توظيف الرهان على عودة الحرب الباردة

روزانا بو منصف – النهار

هل يستطيع لبنان الابقاء على دينامية استحقاقاته بعيدا من التداعيات الخطيرة للحرب الروسية على اوكرانيا؟

يثير البعض هذا السؤال من باب جملة مؤشرات قد يكون أبرزها ان حسابات جديدة وطارئة قد تدخل على اعتبارات الدول ومن بينها الدول الاقليمية التي اظهرت تموضعا مبكرا الى جانب روسيا او امتنعت عن التموضع او ارتبكت ازاء احتمال العودة الى زمن الحرب الباردة وفق ما بادر الى التحذير من هذا الاتجاه زعماء اوروبيون على خلفية تحريك الرئيس الروسي لخرائط اوروبا واعادتها الى الوراء. اذ تسبب الاجتياح الروسي لاوكرانيا بتحولات لا تنتظر نهاية الحرب او نتائجها لبلورتها مع خطو دول اوروبية خطوات متقدمة غير مسبوقة على خلفية المسعى الروسي لاعادة رسم الخرائط في اوروبا مجددا . فان تعلن بولندا وفنلندا والسويد على سبيل المثال مبادرات غير مسبوقة في اتجاه مد يد الامداد العسكري لاوكرانيا هو امر كبير لا يقارن سوى باتجاه المانيا التي اعلنت عن تحول تاريخي في سياستها الدفاعية والخارجية بعد ممانعة لعقود طويلة على خلفية تاريخ المانيا في الحرب العالمية الثانية . وهي نتائج اولية اذا صح التعبير لتداعيات ستتفاعل على مستوى العالم وليس على المستوى الاوروبي فحسب على قاعدة تبسيط الامور بمفاوضات بين الجانبين الاوكراني والروسي في بيلاروسيا . باتت الامور اكثر تعقيدا مع مسعى الرئيس الروسي لقلب المعادلة المتعلقة بموقع بلاده في العالم وليس في اوروبا وحدها منذ انتهاء الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي فيما ان القلق الاوروبي يكبر وكذلك مستوى التفكير والاستعداد للمرحلة المقبلة .الامم المتحدة كذلك وجدت نفسها امام تحدي اعادة امرين لم يتم استحضارهما خلال عقود ايضا . احدهما هو فشل مجلس الامن في اتخاذ موقف من الاجتياح الروسي على خلفية الفيتو من روسيا نفسها ما فرض احالة اجتياح اوكرانيا على الجمعية العامة للمنظمة الدولية . والاخر هو اثارة اشكالية مشاركة روسيا في التصويت فيما هي طرف في النزاع ويتعين عليها الامتناع عن ذلك . هذا البند الاخير لم يستخدم منذ62 عاما فيما ان اخر احالة لمسألة مختلف عليها الى الجمعية العامة حصلت في 1997 . فيما سرى ان بريطانيا تدرس ابعاد روسيا عن مجلس الامن ، وهو موضوع اثارته اوكرانيا على خلفية المادة 6 من ميثاق الامم المتحدة التي تنص على ان اي عضو في الامم المتحدة انتهك باستمرار المبادىء الواردة في هذا الميثاق يجوز ان تطرده الجمعية العامة من المنظمة بناء على توصية مجلس الامن . ولا يعتقد ديبلوماسيون ان الامر سهل نظرا الى تحفظ الاعضاء الدائمين أنفسهم ازاء السير بهذه الطريق لاسباب اجرائية وسياسية على حد سواء.

الرهانات في الايام الاخيرة لدى البعض في لبنان تفاوتت بين اتجاهين: أحدهما يعتقد ان الامور قد تشهد عصفا على خلفية ما يجري في اوروبا باعتبار ان انشغال دول العالم التي كانت تولي اهتماما للبنان ستكون منشغلة جدا بتداعيات اوكرانيا او باولويات اخرى لم يكن لبنان من بينها حتى من دون اوكرانيا. وهذا يمكن ان يسمح بتقدم اجندات معينة في غفلة الدول المهتمة لا سيما في ظل استمرار محاولات يائسة ومتعبة لاقناع اهل السلطة بوضع انقاذ البلد على الخط من دون نتيجة تذكر حتى الان . والثاني يمكن ان تشكل الزيارات الديبلوماسية والمؤشرات المتعددة من بينها المساعدات وطبيعتها كما حال المساعدة الانسانية من المملكة السعودية في الايام الاخيرة ان لا تغييرات في المقاربة وهناك اهتمام مستمر بالانتخابات النيابية وضرورتها والمحافظة على الروزنامة المفترضة للاستحقاقات في لبنان على كل المستويات . والتصعيد الذي يظهره “حزب الله” على سبيل المثال باعتبار المتحرك الابرز على وقع الرهانات الاقليمية يبدو مثيرا للتكهنات من زاوية ارتباطه بالانتخابات اي هل هو على صلة بحصولها واضطرار الحزب لاستخدام خطاب تعبوي عالي السقف لم يعد يعطي نتائجه كما في السابق او هل هو على صلة بالرغبة في تعطيل الانتخابات وتحضير الاجواء التي تتيح ذلك او ايضا على صلة بالتموضع ربطا بالحرب الباردة الجديدة التي تضعه حكما في المعسكر المناهض للاميركيين والغرب عموما في خطاب اعاد تكرار ما قاله المرشد الايراني في هذا الاطار وقفز مسبقا الى استنتاج خلاصات الحرب على اوكرانيا بان ” العبر والدروس انما في عالم يحترم الاقوياء” . ويبدو هزيلا جدا ومستغربا محاولة ربط يوميات لبنان السياسية بتطورات الحرب على اوكرانيا ، لكن هذا ما يكشفه الواقع . اذ في الوقت الذي كان التموضع ربطا بنتائج مفاوضات فيينا واستعادة ايران اموالها بعد رفع العقوبات ما كان يمهد لاعلان انتصار لها في مناطق نفوذها ، اقله وفق الرهانات القوية على ذلك، دخلت الحرب على اوكرانيا اطار الرهانات. فتغيير او نسف فلاديمير بوتين الاحادية الاميركية واعادة بناء استقطاب عالمي جديد يتمحور على ثنائية او ثلاثية عالمية اذا اخذت الصين في الاعتبار فيما لا تندرج الصين في خانة القرب الى الولايات المتحدة التي كانت ستنصرف ادارتها في ظل ادارة الرئيس جو بايدن الى الحد من توسع نفوذها يحقق حلما بالنسبة الى البعض او يشكل مناسبة ينبغي الاستفادة منها. فيما ان الامور على حقيقتها تحتاج الى وقت للتوضيح مساراتها حتى لو ان الاقتناع كبير بان بوتين لن يسمح لنفسه بالخروج خاسرا في هذه المواجهة.

Leave A Reply