاوضات الناقورة وأكد على أنها منطقة متنازع عليها في الرسالة التي وجّهها الى الأمم المتحدة وعمّمت في 2/2/2022.

لقد أرادت «إسرائيل» من فعلتها الأخيرة أن تضع لبنان أمام الأمر الواقع وتدعه بمسؤوليه يتخبّطون في البحث عن جنس الملائكة ويختلفون حول مدى الحقّ اللبناني في البحر ويتنازعون حول أيّ خط حدودي للمنطقة الاقتصادية الخالصة، نعم أرادت «إسرائيل» أن تفرض على لبنان قرارها وتستخرج الغاز والنفط من المنطقة التي أعلنت من قبله منطقة متنازع عليها «مطمئنة» الى انّ هوكشتاين الذي «استجار» به لبنان ليخرجه من الورطة التي وقع فيها، لن يقوم بما يزعج «إسرائيل» او يريح لبنان خاصة أنه يأتي هذه المرة الى لبنان ليس ليطلب كما كان يأتي سابقاً بل «ليرجو منه» وشتان ما بين الوضعين.

في ظلّ هذا المشهد الذي تجنّب فيه لبنان حتى الآن استعمال أوراق القوة التي يملكها خوفاً على المفاوضات، وفي ظلّ الخشية من ضياع الثروة مع الإدارة غير المريحة لملف الترسيم البحري منذ العام ٢٠٠٧، ومن أجل حماية حقوق لبنان وجّه السيد حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله كلمته المتلفزة التي يصحّ تسميتها بـ «كلمة الدفاع عن حقوق لبنان في الثروة البحرية»، وجّه الكلمة التي وضع فيها النقاط على الحروف والتي أكد فيها ومع الحرص على موقع الدولة ومسؤوليتها عن الملف وعدم تجاوزها في الأمر، أكد جهوزية المقاومة وقدرتها على منع تشكل الأمر الواقع الذي تستثمره «إسرائيل» ويهدر حقوق لبنان، وشكلت كلمة السيد قبل أقلّ من ٩٦ ساعة من وصول هوكشتاين ورقة قوة أساسية بيد الطرف اللبناني في مواجهة الأميركي المدّعي أنه «وسيط نزيه»، وقد أفهم السيد بكلمته تلك ذاك المبعوث أنه لن يكون طليق اليد في الضغط على لبنان أو استباحة حقوقه أو الاستخفاف بمطالبه.

فهمت «إسرائيل» القصد من كلام السيد ولذلك سارعت في الردّ وعلى طريقتها من أجل تحصين مهمة هوكشتاين «الاستعلائية في لبنان»، ولهذا خرج رئيس أركان جيش العدو الصهيوني كوخافي ومن أجل إعادة التوازن التفاوضي الميداني العسكري، خرج مطلقاً التهديدات ذات السقف العالي جداً ضدّ لبنان مهوّلاً بحرب بتدميرية غير مسبوقة يحضر العدو لشنها على لبنان في حال تشكل الظروف التي تستدعيها، مهدّداً بتدمير شامل سينفذه جيشه في لبنان يستهدف البنى التحتية وأماكن السكن ومنصات الصواريخ ومراكز القيادة والاتصال وكلّ شيء بعد ذلك له صلة بحياة السكان.

إذن الأميركي «مرتاح» على وضعه، و»الإسرائيلي» لا يزعجه إلا موقف المقاومة في لبنان، والمقاومة تنتظر موقف الدولة اللبنانية لتبني على الشيء مقتضاه، وبدقة أكثر تؤكد المقاومة أنها لن تحلّ مكان الدولة في ترسيم الحدود ولن تحلّ مكانها في تحديد الحق اللبناني وجوداً ومدى، وهي تنتظر موقف الدولة في هذا التحديد لتستعمل قدراتها في الحماية، و»الإسرائيلي» يعرف انّ المقاومة قادرة على منعه من الإنتاج وقادرة على منع تشكل الأمر الواقع لصالح «إسرائيل»، ولذلك يستبق الأمر بالتهويل بالحرب الواسعة التدمير والتهجير والقتل ويبقى الكلّ ينتظر موقف الدولة اللبنانية التي تنتظر هوكشتاين ومسعاه، فما عساه حاملاً وما عسى لبنان فاعلاً؟

بعد الرماديّة والضبابيّة وعدم الحزم والصلابة في الموقف اللبناني، لا نتوقع أن يأتي هوكشتاين بشيء جديد أو ان يطرح ما قد يفتح ثغرة يعبر منها المفاوض اللبناني بأمان يبعده عن تهمة التنازل عن الحقوق، والأمر قد يتغيّر إذا تغيّر الموقف اللبناني جدياً وأظهر لبنان «جرأة» واستعداداً لاستعمال ما يملك من أوراق القوة وأن يشعر الموفد المزدوج الجنسية الأميركية مع «الإسرائيلية»، جهوز لبنان لاتخاذ القرار بتعديل المرسوم ٦٤٣٣ وإعلان كامل المنطقة ما بين الخط ٢٣ و٢٩ كمنطقة متنازع عليها واعتبار كامل الحقول التي تقع كلياً أو جزئياً في داخلها منطقة محظور العمل فيها حتى فصل النزاع، وجهوز لبنان لمنع ذلك بالقوة ولن يثنيه التهديد «الإسرائيلي» بالحرب عن ذلك.

أما ظهور لبنان بمظهر «الضعيف اللاهث وراء هوكشتاين أو المستجير به من أجل تحصيل حقوقه» فإنّ هذا من شأنه ان يجعل أميركا و»إسرائيل» أكثر تعنّتاً وأشدّ استخفافاً به وبحقوقه، وقد يكون منتجاً لبيئة تتدحرج فيها الأمور الى ما لا تحمد عقباه على أكثر من صعيد.

وعليه فإنّ نتائج مهمة هوكشتاين لن تكون لمصلحة لبنان انْ لم يسمع هذا الموفد ويلمس وحدة الموقف اللبناني وصلابته وجدّيته ووضوحه في السعي الى المحافظة على حقوقه ويتسلّم طرحاً لبنانياً متماسكاً لآلية ناجعة لفضّ النزاع تتضمن المواقف والإجراءات التالية:

ـ التمسك بالمفاوضات غير المباشرة والعمل المتواصل حتى فضّ النزاع وترسيم الحدود البحرية في الجنوب.

ـ التمسك بمرجعيّات ترسيم الحدود البحريّة والتي هي في حالنا الراهن قانون البحار واتفاقية «بوليه نيوكمب» واتفاقية الهدنة والأحكام القضائية الدولية.

ـ قيام كلّ طرف بتعيين حدوده وفقاً لتفسيره وتطبيقه لتلك المرجعيّات وعرضها للتفاوض وفقاً للأصول، وهنا يكون على لبنان أن يعدّل المرسوم ٦٤٣٣ ليعتمد رسمياً الخط ٢٩، وليعتبر كامل المنطقة بين خطوط الأطراف مناطق متنازع عليها.

ـ وقف كامل الأعمال من أيّ طرف في الحقول الواقعة كلياً او جزئياً في المناطق المتنازع عليها ما يعني وجوب أن تخرج منها السفينة اليونانية العاملة في حقل كاريش.

ـ عقد المفاوضات غير المباشرة بحضور الوسيط الأميركي ومناقشة مطالب الأطراف وفقاً للمرجعيات أعلاه وعدم القبول بمنطق الرفض المسبق لمناقشة أيّ طرح.

في حال رفضت «إسرائيل» العمل بهذه الآلية فعلى لبنان ان يمنعها من العمل في كامل المنطقة المتنازع عليها في الحقول المتصلة بها، وهو يملك القوة الكافية لذلك. أما إذا استمرّ لبنان بتعطيل أوراق قوته او إهمالها وانتظار الفرج الأميركي والخضوع للأمر الواقع والتهديد والتهويل «الإسرائيلي» فإنه سيستمرّ في هدر الثروة وتضييع فرصة الولوج من الباب الوحيد المتاح للخروج من جهنم السياسة والمال والاقتصاد التي سقط فيها بفعل فساد الطبقة السياسية الداخلية والحرب الاقتصادية الخارجية التي تشنّها عليه أميركا منذ نيّف وسنوات ثلاث.

Leave A Reply