فقدان المازوت يطفئ لبنان

يترنّح مناخ تأليف الحكومة ما بينَ تفاؤل حذر ومخاوف من أن تصِل ‏المداولات بين الرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي إلى حائط مسدود. حتى ‏الآن، يتقصّد الطرفان إشاعة أجواء إيجابية وودية، لكنها غير كافية لولادة ‏سريعة. بينما تتوالد الأزمات الواحدة تلوَ الأخرى معيشياً واجتماعياً وأمنياً، ‏وكل المؤشّرات تقود إلى اتجاه واحد… الانفجار القريب

مِن رحم انهيار القطاع المصرفي وسعر صرف الليرة، تتوالد أزمة تلوَ أخرى وتضع البلاد في ظروف يستحيل العيش ‏في ظلها. وكأنه لم يكفِ السكان الشحّ الشديد لمادة البنزين طوال الأشهر الماضية وطوابير السيارات المتروكة على ‏محطات الوقود سعياً للحصول عليها، ولا اختفاء الأدوية ولا صعوبة تأمين مستلزمات القطاع الطبي. اكتملت ‏المصيبة، مع انقطاع مادة المازوت، ما ينذر بنتائج كارثية على كل القطاعات بسبب عتمة شاملة، باتَ لبنان معها ‏يستحق لقب “وطن الظلام” بجدارة. فأزمة المازوت تتمدّد. وانقطاع هذه المادة الحيوية لم يعُد محصوراً بقطاع دون ‏آخر. اتسعت الأزمة لتشمل المستشفيات والمصانع والمطاحن وكل ما يمسّ بضروريات السكان. فبعد إعلان أكبر ‏مصنع لصناعة وإنتاج الأمصال في لبنان توقفه عن العمل بسبب فقدانه مادة المازوت، والحديث عن قرب توقف ‏بعض المستشفيات عن العمل، أصدر تجمع المطاحن يوم أمس، بياناً أعلن فيه توقف عدد من المطاحن قسرياً عن ‏العمل للسبب عينه. وأضاف إن “المطاحن الأخرى ستتوقف خلال أيام معدودة عن العمل تباعاً وتدريجياً وفقاً لحجم ‏مخزونها من المازوت”. وفقدان هذه المادة لن يؤثر فقط على المطاحن، بل على مختلف القطاعات التي تُعنى بصناعة ‏الخبز. إذ يشير نقيب أصحاب الأفران والمخابز علي إبراهيم في حديثه الى “الأخبار” الى ترابط المطاحن والأفران ‏ومعامل النايلون بين بعضها البعض، فتوقف أحدها عن العمل يؤدي إلى توقف الآخر. وإقفال المطاحن يعني عدم توفر ‏الطحين لصناعة الخبز العربي، وإقفال المعامل يعني فقدان أكياس النايلون لتغليف الخبز. أما المشكلة الرئيسية، وفقاً ‏لإبراهيم، فهي لامبالاة المسؤولين رغم إطلاقه الصرخة منذ 5 أيام طالباً تدارك الأزمة، “إلا أن أحداً لم يتصل ليسأل ‏أو ليعرض حلّاً” كما قال. لذلك فإن الأزمة الحقيقية “ستبدأ في الغد ما لم تحصل معجزة ويتم إمدادنا بالمازوت اليوم، ‏وقد أبلغت كل الأفران التي اتصلت بي أمس لتعلمني عن نفاد المازوت لديها بأن تطفئ نيرانها وتقفل أبوابها”. وأشار ‏إبراهيم إلى أنه سبق أن سأل المعنيين كيف أن هذه المادة موجودة بوفرة في السوق السوداء ومقطوعة وفقاً للسعر ‏الرسمي، فلم يلق جواباً حتى الساعة‎.‎

رغم هذا الواقع المأسوي، لا تزال أجواء الغموض تُخيّم على مجريات عملية تأليف الحكومة، إذ تترنّح المساعي ‏التي يُجريها الرئيس المُكلّف نجيب ميقاتي مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بينَ عِقد ليسَت مستعصية على ‏المعالجة، لكن في الوقت ذاته لا إمكانية سريعة لتجاوزها، ما يُبقي الملف برمته في دائرة المراوحة. في العلن، يدفع ‏عون كما ميقاتي نحو استعجال الولادة الحكومية. حتّى إن كلاً منهما يتقصّد الحديث عن الآخر بشكل إيجابي، ‏وتأكيد أن مداولات التأليف تختلِف كلياً عن تلكَ التي حصلت مع الرئيس سعد الحريري. مصادر الطرفين تؤكّد ‏الودّ الذي يتعامل به أحدهما مع الآخر، وأن “النواقص التي تمنع التأليف تحتاج إلى مزيد من الاتصالات ‏والمشاورات”، مع الإصرار على أن العقبات “محصورة ببضع حقائب وزارية‎”.‎

لكن مصادر سياسية مواكبة للاتصالات الجارية، رأت أن “الجو المُعلن عنه يختلف كلياً عمّا هو خلفَ الكواليس”. ‏صحيح أن “اللقاءات التي تجمع عون بميقاتي سادتها أجواء غير متشنجة، وأن الاثنين يعتبران أن التفاهم مُيسّر”، ‏إلا أن ذلك لا يمنع المصادر من التلميح بـ”عملية تصفية حسابات سياسية تستنفِد كل محاولة تسوية”، وسطَ ‏تشكيك بأن يكون الرئيس عون وفريقه “يريدان فعلاً تأليف حكومة برئاسة ميقاتي‎”.

وفيما لم يُعقد أي لقاء جديد بين عون وميقاتي في اليومين الماضيين، كشفت مصادر سياسية عن بعض المجريات ‏التي حصلت. ومنها أن “الرئيس نبيه برّي أبلغَ ميقاتي أنه غير متمسّك بخليل للمالية، وقال له إن الموضوع عنده، ‏لكن الأخير لم يطرح اسماً بديلاً”. وكانَ لافتاً بحسب المصادر أن “برّي أيضاً أكد في ما بعد، خلال لقاء جمعه ‏بميقاتي أمس بعيداً عن الإعلام، أنه لا يمانع إدخال تعديلات على أسماء الوزراء الشيعة المطروحين في حال كانت ‏هناك ملاحظات من قبل رئيس الجمهورية عليها، لكن حينها أيضاً سيكون لنا أيضاً رأي في الأسماء المسيحية ‏التي طرُحت‎”.

النقطة الوحيدة المؤكدة هي أن “ميقاتي ليسَ في وارد الاعتذار حالياً، ولا يربط تكليفه بأي مدة زمنية، وهو مُصرّ ‏على استكمال مساعيه، وخاصة أنه لم يلمس أي تعاطٍ سلبي من جانب عون”. لكن ما يطمَح إليه هو “تأليف ‏حكومة متجانسة تذهب الى العمل بدلاً من أن تذهب الى الخلافات على الملفات داخل الحكومة”. وفي هذا الإطار، ‏لفتت المصادر إلى أن “التركيز في النقاشات محصور في حقائب الاتصالات والطاقة والعدل والاقتصاد والمالية، ‏وذلِك لأن الاستحقاقات تتطلّب اختيار أسماء لديها القدرة على الإمساك بالملفات، لجهة التفاوض مع صندوق النقد ‏الدولي واستقرار سعر الصرف وتطبيق الخطط الموضوعة لقطاعات الكهرباء والصحة والاتصالات”، وهي ‏‏”خطط لن تحقّق العجائب، لكنها ستضع البلاد على خط الإنقاذ خلال سنتين أو ثلاث‎”.‎

الأخبار

Leave A Reply