أرقام خطة «التعافي» فَقَدَتْ عافيتها وباتت «لزوم ما لا يلزم»!

ذو الفقار قبيسي – اللواء

أرقام خطة «التعافي» التي وضعتها الحكومة الراحلة فقدت عافيتها وطاقتها، وكمثال عن «الأحلام» و«الأوهام» التي تضمنتها خفض التضخم إلى ٥٣% عام ٢٠ وإلى ٧% عام ٢٠٢١ وصولا إلى ٦% عام ٢٠٢٤!!! في حين على أرض الواقع ارتفعت أسعار المواد الغذائية ٦٨٠% خلال سنتين فقط!

وفي الخطة زيادة الضرائب على الشركات إلى ٢٠% وعلى الرواتب العالية إلى ٣٠% وعلى ضريبة القيمة المضافة T.V.A للسلع الفاخرة من ١١% إلى ١٥% وتحقيق فائض أولي في الموازنة العامة بـ1,6% في العام ٢٠٢٤. في حين ان تدهور الأوضاع الاقتصادية إلى الحضيض لم يعد يسمح بكل هذه الاجراءات المالية المطلوبة ومنها خفض فاتورة الرواتب والأجور «بما يخفض الاستهلاك ويزيد الاستثمار ويحدّ من الاستيراد» كما هي العبارة الواردة في «أدبيات» خطة الحكومة الراحلة والتي كان منها أيضا السعي لإستعادة ١٠ مليارات دولار من الأموال المنهوبة على مدى ٥ سنوات، ومنها أيضا أن سعر الصرف الذي اعتمدته الخطة كان في حينه ٣٥٠٠ ليرة في حين وصل سعر الصرف أحيانا إلى أكثر من ٢٠ ألف ليرة. وفي حين كان الاحتياطي في مصرف لبنان ٣٨ مليار دولار بات الآن أقل من ١٤ مليار دولار وارتفعت كميات الليرة المطبوعة خلال سنة ونصف السنة نحو ٥ أضعاف وتقلصت كميات الدولارات المتوافرة التي تحمي الليرة التي فقدت أخيرا كل حماية وباتت تحت رحمة دولار يتحكم بالسوق دون أن يكون لدى البنك المركزي من الاحتياطيات التي تلجم عادة سعر الصرف عند الحدود الآمنة التي تنص الخطة انها ستسعى للحفاظ عليها من ضمن سياسة نقدية مرنة في إطار تحرير وتوحيد السعر تحتاج لتحقيقها الى احتياطيات تناقصت وعلى غرار كل المعطيات التي استندت إليها الخطة والتي لم تعد متوافرة بما يقتضي الانطلاق نحو وضع خطة جديدة وبأرقام تعبّر عن واقع الأحوال المستجدّة والتي لا يبدو حتى الآن أي علامات أو مؤشرات عنها لا من جهة كيفية توزيع الخسائر على «الفرسان الثلاثة»: الدولة والمصارف ومصرف لبنان، ولا من جهة سعر الصرف المرن الذي ستعتمده الخطة في عملية التوحيد والتحرير، ولا من جهة الضرائب التي ستفرضها الخطة على شعب أكثره ليس لديه أجرة النقل للوصول إلى مقر العمل وعلى اقتصاد ينهار إلى درجة لم يعد قادرا على النهوض ولو بدون ضرائب فكيف عساه «يتعافى» وينهض بضرائب جديدة؟!!!

ويبقى السؤال..

كيف حصل أن هكذا خطة تجاوزت التطورات في فترة وجيزة جدا أكثر أرقامها ومعطياتها، وضعت من قبل شركة استشارية دولية!!! وبحكومة ضمت عددا وافرا من «خبراء»!! و«اختصاصيين»!! ثم ثبت فيما بعد أن ما تضمنته لا علاقة له بواقع الأمور لا الاقتصادية ولا السياسية وكلّفت ميزانية الدولة الكثير من الجهد والوقت والمال ولمجرد احداث ضجيج إعلامي وأكاديمي وسياسي ودون أي جدوى أو مآل؟ وبما يقتضي طرح السؤال حول مدى قدرة أو معرفة من يطلق عليهم «أهل الاختصاص» و«التكنوقراط» من حملة الشهادات «العلمية» ودون أي خبرات عملية وميدانية، على حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، في حين ان الشهادات الأكاديمية لا تعني شيئا إلا بقدر ما يمكن استخدام ما تحصل بها من علوم ومعارف في تطبيقات عملية.

ثم انه من يضمن أن لا يتكرر الأمر نفسه في الخطة التي ستعتمدها الحكومة الجديدة في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، والتي ستخضع بدورها للتطورات والمعطيات الاقتصادية والمالية والسياسية الأقليمية والدولية بما يتجاوز أو يلغي ما تضمنته من توقعات واستندت إليه من أرقام ومؤشرات وضعت أساسا بشكل «تسويات» ترضي أطراف النزاع من أهل المحاصصات، فكيف عساها ترضى قبولا من صندوق يعمل بمنطق المصرف الدولي لا بـ«اللامنطق» اللبناني.

Leave A Reply