ابراهيم بيرم – النهار
مرة اخرى تبدو الكرة في ملعب رئيس مجلس النواب نبيه بري، وقد بات في موقع المُكره على المبادرة العاجلة لكي ينفي عن نفسه انه محاصر بشبهة العجز عن التعامل مع التحدي الجديد، ويظهر في المقابل انه ما انفك يملك القدرة على التحكم والسيطرة والامساك بخيوط اللعبة. ويعي المحيطون بالرئيس بري ان الحملة عليه هذه المرة ليست بالقليلة او التي يمكن استيعابها بيسرٍ وأريحية. فخصومه بدوا في الساعات الماضية كأنهم حققوا عليه فوزاً مبيناً في أمرين اثنين:
الاول أنهم ردّوا على قفاز التحدي الذي سبق له ان القاه في وجوههم خلال الاشهر الماضية وذلك عندما دعاهم ومن باب التحدي والتعجيز الى الاتفاق والتوافق في ما بينهم على اسم مرشح واحد للرئاسة الاولى يمحضونه الدعم المعلن والصريح، ويدفعون به الى ساحة النجمة لينازل في القاعة العامة وعبر صندوق الاقتراع مرشحه المعلوم الذي هو بالنسبة اليه مرشح وفق كل معايير اللعبة السياسية والرئاسية في البلاد.
وبحسب بعض التحليلات بدا الرئيس بري ضمناً، كأنه يراهن على ان عمق الخلاف والافتراق بين قطبَي المعارضة المسيحية، اي “التيار الوطني الحر” وحزب “القوات اللبنانية”، سيحول دون تقاطعهما في لحظة معينة على اسم مرشح رئاسي واحد يمتلك قابلية المنازلة في المجلس.
الثاني ان خصوم بري باتوا يتصرفون منذ نهاية الاسبوع الماضي، على اساس انهم نجحوا في الرد على التحدي بمثله، بل انهم افلحوا وبعد لأيٍ وتنازلات متبادلة في إخراج بري من وضع المطلق اليدين والقادر على الحراك بأريحية، ليجعلوه في الضفة الاخرى، اي في موضع “المتهم” حتى من جانب بكركي وسيدها ومن جانب مرجعيات اخرى كونه مستمرا في لعبة قفل ابواب المجلس منذ الجلسة الحادية عشرة للانتخاب التي انعقدت قبل نحو ثلاثة أشهر الى اليوم، وهو أمر ينافي المنطق ويجافي بنود الدستور وآلياته المعمول بها.
وعليه، ووفق تشخيص المحيطين ببري، فان هؤلاء الخصوم ظنوا انهم قد انطلقوا في رحلة تصفية الحساب الطويلة مع رئيس المجلس، خصوصا انه في نظرهم قد بكّر في قيادة عملية المواجهة الشرسة معهم من خلال تسمية زعيم “تيار المرده” سليمان فرنجيه مرشحا ثابتا استهلالا، لينطلق بعدها وبخطى ثابتة في رحلة تسويق لهذا الترشيح عبر اطلالات تزيل العقبات من امام بلوغه قصر بعبدا، الى درجة ان ثمة مَن انبرى في المعارضة الى ان يعطي بري لقب “مدير العلاقات العامة في حملة فرنجيه الرئاسية”، وقد استتبع هذا الامر لاحقا باتهامهم بالعجز عن تجاوز صراعاتهم ويتحداهم في ان يسمّوا مرشحا واحدا.
ويضع هؤلاء في صلب حساباتهم ان تطول تلك الحملة وان تأخذ خطا تصعيديا في قابل الايام بقصد استكمال حلقات الحصار والتضييق على بري وخياراته وحصره تماما في زاوية تهمة “التعطيل والعرقلة” توطئة لتحميله تبعات هذا الامر على كل المستويات.
لكن مصادر عين التينة تؤكد ان الرئيس بري ليس بغافل عما يعملون ويحضّرون، وهو يتعامل مع هذه “الحملة” على انها حملة تهويل ليس إلا. واكثر من ذلك، تبين تلك المصادر ان بري كان على بيّنة مسبقة ببلوغ الامر هذا المستوى من التصعيد ومن ملء الفراغ بالقنابل الدخانية المصحوبة بالضجيج والضوضاء، وهو لذا أعد العدة اللازمة لاستيعاب مفاعيل هذه الهجمة ومن ثم الشروع بالتحضير لردود يعتبر انها مفحمة وتقدم برهانا عمليا على انه لم يفقد بعد زمام المبادرة خلافا لما يشيعون، بل انه ما انفك يمتلك خيوط التحكم والسيطرة بمسار اللعبة وهو ليس من النوع الذي يفاجأ. وبناء عليه، سارع بري الى الرد من خلال دحض التهمة المساقة اليه وهي قفله ابواب المجلس، معلنا ان هذه الابواب مشرّعة على مصاريعها ولكن ليس على اساس تكرار تجربة الجلسات الـ 11 المُرة واستنساخ نهاياتها التي يعلم الجميع انها رفعت منسوب الاحتقان الداخلي واظهرت حجم الانقسامات العاصفة في المجلس. ويكرر بري على لسان تلك المصادر انه “لن يكفّ عن القول انه على اتم الاستعداد لتوجيه الدعوة لتحديد موعد لعقد جلسة انتخاب حال تيقّنه من وجود مرشحَين جديين على الاقل لدخول السباق الى قصر بعبدا.
واستطرادا، يرى الرئيس بري ان ما حصل خلال الايام القليلة الماضية، وتحديدا بعد الحراك السياسي المشهود، “يقدم برهانا اضافيا على انه ليس امامنا اي مرشح موحد ونهائي للمعارضة”، فلا “التيار الوطني الحر” وتكتله النيابي (لبنان القوي) قد قال بصريح العبارة إن الوزير السابق جهاد ازعور هو مرشحه الرسمي للرئاسة الاولى، خصوصا ان التكتل بعد اجتماعه الاستثنائي برئاسة الرئيس ميشال عون لم يصدر عنه ما يؤكد ان ازعور مرشح نهائي مستعد للاتفاق عليه مع آخرين، وجُلّ ما صدر عبارة عن بيان حمّال اوجه ومحاولة هروب الى الامام، فضلاً عن ان رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع قد اكد انه ليس في وارد تسمية ازعور مرشحا باسمه وباسم قوى المعارضة ما لم يسمع بأذنه من باسيل تبنياً صريحاً ورسمياً لهذا الترشيح.
وواقع الحال هذا، تضيف المصادر عينها، يؤكد التحليل القائل بان جعجع انما يلعب لعبة حشر باسيل المربك اصلا والمستغرق في حسابات تفصيلية، وهو لا يبدو مستعجلا.
وفي كل الاحوال، تخلص تلك المصادر الى التاكيد ان عين التينة مهيأة ومستعدة لجبه كل الاحتمالات سواء كانت مناورات أو حملات ضغط وتهويل او رغبة في فتح صفحة حوار تفضي الى تسوية رئاسية تقي البلاد شر اطالة أمد الازمة وأشكال الانهيارات الناتجة عنه.