العالم على شفير “حرب خبز” أين لبنان منها؟

سلوى بعلبكي – النهار

تجاوزت الحرب الدائرة في أوكرانيا مسألة تعثّر التقدم الميداني لهذا الطرف أو الحسم لذاك الطرف، وتخطت تداعياتها جبهات القتال والاصطفافات الدولية التي تهدد باندلاع الحرب العالمية الثالثة، الى هزّ دعائم الاقتصاد الأوروبي والعالمي. وفيما بدأ الحديث عن حرب جوع وتجويع، لن ترحم ارتداداتها بقية دول العالم، حتى المحايدة منها، كثرت التحذيرات من وقوع “حرب خبز عالمية” على خلفية توقف تصدير القمح الأوكراني، عبر البحر الأسود الذي سيطرت على منافذه البحرية والغواصات الروسية، وسط اتهامات متبادلة بين الغرب وروسيا حيال المسؤولية عن أزمة نقص الغذاء، كون أوكرانيا تُعدّ مصدرا كبيرا للغذاء في العالم.

أما في لبنان، وعلى رغم سعي وزارة الاقتصاد الى ايجاد بدائل من القمح الاوكراني من دول منتجة له أبدت استعدادها لتأمين حاجة لبنان الذي لا تتخطى نسبة استهلاكه الـ 600 ألف طن سنويا، وهي كمية صغيرة نسبيا، إلا ان المشكلة التي تواجه الوزارة هي في عدم وجود صوامع مخصصة للتخزين بعد تدمير الإهراءات في انفجار مرفأ بيروت.

وبما أن وزارة الإقتصاد تتحمل مسؤولية الملف الغذائي، وتملك الوصاية القانونية على إدارة الإهراءات في لبنان، تحولت منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا وما رافقها من معوقات غذائية الى خلية نحل، فتمّ تأليف “لجنة الأمن الغذائي” قبل نحو 3 أشهر برئاسة وزير الإقتصاد أمين سلام، وأوكلت اليها 3 مهام، أولاها معالجة موضوع تأمين وصول القمح الى لبنان بسعر مقبول يراعي قدرة المواطنين الشرائية، وتأمين استيراد المواد الغذائية الاساسية مثل الزيت والسكر تفادياً لانقطاعها. ثانية هذه المهام وضع خطة توجيهية والبدء بالعمل على بناء مراكز عدة للإهراءات في لبنان بما يساعد على توزيع كميات القمح في أماكن عدة تفاديا لمخاطر طارئة قد تحدث مشابهة لانفجار المرفأ الذي أدى الى خسارة كل المخزون الإحتياطي من القمح. فما حدث، وفق ما يقول الوزير سلام لـ”النهار”، “أثبت أن الإستراتيجية التي كانت معتمدة خاطئة، وتاليا من الخطأ وضع كل القمح في سلة واحدة”. من هنا جاء قرار اللجنة إنشاء إهراءات عدة في بيروت والبقاع وطرابلس، بما يسمح لجميع المناطق بالحصول على القمح من دون صعوبات.

مواصفات الإهراءات ستكون موحدة ومتشابهة في المناطق التي تم اختيارها. ويرجَّح ان تكون البداية في مرفأ طرابلس حيث الأرضية جاهزة، مع توافر مساحة أرض كافية لبناء إهراءات، فضلاً عن أنه يملك كل المقومات التي تسمح بتلزيم المشروع بسرعة. بالنسبة الى البقاع، فالمخطط هو أن يكون بمثابة موقع للتخزين حيث تصل الشاحنات الى مرفأي طرابلس وبيروت ومنهما الى مركز التخزين هناك، بحسب سلام الذي يؤكد أن مركز التخزين في البقاع خاضع لكل شروط ومواصفات الإهراءات الهندسية التي تحفظ المواد، من تفريغ وتعبئة ورطوبة وحرارة، لافتا الى هذا المركز يختلف عن المستودعات الموجودة حاليا في البقاع.

حتى الآن لم يحدد مكان لبناء إهراءات البقاع، و”لكن لدينا خيارات عدة وندرس الموقع ليكون قريبا من الأوتوستراد الدولي لتسهيل مرور الشاحنات وتفريغها، إذ تقنيا، يُفترض أن يكون الوصول إلى مكان التخزين سهلاً، اي غير بعيد أو مرتفع عن سطح البحر، أو في منطقة شديدة البرودة أو حرارة مرتفعة وما الى ذلك من أمور. ثمة مواصفات دقيقة للمكان لا تزال قيد الدرس لاختيار الأفضل”، على قول سلام.

وعما اذا كان الاختيار سيقع على عقارات تملكها الدولة أم سيصار الى شراء عقار؟ يلفت سلام الى أنه يفضّل أن يكون العقار من أملاك الدولة، خصوصا أن ثمة عقارات كثيرة للدولة في البقاع، “ولكن في حال لم يتوافر موقع ملائم لشروط التخزين، فمن الممكن أن نلجأ الى الاستملاك”.

متى اعادة إعمار اهراءات مرفأ بيروت؟ قرر مجلس الوزراء هدم إهراءات المرفأ استنادا الى تقارير عدة أفادت بأنه من الأفضل هدمها، ولكن لم تتخذ الإجراءات السريعة للعملية في انتظار استكمال خطة بناء مرفأ بيروت أولا، واتخاذ القرار النهائي في شأن مكان إعمار الإهراءات الجديدة ووضوح الصورة أكثر. ولأن الكويت كانت قد شيدت اهراءات القمح عام 1969 بقرض تنمية كويتي، فقد أعلن السفير الكويتي في لبنان أن بلاده قررت أن تعيد بناء اهراءات القمح التي دمرها انفجار مرفأ بيروت، فماذا عن بقية الإهراءات، هل ستكون عبر قرض من البنك الدولي؟ يوضح سلام أن بناء الاهراءات في مرفأ بيروت مرتبط مع صندوق التنمية الكويتي الذي التزم إعادة إعمار إهراءات بيروت، أما بالنسبة الى طرابلس فدراساته أصبحت جاهزة وتم التواصل مع جهات دولية عدة بما فيها بعض الدول العربية التي أبدت إهتماما بالإستثمار في مشروع الاهراءات المنوي تشييده في طرابلس من خلال عقود شراكة بين القطاع العام والخاصBOT أو PPP. ويضيف: “ثمة دراسة متكاملة أعدها الاتحاد الاوروبي عن إهراءات طرابلس. أما في البقاع فتفاصيل المشروع غير منجزة حاليا وهي قيد الدرس والتحضيرات”.

كم من الوقت يستغرق بناء الإهراءات؟ يستند سلام الى دراسة الإتحاد الأوروبي عن إهراءات طرابلس التي تبين ان بناءها سيستغرق نحو سنة، ويمكن التنفيذ فورا. أما بالنسبة الى مرفأ بيروت فإنه يحتاج الى ورشة كبيرة قد تستغرق وقتا طويلا أقله سنتان. فورشة التنظيف وحدها تحتاج الى سنة تقريبا، وكذلك إعداد الدراسات اللازمة لإعادة الاعمار.

ويقول سلام: “الإستراتيجية، ستكون جيوإستراتيجية تفاديا للكوارث التي قد تخسّرنا هذه المواد اذا كانت مجمعة في مكان واحد. فإذا حدثت أي كارثة في إهراء يكون لدينا مواد في أماكن أخرى، على نحو يمنع انقطاعها عن البلاد لمدة سنة أو 9 أشهر على الأقل”. أما عن كميات القمح التي يمكن أن تستوعبها الاهراءات الثلاثة، فيوضح سلام أن “اهراءات مرفأ بيروت كانت تستوعب 120 ألف طن من القمح، وتاليا لن تكون القدرة الاستيعابية للاهراءات الجديدة أقل من هذه الكمية، بما يعني أن كمية التخزين في المواقع الثلاثة ستقدّر بنحو 360 ألف طن”.

وفي الانتظار، أين يتم تخزين القمح حاليا؟ يوضح سلام أن الدولة لا تملك اليوم أي كميات من القمح، وكل ما يصل الى لبنان تستورده المطاحن ويخزن في مستودعاتها جغرافياً في لبنان وعددها 12. وفي السياق، يستبعد وزير الاقتصاد حصول أزمة قمح أو طحين، “الأمور تحت السيطرة، ولكن يحدث تهويل بين فترة واخرى بسبب المشكلات بين المطاحن والأفران على خلفية توزيع كمية القمح، ولكن الإعتمادات مفتوحة ولدينا تقريبا ما قيمته نحو 15 مليون دولار إعتمادات تغطي حاجةً من استيراد القمح للمرحلة المقبلة، ومن المتوقع ان نسير بقرض البنك الدولي خلال فترة شهر على نحو يريح البلاد لفترة الـ 9 أشهر المقبلة، وحينها نكون قد بنينا إهراءات تمكّن الدولة من التخزين، توازياً مع تنفيذ مشروع الإصلاح الزراعي الذي هو ثالث أهداف لجنة الأمن الغذائي حيث سنشجع على الإنتاج المحلي للقمح ورفع نسبة الإنتاج الى ما بين 10 – 15% سنويا”.

ولأننا على ابواب تأليف حكومة جديدة يمكن ألّا تضم الوزير سلام، كان من البديهي السؤال عما اذا كان الملف جاهزاً ليسير به الوزير الجديد؟ فأجاب: “كل الأرضية والمعطيات والدراسات جاهزة لتسليم الوزير الجديد الذي نحثّه على تنفيذ المشروع بسرعة، فلبنان مصنف من الدول الأكثر خطورة من ناحية الأمن الغذائي بسبب غياب مراكز لتخزين القمح أو الحبوب”.

Follow Us: 

Leave A Reply