لا إقالة ولا استقالة ولا مجلس وزراء!

لا يزال السباق على أشدّه بين محاولات بعض السلطة والحكومة في لبنان وضع حدّ لعاصفة الإجراءات السعودية والخليجية في حق لبنان، والمضي في هذه الإجراءات بلا هوادة، ما دامت المواقف الرسمية اللبنانية لا تتجاوز حدوداً كلامية، ولا ترقى إلى مصاف الاجراء البديهي الذي تطالب عبره الدول الخليجية باستقالة وزير الإعلام جورج قرداحي كنقطة انطلاق أولية لبدء معالجة الأزمة.

ومن المقرر ان يزور رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي عاد من لندن مساء أمس، صباح اليوم رئيس الجمهورية ميشال عون ثم رئيس مجلس النواب نبيه بري للبحث عن صيغة حل للأزمة الديبلوماسية التي نشأت مع المملكة العربية السعودية وعدد من دول الخليج.

ويبدو ان مطلب عقد جلسة لمجلس الوزراء لا يزال يصطدم برفض الوزراء الشيعة ومعهم الفريق الوزاري المتضامن مع وزير الاعلام جورج قرداحي، علما ان عقد جلسة لمجلس الوزراء هو مطلب رئيس الجمهورية، الا ان رئيس الحكومة غير متحمّس للدعوة انطلاقاً من عدم وجود اتفاق مسبق مما قد يسرّع في انفجار الحكومة من الداخل كما يخشى ميقاتي.

وسيزور ميقاتي رئيس مجلس النواب بعد بعبدا للبحث معه في حل لمسألتين: اعادة تفعيل عمل مجلس الوزراء بفصل التحقيق العدلي في انفجار مرفأ بيروت عن عمل السلطة التنفيذية، وصيغة المعالجة الممكنة لقضية وزير الاعلام جورج قرداحي الذي طالب باستقالته اولاً كمفتاح للحل كل من دخل على خط الوساطة لوقف الاجراءات الخليجية بحق لبنان.

ولكن وفق المعطيات الثابتة حتى البارحة، فإن الإقالة غير ممكنة، والاستقالة لم يقتنع بها بعد وزير الاعلام الذي يطالب بضمانات بأن الأزمة ستتوقف مع استقالته. كما ان الفريق الوزاري المتضامن معه يعتبر “ان معالجة مثل هذه المسألة لا تقتصر على الحكومة ولا تحل بجلسة لمجلس الوزراء، ولن تكون بالفرض ولا بالاستصغار. وهذه المسألة المستجدة لن تعطّل المطالبة المستمرة بمعالجة الخلل في مسار التحقيق العدلي في جريمة المرفأ”.

وتبعا لهذه المعطيات فحتى الآن كل الرسائل الايجابية التي صدرت عن المسؤولين اللبنانيين في اتجاه المملكة والعربية السعودية تقابل بصمت. حتى التسجيلات الصوتية المسربة لوزير الخارجية عبدالله بو حبيب لم يصدر عليها ردود فعل واعتبرها الجانب اللبناني بأنها تدخل في اطار حرية الرأي والتعبير ولا تمسّ أحدا.

بوحبيب… مجددا

ومع ذلك حرص رئيس الجمهورية بعد استقباله عصر امس الوزير بو حبيب على تحميله موقفاً لاعلانه بشكل رسمي من منبر بعبدا، فنقل عنه بوحبيب “ان موقف لبنان واحد حيال ضرورة قيام افضل العلاقات مع السعودية وسائر دول الخليج والدول العربية”. وقال وزير الخارجية: “لا يجوز تأثر العلاقات باي مواقف فردية ووجهة نظر الدولة اللبنانية محددة في ما يصدر عن أركانها وفي البيان الوزاري للحكومة”، مؤكداً ان “اي إشكالية بين دولتين شقيقتين مثل لبنان والسعودية لا بد ان تحل بالحوار والتنسيق وفق ميثاق جامعة الدول العربية.”

وأعلن بو حبيب “أن لبنان يتطلع إلى اشقائه العرب كي يكونوا إلى جانبه في ظروف الصعبة، واي تباعد عنه ستكون له انعكاسات سلبية تؤذي التضامن والتعاون بين الاشقاء”. وشدد على “ان لبنان ما كان يوما الا نصير الدول العربية الشقيقة كلها ولم يكن في يوم من الأيام ولن يكون معبرا للإساءة إلى أي دولة”.

وتحدثت مصادر سياسية مطلعة عن دلالات معبرة للفوارق اللافتة التي ظهرت بين نبرة وزير الخارجية المتشددة اول من أمس في حديثه لوكالة رويترز والنبرة المهدئة والمرنة التي طبعت تصريحه أمس عقب لقائه رئيس الجمهورية اذ يعكس البيان الذي تلاه بعد اللقاء انزعاج رئيس الجمهورية وقلقه من تمادي الأزمة مع الدول الخليجية وبدء مرحلة جديدة من المقاربات سعيا إلى احتواء الداعيات والأضرار البالغة التي لحقت بلبنان واللبنانيين وستلحق بهم بعد جراء هذه الأزمة ما لم يسارع لبنان إلى محاولة وضع حد سريع لها.

وكانت المعلومات الرسمية لبعبدا أوضحت ان الرئيس عون تابع هذا الملف من خلال سلسلة اتصالات لمعالجة الأوضاع التي نشأت عن قرار عدد من دول الخليج سحب سفرائها من لبنان والطلب إلى السفراء اللبنانيين لديها مغادرة أراضيها، ورصد ردود الفعل الغربية والدولية ودرس السبل الايلة لمعالجة الوضع المستجد، لا سيما في ضوء اللقاءات التي عقدها الرئيس ميقاتي مع عدد من القادة العرب والأجانب على هامش “مؤتمر المناخ” في غلاسكو واطلع الرئيس عون على التقارير الواردة من البعثات الديبلوماسية اللبنانية في الخارج التي تناولت أوضاع اللبنانيين في عدد من الدول الخليجية.

مواقف خارجية

في هذا السياق وعلى خط الاتصالات الدولية لتهدئة الأزمة الناشئة، التقى وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن، على هامش المؤتمر حول المناخ في غلاسكو، نظيره الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان. وجاء في بيان للخارجية الأميركية، أن الوزيرين بحثا التطورات في لبنان وسوريا. في المقابل، اكدت الخارجية الأميركية أن” حزب الله يهتمّ بمصالح إيران أكثر من اهتمامه بمصالح اللبنانيين، متهمة الحزب بأنه أحد الاسباب الرئيسة لتفاقم أزمات لبنان”.

وأعربت الولايات المتحدة، لاحقا عن أملها في أن تستعيد المملكة العربية السعودية وحلفاؤها من الدول الخليجية العلاقات مع لبنان، فيما عبَّرت عن تفهمها لمخاوف الرياض. وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس للصحافيين: “نعتقد أنّ العلاقات الديبلوماسية، قنوات الاتصال بين لبنان وشركائه، يجب أن تبقى مفتوحة”.

وفي المقابل غرّد السفير السعودي في لبنان وليد بخاري في تصريح على حسابه الخاص عبر “تويتر” وكتب: “تَكْمُنُ الأزمة تحديدًا في أنَّ القديمَ يُحْتَضَرُ وَالجديدَ لم يُولدْ بعد.. وَفي ظلِّ هذا الفراغِ يظْهَرُ قَدرٌ هائلٌ من الأعْراضِ المَرَضِيَّة…! المُفكر الإيطالي أنطونيو غرامشي”.

في المقابل نقلت رويترز عن مسؤول إيراني كبير مقرب من مكتب الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي أن تحرك الرياض يظهر أن السعوديين “يخسرون أمام إيران على الجبهة الديبلوماسية ويحتاجون إلى بعض النفوذ “. واعتبر المسؤول الإيراني انه بينما أظهرت الأزمة أن السعودية قادرة على “عزل لبنان” فإنها لن تكون قادرة على عزل “حزب الله”.

المطارنة الموارنة

وفي المواقف الداخلية البارزة دعا المطارنة الموارنة إثر اجتماعهم الشهري في بكركي برئاسة البطريرك بشارة بطرس الراعي “المسؤولين في الدولة إلى الاسراع في ترميم العلاقات مع دول الخليج، وإزالة أسبابها، وعودة حركة التصدير والإستيراد معها”. وشددوا “على أن ظروف البلاد المأسوية كانت تقتضي أن تتألف حكومة في منأى عن التسييس، مهمتها الأساسية استجابة الشروط الدولية الموضوعة لمساعدة لبنان وإنه من المعيب حقا تحول التماسك الوزاري تعطيلا للسلطة الإجرائية وزيادة في شلل البلاد ونزيفها. وإن أبسط موجبات المسؤولية الوطنية الترفع عن الخلافات السياسية والإقبال على العمل الدؤوب تنفيذا للبيان الذي نالت الحكومة الثقة على أساسه”. وبينما تمسك المطارنة باجراء الانتخابات في مواعيدها، أبدوا “استياءهم وحزنهم البالغين أمام الأحداث المفاجئة والمستغربة التي كانت منطقة عين الرمانة – الطيونة مسرحا لها. وتقدموا بالتعازي من أهالي الضحايا والتمني بالشفاء العاجل للجرحى، وأكدوا أن خلاص البلاد الوحيد يكمن في تعزيز حضور الدولة الأمني والاجتماعي، وعملها على إحقاق الحقوق وسيادة العدالة، من خلال تحرير القضاء من التسييس والتطييف، وإطلاق يده في التحقيقات العائدة إلى تفجير مرفأ بيروت من جهة، وتلك العائدة إلى الأحداث المشار إليها، من جهة أخرى، بعيدا عن فوضى الإتهامات الشعبوية والإتهامات المقابلة لها، وعن امتهان الكرامات وتركيب الملفات في حق الذين يستدعون أو يساقون إلى التحقيق”.

النهار

Leave A Reply