المصارف تخيّر المودعين: عقود إذعان أو إقفال الإئتمان

خالد ابوشقرا – نداء الوطن

“نثبت أن الأموال المودعة سابقاً والتي قد تودَع لاحقاً في الحساب لا تُعتبر أموالاً جديدة Fresh Funds”. “وافقنا على أن خدمة تحويل أي مبلغ من حساباتنا إلى الخارج لأي سبب كان، إنما هي إختيارية غير إلزامية، بحيث يعود لمصرفكم وفقاً لاستنسابه المطلق أن يوافق سواء جزئياً أو كلياً عليها”. “نقرّ بأن لا موجب إطلاقاً على مصرفكم بأن يعيد أي جزء من ودائعنا نقداً”. “تبقى شروط هذا الكتاب قائمة ونافذة وسارية المفعول دون أن تتأثر بأي عامل، بما في ذلك صدور قانون أو مرسوم أو تعميم أو قرار مخالف قد يصدر عن أي من السلطات التشريعية أو التنفيذية أو القضائية أو الرقابية أو النقابية…”.

التصدي لعقود الإذعان

هذا غيض من فيض ما يرد في العقد الجديد، الذي بدأت المصارف فرضه على زبائنها من حملة الجنسية البريطانية. وذلك عقب صدور قرار عن المحكمة البريطانية العليا، يلزم كلّاً من بنك عوده وسوسيته جنرال بتحويل وديعة بقيمة 4.6 ملايين دولار لأحد العملاء. القرار بدأ مع المصرفين المدّعى عليهما، وامتدّ ليشمل أيضاً كلّاً من بلوم بنك وسرادار. وقد سجلت “رابطة المودعين” لغاية الساعة 30 شكوى تقدّم بها عملاء لبنانيون في الداخل والخارج بحق هذه المصارف. عضو “الرابطة” هادي جعفر وضع ما يحصل في خانة “الاقتصاص من جميع المودعين نتيجةً لحكم القضاء البريطاني”. فالمصارف تطلب من المودعين الحاملين الجنسية البريطانية تحديداً التوقيع على عقد جديد، يعطي صلاحيّات استنسابية لها بكيفية التصرف بالوديعة. وهم يخيّرون المودع بين خيارين أحلاهما مرّ: إما الإمضاء على العقد الجديد، وإما إقفال الحساب وإيداع الرصيد بـ”شيك” مصرفي لدى الكاتب العدل”. الأمر الذي يتناقض بحسب جعفر مع قانون النقد والتسليف، ويخرق 6 قوانين نافذة وهي:

– العقد الذي تطلب البنوك من العميل توقيعه مخالف للنظام العام ولقانون النقد والتسليف.

– تغيير شروط العقد بشكل إذعاني تحت طائلة التهديد بإقفال الحساب مخالف للقانون ولأصول العمل المصرفي.

– لا يحق للمصرف إغلاق الحسابات بشكل تعسّفي. وإقفال الحسابات يخضع لشروط وأحكام لا تحترمها المصارف.

– لا يعتبر الشيك المصرفي وسيلة إبراء لأنه ببساطة لا يؤدي الغرض منه والعميل لا يستطيع سحب المبلغ بالقيمة الحقيقية. وهو يعتبر بحسب قرارات قضائية سابقة وسيلة غير ذات قيمة، لا تحقق الغاية المرجوّة منها، ولا تبرّئ ذمة المصرف.

– تخرق هذه الإجراءات السرية المصرفية المحمية بالقوانين. إذ إن قيام المصرف بوضع شيك بقيمة الحساب لدى الكاتب العدل يفضح السرية المصرفية للعميل أمام طرف ثالث. فيما يعتبر تذرّع المصارف بأن الحسابات المقفلة لا تكشف السرية المصرفية أمراً منافياً للحقيقة، لأن موجب السرية ينطبق حتى على الحسابات المقفلة منذ عشرات السنوات.

– يتعارض العقد الجديد مع مبادئ حقوق الإنسان التي كفلها الدستور اللبناني ونصت عليها الشرائع الدولية وفي مقدمها شرعة حقوق الإنسان. إذ إنه يميّز بين مودع وآخر بحسب الجنسية.

أمام هذا الواقع شكّلت رابطة المودعين خلية عمل مؤلفة من محامين وأعضاء من الرابطة متواجدين في بريطانيا. وقد جمعت هذه الخلية المودعين كلّهم من حملة الجنسية البريطانية في مجموعة واحدة وبدأت تلقي وتنظيم وكالات التكليف للدفاع عنهم في مواجهة المصارف وإجراءاتها الإذعانية أمام القضاء المختص. وبحسب جعفر فإن الإدعاء على المصارف سيكون بـ 3 تهم رئيسية وهي: إغلاق الحسابات بشكل تعسفي، خرق السرية المصرفية والتمييز. أما الهدف فهو إبقاء الحسابات مفتوحة في المصارف وفقاً للشروط والعقود القديمة.

معركة إعادة فتح الحسابات

المعركة المفتوحة في مواجهة “سلبطة” المصارف تأخذ شقين أساسيين:

الأوّل قانوني، يتكفّل به محامو “رابطة المودعين”، ويتركز على إعادة فتح الحسابات ونقض الإدعاء بأن الشيك المصرفي هو وسيلة إبراء. ويرتكز الفريق على سوابق وقرارات قضائية تصبّ في هذا الاتجاه، منها: قرار رئيسة دائرة تنفيذ بيروت القاضية مريانا عناني المتخذ في 30/11/2021 والذي ينصّ على أنّ “ردّ الوديعة بموجب شيك مصرفي لا يبرّئ ذمّة المصرف كون هذه الطريقة لا تحقّق للمودعين راهناً الإيفاء الفعلي. وعليه فإن المصرف يتحمّل في علاقته مع المودع مسؤولية الإخلال بتنفيذ موجباته التعاقدية”.

الثاني سياسي، ويعمل على فضح ممارسات المصارف أمام الرأي العام والفاعلين والناشطين على مختلف المستويات الحقوقية والإنسانية الرسمية والخاصة في الداخل والخارج. ويُظهر رياء البنوك التي تعمل على تحسين صورتها وتأكيد التزامها بالنظم والقواعد المصرفية أمام الجهات الدولية، إذ إن كلّ ما يهمّها حماية القلة التي تملكها وتديرها على حساب المودعين وموظفيها.

الإصلاحات لم تظهر بعد

إجراءات المصارف الاستنسابية تأتي في الوقت الذي فقد فيه المودع الأمل بالمنظومة السياسية والمصرفية. فـ”من بعد ما تأملنا خيراً بتقديم الحكومة برنامجاً إصلاحياً لمعالجة التحدّيات الاقتصادية والمالية، إذ بنا أمام خطة فاشلة “ولدت ميتة” تضمّنت مخاطر تضخمية عالية واقتطاعات (haircut) وتحديداً خاطئاً للمسؤوليات كونه حمّل المودع غير المسؤول بالاصل 56 في المئة من الخسائر”، تقول المستشارة القانونية لجمعية “أموالنا لنا” المحامية مايا جعارة، “في حين أن الخطة تقضي بتحميل الدولة ومصرف لبنان معاً 26 في المئة، والمصارف المسؤولة الفعلية بسبب أخطائها الجسيمة 19 في المئة فقط”.

المضحك المبكي أن الخطة تبشّرنا بأنّ أموالنا سترجع بأقرب وقت ممكن، ولو طال الأمد لعشرين سنة، علماً “أنه من المتعارف عليه في عالم المال والاقتصاد أن الأموال تفقد أكثر من 70 في المئة؜ من قيمتها في عشرين سنة، ما يعني أن الحكومة تعتزم إعادة جزء قليل من الأموال إلى المودع”، برأي جعارة، و”هذا ما لن نقبل به كجمعيات مودعين وكمواطنين”.

على الرغم من كل التحديات والصعوبات التي تواجه المودعين، نقف اليوم أمام فرصة تأطير المودعين في إطار جامع وفعّال. فبالإضافة إلى جمعيات وروابط المودعين، التي لا توفر جهداً أو طريقة للدفاع عن مصالحهم بشكل مجاني، وضعت نقابة المحامين نفسها راعياً لهذه القضية الوطنية، عبر لجنة أنشأتها. ويتمّ التواصل بين سائر المكونات لرصّ الصفوف. وسيعلن في وقت قريب عن الطروحات والحلول في بعض المواضيع لا سيما القضائية منها والمتعلقة بالدعاوى بوجه كلّ من المصارف ومصرف لبنان. والتعويل بحسب جعارة هو على المضي قدماً بالتحركات، خاصة مع دخول اتحاد نقابات المهن الحرة إلى ساحة النضال وفرض نفسها طرفاً أساسياً في هذا المجال”.

Leave A Reply